نحو ذروة الحرب
ساطع نور الدين
لعلها بالفعل بداية نهاية الحقبة الاميركية في العالم الاسلامي، او على الاقل بداية نهاية الحملة العسكرية التي استهدفت العرب والمسلمين طوال السنوات الثماني الماضية، واتخذت شكل الانتقام الوحشي لضحايا هجمات 11 ايلول 2001. ولا يمكن لاي اميركي ان يزعم انها حققت هدفا سياسيا واحدا، عدا الترهيب والتأكيد على انه مقابل كل قتيل اميركي يسقطه الارهابيون هنالك على الاقل مئة قتيل عربي او مسلم.
ما اعلنه الرئيس الاميركي باراك اوباما عن الاستراتيجية الجديدة في افغانستان لا يخرج عن هذا السياق الثأري، الذي جرى تمديده حتى منتصف العام 2011 كحد ادنى، لكنه يعلن ان تلك الحرب العبثية ستنتهي يوما ما، وستخرج منها اميركا بطريقة مختلفة عن خروجها من فيتنام، التي استحضرتها الذاكرة الاميركية في النقاش الذي دار اخيرا حول المأزق الافغاني، واضطر اوباما الى التدخل لوقفه، بعدما قدم في خطابه امام كلية ويست بوينت العسكرية عرضا سطحيا غير مقنع للفوارق بين الحربين.
صحيح ان اوباما اطلق للمرة الاولى اشارة الانطلاق للبدء بعملية الانسحاب من افغانستان، وبالتالي التراجع عن ذلك الهجوم العشوائي الواسع النطاق الذي شنه سلفه جورج بوش، لكن احدا لا يضمن في ان الاشهر الـ 18 الفاصلة عن موعد الشروع في سحب القوات الاميركية لن تكون اشد ضراوة من السنوات الثماني الماضية. والتاريخ يذكر ان الاميركيين قرروا احراق فيتنام فقط عندما ادركوا انهم لا يستطيعون البقاء فيها، تماما كما ان الثوار الفيتناميين استبسلوا في المقاومة عندما شعروا بأن بشائر النصر تلوح في الافق.
خلاصة الاستراتيجية الاميركية الجديدة هي انها تدفع الحرب في افغانستان في الاشهر الـ 18 المقبلة نحو ذروتها القصوى، التي يفترض ان تعقبها مرة اخرى عملية تقييم شبيهة بتلك التي يجريها الاميركيون هذه الايام والتي شملت لجوء عدد من مراكز الابحاث الاميركية الرصينة الى اصدار جداول مفصلة بعدد القتلى والجرحى من الجانبين الاميركي والمسلم والعربي طوال العقد الماضي من الصراع الاعنف على الاطلاق.. والتوصل الى استنتاجات متناقضة بعضها يقول كفى انتقاما، وبعضها الآخر يقول ان المزيد يضمن حماية دائمة لاميركا.
لكن ميزان الدم ليس دقيقا ولا حاسما. تمديد الصراع هو اشبه بفخ ينصب للاميركيين، من قبل الاسلاميين الافغان والباكستانيين الذي رقصوا فرحا بالاستراتيجية الاميركية الجديدة، بما تعنيه من استعداد للمزيد من المواجهات او بما تشير اليه من رغبة اكيدة في ترك افغانستان، ولو بعد تحويلها الى ارض محروقة يمكن ان يرتفع عليها علم النصر الاسلامي الذي سبق ان رفع في اعقاب الخروج السوفياتي من ذلك البلد البائس في ثمانينيات القرن الماضي.
الاستراتيجية الاميركية الجديدة لافغانستان هي استعادة شبه حرفية للاستراتيجية التي نفذها الاميركيون في العامين الاخيرين في العراق. لكن النتائج الافغانية لن تكون مطابقة لما جرى في بلاد الرافدين التي تنعم بقدر نسبي من الهدوء والاستقرار.. لن يعرفه الافغان ولا الاميركيون في الاشهر الـ 18 المقبلة، ولن يكون العرب والمسلمون بمنأى عن تداعياته، حتى ولو كانت المحصلة النهائية البعيدة هي نهاية الوجود العسكري الاميركي وتضاؤل النفوذ السياسي الاميركي في العالمين العربي والاسلامي.
السفير