صفحات سورية

ملاحظات حول جوانب في السياسة الخارجية السورية

null
عبد الحفيظ الحافظ
قبل أن يجف حبر اتفاق التعاون الإستراتيجي بين سورية والعراق ، الذي وقعه رئيس الحكومة العراقي نوري المالكي في دمشق ، أودت الجريمة الإرهابية في بغداد يوم 19/8/2009 بحياة مئات القتلى ومئات أخرى من الجرحى ،
، وأدت إلى توتر للعلاقات بين البلدين ، وجاء الاجتماع الرباعي في القاهرة على هامش الاجتماع الوزاري لمجلس الجامعة العربية وبحضور الوزير التركي محاولةً للانفراج .
كان الاتفاق العراقي – السوري قدم مشهداً جديداً على مستوى العلاقة بينهما ، وكأنه تغيرٌ نحو سورية ، مع أن العراق لم يزل تحت الاحتلال ، وأن عملية سياسية يجري التحضير لها لمرحلة ما بعد الاحتلال ، وأن إيران وأمريكا تمسكان بالوضع العراقي ، وأن انفراجاً ما يلوح بسياسة كل من إيران وسوريا فيه .
ربما يسهم لقاء جدة في افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية ، الذي ضمَّ الملك عبد الله والملك عبد الله الثاني والرئيس التركي عبد الله غول والرئيس بشار الأسد، في حلِّ بعض قضايا المنطقة العالقة ، هذا اللقاء الذي تبعته زيارة الملك السعودي بعد أيام لدمشق .
– جاء إنشاء المجلس الرفيع المستوى للتعاون الاستراتيجي التركي السوري ، دعماً للاستقرار في المنطقة ورغبةً للتكامل الاقتصادي بينهما ، حسب تصريحات مسئولي البلدين ، وتم البدء بإلغاء تأشيرات الدخول بينهما .
جاءت هذه الاتفاقية ترجمةً وتطويراً لاتفاقية ” أضنة ” عام 1998 ، التي أنهت حرباً باردة طويلة بينهما ، خرج بموجبها حزب العمال الكردستاني من سورية ، وطوت المطالبة السورية بلواء إسكندرون ، الذي كان محل نزاع منذ قيام تركيا بغزوه عام 1938 ، قبل أن تسلمه سلطات الانتداب الفرنسية إليها ، فضمته باسم إقليم هاتاي، وحذفته الحكومة السورية مؤخراً من الخرائط السورية ، وأقلعت عن الاحتفال بذكرى سلخ اللواء السليب .
إن تركيا – 76 مليون نسمة وطول حدودها مع سورية 1347 كم – بلدٌ إقليمي يربطنا بها التاريخ والجوار والأمن الإقليمي ، والمصالح الاقتصادية ، وينبع من أراضيها نهرا دجلة والفرات اللذان يغذيان العراق وسورية بالمياه .
لكن كيف يستقيم أن تكون تركيا عضواً في الحلف الأطلسي ، وسورية دولة ” ممانعة ” ، ثم يبلغ التنسيق العسكري بينهما مستوى إجراء مناورات عسكرية مشتركة ؟. وما وجه التجانس بين النظامين ؟. نظامٌ ديمقراطي انتخابي تعددي ، وآخر يقود الدولة والمجتمع فيه حزب ، وهناك تفاوت في النمو الاقتصادي ومتوسط دخل الفرد يميل لصالح تركيا ، الذي تجاوز دخل الفرد فيها مثيله في بلد أوروبي كأسبانيا ، فهل ثمة أساس واقعي في تعويل سورية على هذه العلاقة من أجل تحسين موقفها الإقليمي والدولي ومواجهة أزمتها الاقتصادية ؟.
وِقِّعت هذه الاتفاقية في أجواء الأزمة العراقية – السورية ، وأخرى مع عمق سورية العربي ، وتعثر تشكيل حكومة وحدة وطنية في لبنان ، وإغلاق أية نافذة للانفتاح على الداخل السوري وهو الأهم ، وإذا كانت تركيا تدرك أهمية العودة إلى المنطقة عبر البوابة السورية ، بعد إغلاق أبواب الوحدة الأوروبية بوجهها ، فهل تؤدي هذه الاتفاقية إلى فك العزلة السورية عن محيطها العربي ؟. ربما تسعى تركيا لملء الفراغ في المنطقة بسبب غياب المشروع العربي ، وربما تسعى سوريا لموازنة علاقتها مع إيران ، لاسيما أن إحساساً يخالجها أن العراق يترتب وضعه بمعزل عنها.
-طلبت سورية إرجاء موعد توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي ، الذي كان مقرراً في 26/10/2009 ، متحفظةً عن بعض البنود تتعلق بالاقتصاد ، لاسيما إلغاء الرسوم الجمركية بينهما ، لافتتاً إلى أن هناك بنداً يتعلق بحقوق الإنسان والقوانين ، طالبةً مهلةً للنظر في الاتفاق ، وربما رفضاً لمنحها نصف المبلغ الذي حصلت عليه الجزائر والأردن تعويض خسائر من الرسوم الجمركية ونفقات تأهيل الصناعة السورية ، واعتبار إدانة وزارة الخارجية الفرنسية توقيف السلطات السورية الناشط الحقوقي المحامي هيثم المالح ومطالبتها بالإفراج الفوري عنه ، تدخلاً في الشأن الداخلي ، بينما كان المسئولون السوريون يعلنون أن دمشق جاهزة للتوقيع بمجرد اتخاذ الأوروبيين قراراً في ذلك ، وكان الطرفان وقعا على الاتفاق بالأحرف الأولى في نهاية 2004 على الرغم قرار الاتحاد الأوروبي تجميد الشراكة بين 2004-2009 ، وتأثير اتفاق التجارة الحرة مع تركيا وتعزيز علاقة سورية مع دول آسوية ، على الشراكة الأوروبية السورية .
لاشك أن المتغيرات الدولية ستترك بصماتها على ملفاتٍ كثيرة عالقة ، من كوريا الشمالية إلى إيران ، وقد تنعكس ايجابياً في المنطقة العربية ، إذا أحسنت الأنظمة العربية التعامل معها ، بانفتاحها على شعوبها لاسيما ما يتعلق منها بحقوق الإنسان ، واستبدلت حماية الأوطان بحماية عروشها والتوريث ، وإذا رممت العلاقة البينية فيما بينها ، وعملت جادة على تعافي النظام الرسمي العربي ، وعادت إلى التاريخ ، الذي خرجت منه باختيارها ، وهذه بالتأكيد مهمة الشعوب المغيبة والغائبة .
إن سورية معنية بهذه المتغيرات الدولية ، لكن ذلك لا يختزل إلى تغير في السياسة الخارجية وانفتاح عربي وإقليمي ودولي ، وتردد وممانعة عن مواجهة الاستحقاقات والأزمة الداخلية بكل مفاصلها السياسة والاقتصادية والاجتماعية .
فالانخراط في أدوارٍ وسياسات خارجية ليس بديلاً عن تغييرات داخلية في نهج الأنظمة وبنيتها ،والمنطق يؤكد أن لا سياسة خارجية مؤثرة دون أن تكون مستندة على أوضاعٍ داخلية ، يشترك الشعب في صياغة قراراتها وفق أسسٍ ديمقراطية .
” الموقف الديمقراطي العدد 113″تشرين أول 2009

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى