صفحات العالم

منطقة نفوذ

ساطع نور الدين
ثمة نظرية تنتشر في بعض الأوساط السياسية المتابعة للموقف التركي المتصاعد من إسرائيل وسلوكها الجنوني، وتفيد بأن تركيا ورئيس وزرائها رجب طيب أردوغان يقود، بالتواطؤ او التنسيق مع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، حملة لإطاحة حكومة اليمين الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو واستبدالها بحكومة أقل تمرداً على الأميركيين وأشد احتراما لتركيا ودورها المرغوب والمنشود من قبل أميركا التي تريد مانعا دون توسع النفوذ الإيراني في العالم العربي، لا سيما في العراق ولبنان وفلسطين.
وهذه النظرية مبنية على افتراض صحيح الى حد ما هو ان حكومة نتنياهو باتت متعبة لإدارة اوباما التي تضطر بين الحين والآخر الى التدخل المباشر لمنع إدانة إسرائيل ومعاقبتها على أعمال ومواقف خرقاء يؤمن الاميركيون فعلا انها لا تخدم المصالح الاسرائيلية نفسها، وآخرها الهجوم الدموي على اسطول الحرية التركي المتجه الى غزة، فضلا عن انها تضر بالمصالح الاميركية في العالمين العربي والاسلامي، حسبما جاء في شهادة شهيرة امام الكونغرس لقائد القيادة المركزية الاميركية ديفيد بترايوس قبل أسابيع… وكانت أشبه بقنبلة مدوية، ساهمت الى حد ما في قبول إسرائيل بتجميد الاستيطان لأربعة أشهر والذهاب الى مفاوضات غير مباشرة مع السلطة الفلسطينية!
لكن هذه النظرية الرائجة هذه الأيام تفتقر الى أكثر من سند. فالموقف التركي من اسرائيل شهد تحوله الأبرز في خلال حرب غزة العام 2008 -2009 التي خاضتها حكومة ايهود اولمرت. كما ان الموقف الاميركي الذي عكس ضيقا من حكومة نتنياهو وجدول اعمالها المتطرف ورغبة صريحة في تغييرها نتيجة اعتراضها على برنامج اوباما المفترض للمصالحة مع العالمين العربي والاسلامي ولتحقيق تسوية فلسطينية في مهلة زمنية معقولة، توصل في مرحلة لاحقة الى الاستنتاج بأن الانخراط مع تلك الحكومة ومحاولة استيعابها أسهل وأقل كلفة بكثير من إسقاطها.. كما هي الحال بالنسبة الى حكومات اخرى في المنطقة تتمرد على الاميركيين وتتحداهم.
كما ان هذه النظرية تفتقد المنطق او الحس السياسي السليم. صحيح ان أردوغان يردد بشكل يومي تقريبا انه ليس لديه مشكلة مع اسرائيل وشعبها بل فقط مع حكومتها الحالية التي وصفها بالأمس بأنها حكومة قراصنة، لكن هذا الضغط التركي لم يسفر حتى الآن عن اي اختلال في وضع نتنياهو وائتلافه الحكومي، بل كان العكس هو الصحيح، فزادت شعبية ذلك الائتلاف لدى الاسرائيليين وتراجعت فرص خصومه السياسيين في إطاحته.. وهو ما ثبت ايضا في المواجهة السياسية التي خاضها رئيس الوزراء الاسرائيلي مع ادارة اوباما حول المسار الفلسطيني وانتهت في الظاهر الى نكسة سياسية اسرائيلية مؤقتة، لكنها مهدت لمكاسب سياسية جوهرية بعيدة المدى بالنسبة الى اسرائيل على ذلك المسار تحديدا.
كل الدلائل تشير الى ان ادارة اوباما سلمت منذ فترة بالامر الواقع الاسرائيلي، او لعلها اعادت اكتشاف اهمية اسرائيل ودورها الاقليمي، وإلى ان حكومة اردوغان تطالب ادارة اوباما بضبط هذا الدور وتحديده بدقة ووضوح.. حتى لا يعتبر الاسرائيليون انهم حصلوا على تفويض مطلق بالتصرف على هواهم في منطقة النفوذ التركي المستعاد.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى