صفحات سورية

في تفسير بعض جوانب التصعيد الأمني في سوريا

null
زيور العمر
ازدادت و تيرة الإعتقال و الزج في السجون بحق السياسيين و الكتاب و نشطاء الرأي في سوريا، بشكل ملفت للإهتمام، في ظل حكم الرئيس السوري بشار الأسد. الملاحقات الشبه يومية، و زج أعداد كبيرة من المعارضين في السجون، و عرضهم على محاكم خاصة، كمحكمة أمن الدولة، التي شرعها قانون الطوارئ منذ إستلام حزب البعث السلطة في البلاد في عام 1963 باتت السمة الأساسية للنظام الحاكم في تعامله مع الشأن الداخلي، في سياق نهج يقوم على الإستهداف الشامل لجميع أشكال و مفردات العمل المعارض، و تضفيتها، قبل أن تنضج، و تصبح حالة شعبية مؤثرة، لا يمكن لجمها فيما بعد.
هذا السلوك الذي يقوم على التحرك الإستباقي، حالة جديدة في فلسفة الحكم الأمنية، تجاه أشكال الرآي و الفعل الأخر في سوريا، و يقوم على التحرك الشامل بإتجاه جميع مكونات المجتمع السوري، العرقية و الدينية، من دون إستثناء أية بقعة من أرض الوطن السوري من شروره وإيلامه. ففي عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، كان الإستهداف الأمني يشمل فقط القوى السياسية المعارضة التي تضع نصب عينيها إسقاط نظامه، و غالبا ً ما كان يلجأ في معاركه الداخلية في مواجهة هذه القوى الى التصفية العنفية الشاملة كما تم التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين في الثمانينات من القرن الماضي و حزب العمل الشيوعي بعدها، في حين أنه كان يتساهل مع القوى و الأحزاب التي تتبنى مطالب سياسية و إجتماعية تحت مظلة النظام القائم، كما كان الحال مع التنظيمات الشيوعية و الأحزاب الكردية بصفة عامة.
ثمة من يعتقد أن السبب في سلوك النظام الجديد، مرده شعور لدى أركان الحكم، و الرئيس بشار الأسد نفسه، أن الرأي العام و الشارع السوري لا يقر لنظامه بأي شرعية و مصداقية، بسبب ظروف و شكل تنصيب رئيس الدولة، الذي جاء مخالفا ً لكل الأعراف و الإجراءالت المتبعة، ليست في الدول التي تعيش حالة ديمقراطية فحسب، و إنما حتى في الأنظمة الشمولية أيضا.
و لكن مع ذلك فإن هنالك من يعتقد، من جهة أخرى، أن الأمر يتجاوز طبيعة االنظام، الأمنية المحضة، و إنما تتعلق بثورة المعلومات و الصورة البصرية التي مكنت المجتمع الدولي من الإطلاع على الداخل السوري، و ما يكابده العباد من مظالم و إنتهاكات خطيرة على يد السلطة و الأجهزة الأمنية، و ذلك من خلال المنظمات الحقوقية و الإنسانية، المشهودة لها بالكفاءة و المهنية و الحياد، التي نجحت في إختراق أسوار الحجب و المنع التي شيدها النظام في وجهها، و إستطاعت أن ترصد من خلال تقاريرها حقيقة أوضاع حقوق الإنسان و الحريات العامة في البلاد، و مارست ضغوطا ً ملفتة على مراكزالقرار السياسي في أوروبا و أمريكا من أجل مواجهة النظام السوري و تأنيبه.
و ما زاد من وطأة الظروف الإستثنائية التي لم يعشها المواطن السوري غيرها في ظل نظام البعث الحاكم هو أن الرئيس الشاب لم يوفي بوعوده التي أطلقها في بداية حكمه عندما تحدث عن الإصلاح، و محاربة الفساد، و مجالات أوسع للمشاركة السياسية، من خلال السماح للنخب الثقافية و السياسية و الإجتماعية بإبداء رأيها في مستقبل البلاد. و ما زاد من الطين بلة هو أن الرئيس، ايضا ً، تراجع عن تلك الوعود بالجملة. العداء السافر، الغير محكوم بحدود و آفاق، من قبل النظام تجاه معارضيه و مخالفيه في الرأي، وصلت الى حد زج الجميع في غياهب السجون، غير أبهة بإختلاف المواقف و السياسات و درجات الخطر بين المعارضين على نظام الحكم، الأمر الذي يشير إلى مأزق النظام، و عدم قدرته على تغيير سلوكه، و الكف عن ممارساته القمعية بحق مواطنيه.
القناعة لدى النظام بأن حالة المد و الجذر في علاقاته مع المجتمع الدولي لا يشكل عاملا ُ مهما ً و مؤثرا ً في المعادلة الداخلية، دفعت بأركان الحكم و المنتفعين منه، الى جعل مؤسسات الدولة في حالة عداء و تصادم مع المجتمع السوري، و هو ما يفسر في الواقع، تصاعد و تيرة القمع، التي إتسعت دائرتها بطول و عرض مساحة الوطن، و شملت جميع أبناءه.
الوضع الداخلي، المزري و المتردي، في سوريا في مجال حقوق الإنسان و الحريات العامة بات مجابهته أمرا ً لا يقبل التأجيل، و لا سيما في ظل تزايد أعداد المعتقلين، و إساءة أوضاعهم في السجون، دون أن تأبه السلطات السورية للأصوات المنددة و المشجبة. و لعل الإضراب المفتوح الذي بدأه المعتقلون الكرد في سجن عدرا منذ الثلاثين من شهر أوكتوبر الماضي، بسبب ظروف الإعتقال المهينة و الغير إنسانية التي يعيشها هؤلاء و غيرهم في سجن عدرا المركزي، و باقي السجون و المعتقلات و مراكز التوقيف التابعة للفروع الأمنية، أوضح دليل على الإنتهاكات الخطيرة من قبل النظام بحق مواطنيه، و إلا لما إضطر المعتقلون الذين يؤمنون بأهداف و يناضلون من أجل مطالب محددة الى التضحية بأجسادهم، الهزيلة أصلا ً.
ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى