صفحات العالم

نصيحة جنرال سوفياتي

سميح صعب
سئل الجنرال السوفياتي السابق فيكتور يرماكوف الذي كان أحد ستة جنرالات توالوا على قيادة القوات السوفياتية في افغانستان رأيه في قرار الرئيس الاميركي باراك اوباما تعزيز القوات الاميركية في هذا البلد بـ30 ألف جندي، فأجاب: “أرى أمراً واحداً هو ان الرئيس الاميركي سيذهب كثيراً الى المطار لالقاء نظرة الوداع على نعوش الجنود الذين سيقتلون في افغانستان… هذه حرب لا يمكن كسبها”.
واوباما لم يستشر الجنرال السوفياتي قبل اتخاذه قرار تعزيز القوات، بل هو بنى قراره على اساس المشاورات التي أجراها مع الجنرالات الاميركيين. وهؤلاء كانوا يطمحون الى تعزيز القوات الاميركية بـ40 الفاً وليس ب30ـ الفاً في حين ان الجمهوريين المتشددين يريدون زيادة اكبر بكثير. وبين رأي الجنرالات وفي مقدمهم قائد القوات الاميركية والاطلسية في افغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال اختار اوباما ارسال 30 الفاً وطلب من الحلفاء ارسال عشرة الاف كي تقترب التعزيزات من الرقم المستهدف.
لكن المهم ليس حجم القوات الاجنبية الموجودة في افغانستان، وانما السؤال الذي يتكرر على كل شفة ولسان في الولايات المتحدة واوروبا: هل يمكن كسب الحرب؟ التاريخ القريب والبعيد يجيب بالنفي. وهذا بدوره يقود الى سؤال آخر: اذاً ما الفائدة من ارسال المزيد من القوات ما دام محكوم عليها سلفاً بالفشل؟
التبرير الرئيسي الذي يسوقه اوباما لزيادة القوات هو ان “هذه الموارد تتيح لنا استعادة المبادرة” في افغانستان، في إقرار ضمني بأن الولايات المتحدة تخسر هناك بعد ثمانية اعوام من الحرب. ويؤكد رئيس هيئة الاركان الاميركية المشتركة الادميرال مايك مولن ان “طالبان لها السيطرة اليوم على 11 ولاية من اصل 34 ولاية افغانية، أي ما يعادل ثلث مساحة البلاد”.
وكان ذا دلالة بالغة ان تصدر لجنة في الكونغرس تقريراً عشية اعلان اوباما استراتيجيته الجديدة في افغانستان، يتحدث عن ان زعيم تنظيم “القاعدة” اسامة بن لادن كان في متناول القوات الاميركية التي غزت افغانستان في 2001، ومع ذلك تمكن من الفرار. وكأنه اريد لهذا التقرير ان يضفي شكوكاً حول طريقة اتخاذ القرار في الادارة الاميركية السابقة برئاسة جورج بوش الابن، وحيال عدم اعتقال بن لادن او قتله في تشرين الثاني في تورا بورا.
ويسعى اوباما الان الى الايضاح أن حربه في افغانستان موجهة ضد “القاعدة” و”طالبان”، ملغيا عبارة “الحرب على الارهاب” التي كان يستخدمها بوش بسبب وقعها الذي يستفز المسلمين في العالم. كما ان الرئيس الاميركي يحاول استمالة قسم من “طالبان” عندما يتحدث عن ضرورة الحوار مع المعتدلين داخل الحركة.
ولأنه يدرك ان الحرب لم تعد محصورة في افغانستان، بنى اوباما جزءاً كبيراً من استراتيجيته على اشراك باكستان في الحرب على “القاعدة” و”طالبان”. حتى انه لم يستثن ايران من امكان الاضطلاع بدور ايجابي في تحقيق الاستقرار داخل افغانستان.
لقد انتقى اوباما تعابيره بدقة وعناية لدى اعلانه الاستراتيجية الجديدة. وحرص على ان يطمئن الاميركيين الى ان تعزيز القوات في افغانستان لا يعني تورطاً على غرار فيتنام، بل هو “بداية النهاية” لهذه الحرب على حد تعبير ماكريستال. ومن هنا تضمنت الخطة الاميركية الجديدة تعزيزاً للقوات مع التهيؤ لبدء الانسحاب بعد 18 شهراً.
في افغانستان، ليس من الضروري ان تتطابق النظرية مع الواقع. واوباما محق عندما يقول ان لا تشابه بين افغانستان وفيتنام، لكن هناك ما هو اسوأ عندما تلعب الولايات المتحدة دور الاتحاد السوفياتي في حين ان حميد كرزاي يكاد يتماثل مع بابراك كارمل!
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى