نحن من سمح للظلامين بالظهور !!
خولة غازي
لم اتفاجئ ـ صراحة ـ بالقانون الظلامي للاحوال الشخصية ، فهو نتيجة منطقية لسلوك متنامي في اللاوعي ـ للمجتمع السوري ـ الذي شهد تحولات ومنعطفات خطيرة ، في ظل غياب شبه تام للمجتمع المدني السوري ، الذي اقتصر دوره من خلال منظمات ( شعبية ) كما أطلق عليها الحزب الحاكم : اتحاد العمال والفلاحيين والشبيبة والطلائع والاتحاد النسائي .. كل هذه المنظمات لم تستطع أن تلامس الواقع ، وتحولت بعد حين إلى مؤسسات نفعية ، وشكلية ، يضيع فيها الهدف العام على حساب المنافع الشخصية الضيقة .
حتى القوانين لم تشهد أية تغيير يتلائم مع العالم الحديث ، لذا بات الروتين و الرشوة يحكم عمل القضاء ، مما أسهم في خلق زعامات و ( بلطجية ) ، بإستطاعتهم فك حبل المشنقة . إضافة إلى ظهور حركات دينية داخل الحراك السوري ، استطاعت أن تستقطب افراداً غابت عنهم المؤسسات الاهلية ، وهم يبحثون عن من يحلل ويحرم وينظم أمورهم الحياتية .
وكانت شارة البداية في تواطئ الحكومة مع الجماعات الدينية ، من خلال ترخيص عمل (القبيسيات) ، والدوافع التي ساقها البوطي انذاك في أنها حركة مسالمة ، والنساء ( القبيسيات) يقمن يومياً بالدعاء للقيادة السورية بالازدهار … طبعاً هي مسوغات مضحكة ، ولكن هذا هو الدور الذي يراد من المرأة .
وهذا التنامي الخطير تزامن مع غياب المثقف عن المجتمع ، وقد يكون غياباً قسرياً ، بسبب التضييق الامني على عمل المثقفين بإعتبار أن أي رأي مخالف قد يهز اركان الحكومة ، بينما دعاء المؤمنين والمؤمنات لا يهزها ـ بل يزيدها رخاء وامناً.
قد تكون تجربتي مع مدينتي ( حلب ) تعطي فكرة عن تنامي الظلاميين في مجتمعنا : كانت تعيش الطوائف المتنوعة جنباً الى جنب في ذات الحي ، ولكن في اوائل الثمانيات توسعت الاحياء ، وبدأ التقسيم الطائفي يظهر: احياء للطائفة المسيحية ، واحياء للطائفة المسلمة ، واحياء للاكراد و من الصعوبة بمكان أن تجد كماً كبيراً من المسلمين في الحي المسيحي أو العكس .
وقد جاء اختيار حلب عاصمة للثقافة الاسلامية كي يزيد الطين بلة ، وقد عاصرت جزءاً كبيراً من التحضيرات للاحتفالية : فقد اعترض بعض رجال الدين الاسلامي على وجود رجال مسيحيين في اللجنة العليا للاحتفالية ، على اعتبار ان الاحتفال يخص المسلمين فقط ، أما رد فعل الشارع فكان مخيفاً وينبئ بفرز( الأنا) الطائفية بإسلوب غريب عن المجتمع السوري لذا لم يكن لاحقا قرار مفتي حلب الدكتور ابراهيم سلقيني مفاجئاً في وقف عرض مسرحية الراحل سعد الله ونوس ( طقوس الاشارات والتحولات ) ، فقد رأى فيها خطراً كما قيل له : (انها هابطة وفيها مشاهد لا تتلاءم مع عروبة امتنا وقيمها ).
هذا هو مجتمعنا ، ونحن للاسف ضيوف ، لان الحكومة كبلتنا ، وجعلتنا متفرجين ، فمن يجرؤ ، على إقامة ندوة تناقش المجتمع المدني ، لا أحد ، حتى المواطن لا يحضرها ، خوفاً من اعتقاله ، بعدما تم أن تلقينه على ان مصطلح المجتمع المدني تعني انك : معارض ، والمعارضة رجس من عمل الشيطان .
لدرجة أن قضايانا الاساسية ( الداخلية ) لا أحد يناقشها ، بينما يقام مؤتمر كبير للاحزاب في دمشق !! اية احزاب !! و الحزب الحاكم لم يقم بأي تطوير سوى في تحويل اقتصاده إلى اقتصاد سوق لمجتمع يرزح تحت قانون الصدفة .
وكل الخشية أن تتحول سوريا في زمن قياسي إلى إمارة طالبانية لإن كل الشروط مهيأة لها ، الحكومة تؤيد الحركات الاسلامية ( المسالمة )، وهي أخطر من المسلحة ، فتأثيرها في المجتمع اقوى ، وقد بات فعلا قوياً …. وإلا لما ظهر قانون الاحوال الشخصية بتلك الصورة المهينة لمجتمع سوري طالما تغنى بتنوعه .. للاسف تغير مجتمعنا ونحن نختبئ خلف أوهامنا .
إن نهضة مجتمعنا لا تكون في رد الفعل السلبي والسكوت عم يجري ، لا بد من تشكيل حملات ضغط رافضة لهذا المشروع كي لا تمرر مشاريع اخرى اشد ظلامية ..
ـ انفورمرسيريا