بيان إلى الرأي العام: يوم ليس للذكرى فقط
يعتبر انعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق في 1/12/2007 حدثا استثنائيا في تاريخ المعارضة السورية، في سياق مكابدتها للاستبداد القابض على سوريا منذ ستة وأربعين عاما. فقد اجتمع يومها في دمشق، وفي وضح النهار، مائة وسبعون مناضلا ديمقراطيا من أطياف سياسية شتى ليقولوا : آن لسوريا أن تلج طريق الديمقراطية، وإن من حق السوريين أن يتنسّموا عبق الحرية الذي افتقدوه طويلا.
مارس المجتمعون تجربة ديمقراطية تستحق التقدير والتوقف. وعلى الرغم من أن النظام القمعي اعتقل العشرات من نشطاء الإعلان إثرها، ثم أصدر بحق اثني عشر مناضلا من قياداته أحكاما قضائية جائرة.
إلا أن الإعلان مازال ماضيا في طريقه بكل ثقة في مسيرته. واليوم في الذكرى الثانية لانعقاد المجلس الوطني نقف، ليس من باب استعادة الذكرى والتغني بها على أهميتها، بل لغرض تقديم جردة للشعب السوري ونشطاء الإعلان عما أنجز من أهداف وعما ينتظر مزيداَ من الجهد والمتابعة. كما نقف في الوقت ذاته من أجل مراجعة موضوعية للصعوبات التي واجهت الإعلان، وتدقيق خطه السياسي والفكري بغاية تطويره، وتمكينه من متابعة التطورات في واقع إقليمي ودولي معقد وسريع التغيّر .
ولعل من أولى وأدق الصعوبات التي واجهت الإعلان، الموقف المؤسف لبعض الأحزاب التي شاركت في تأسيسه وفي التئام مجلسه الوطني، ثم قامت بتجميد نشاطها فيه. وما زاد في جعل ذلك التصرف مؤلما هو توقيته، ما دامت الأسباب التي سيقت لتبريره قائمة قبل انعقاد المجلس بزمن طويل حسب تصريحات المجمِّدين أنفسهم. ورغم ذلك، فإن قوى الإعلان ما زالت تعمل من أجل عودتهم، باعتبارهم من الفصائل الهامة في المعارضة السورية.
إن إعلان دمشق حركة سياسية ومجتمعية تكتسب أهميتها من رمزيتها وطبيعة تكوينها وفكرتها الجديدة في الواقع السوري، الذي أنهكه الاستبداد وأوصله إلى حافة الانفجار. ومن المؤكد أن ما هو مطلوب من الإعلان كثير، وهو أكبر من طاقة الإعلان منفرداً ، لأنه يتعلق بمصالح الشعب السوري وقواه كافة .
وما أنجزته حركة الإعلان في ضوء توجهات المجلس الوطني ليس قليلا، فالمأسسة حققت شوطا بعيداً داخلياً وخارجياً، ونستطيع القول معها بثقة : إن الإعلان استقر في وجدان الشعب والمناضلين الديمقراطيين السوريين، وإذا كانت الأبعاد الثقافية والإعلامية لم تسر بنفس الوتيرة، فلأنها تحتاج إلى مزيد من الشغل وتركيز الجهود واستثمار الطاقات الكامنة.
فالرؤية السياسية التي قدمها الإعلان استنادا إلى البيان الختامي للمجلس الوطني، مكّنته من مواكبة المستجدات السياسية في سوريا، وفي محيطها الإقليمي، من خلال بياناته التي قدّم فيها مواقفه وقراءاته السياسية العديدة، ومن خلال نشاطه في وسائله الإعلامية المتعددة .
ـ إن السياسة الدولية الجديدة القائمة على الانفتاح والحوار وعدم استخدام القوة في حل مشاكل المنطقة، خففَت كثيرا من توتر النظام في علاقاته الدولية والعربية. وهذه السياسة في جوهرها لاقت تأييدا في أوساط المعارضة السورية، بخاصة من إعلان دمشق، لأنه كحركة تغيير ديمقراطي يعتمد بشكل أساسي على قوى الشعب السوري ، ولأن الانفتاح قد يخدم قضية التغيير السلمي . وعلى الرغم من أن ذلك لم ينعكس إيجابا على الوضع الداخلي، فإن موقف الإعلان لن يتغير تجاه الانفتاح الدولي، وتجاه سلمية التغيير الوطني الديمقراطي المنشود وتدرجيته وأمانه.
ـ أكّد الإعلان مرارا على ضرورة أن تعود سوريا إلى محيطها العربي، لأن في ذلك حصانة لها ولشعبها لا توفره أية تحالفات إقليمية ممكنة. وإذا كانت سياسات النظام المغامرة على الصعيد الخارجي، ومحاولاته السابقة توتير الساحات الإقليمية، هدفت إلى كسب أوراق يقايض بها أدواراً إقليمية لم تنجح، والأمل أن يكون النظام قد غادرها بعد وضوح عقمها وعدم جدواها، وانكشاف دورها في توتير علاقته بالعرب. وفي هذا المجال ربما تكون زيارة العاهل السعودي إلى دمشق، وما سبقها من محاولات للتقريب بين المواقف العربية والموقف السوري قد أحرزت تقدما وتركت فألا حسنا .
ـ أكد الإعلان على حفظ حقوق الشعب السوري ومصالحه في الأرض والمياه والأمن في التسوية على المسار السوري، والتي كانت قد لاحت بوساطة تركية. كما أكد على حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته القابلة للحياة على أراضي 67 وعاصمتها القدس، عندما لاحت فرصة تاريخية للسلام عبّر عنها إجماع العالم ودوله الكبرى وهيئة الأمم المتحدة. لكن مجيء حكومة “نتنياهو” المتطرفة أطاح بالفرصة، ويبدو اليوم مستغرباً الحرص على استعادة المسار السوري معها في وقت تشدد فيه عنصريتها وتوسيعها للاستيطان، وهو ما يتعارض حتى مع توجهات المجتمع الدولي وأمريكا لدعم التسوية، وإنجاح حل الدولتين، على المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي .
ـ لاقى إعلان دمشق بإيجابية منفتحة توجهات علاقة أمريكا بالعالم بشكل يختلف عن سياسات الإدارات الأمريكية السابقة، بخاصة تجاه العالم الإسلامي والمنطقة والسلام ، هذه التوجهات أعلن عنها أوباما في خطابه الشهير على مدرج جامعة القاهرة. ونبّه الإعلان إلى المخاطر التي تحيق بذلك ليس من طبيعة العلاقة الأمريكية الإسرائيلية فقط بل من مراكز اليمين المحافظ في أمريكا أيضا، ولعل تجربة الشهور القليلة الماضية تقدم دليلا على حجم التحديات التي يواجهها أوباما، والتي لن تكفيه النوايا الطيبة لتذليلها.
ـ كذلك اعتبر الإعلان أن سياسات إيران التدخلية في المنطقة تشكل مصدر توتير وإقلاق، وتحمل مخاطر على الواقع العربي وعلى مصالح الشعب الإيراني، وأحداث اليمن آخر الأمثلة على ذلك. وفي الآن ذاته دعا إلى التعامل معها بالحوار، والتأكيد على علاقات حسن الجوار بعيدا عن منطق الاستعداء والحرب أو الدفع نحوهما، كاشفاَ مفارقات اندفاع النظام وتحالفه مع إيران بشكل لا يخدم مصالح سوريا.
ـ ركّز الإعلان في السنتين الماضيتين بشكل واضح على الأبعاد السياسية، إلا أنه تابع أيضا هموم الناس المعاشية وسياسات النظام الاقتصادية في سوريا، والفساد الذي أوصل الأمور إلى حالة الأزمة الشاملة، فضاعف الفقر والجوع وعطّل التنمية. ولعل مهزلة دعم المازوت واحدة من الأمثلة الفاقعة على البؤس الذي وصلت إليه الأمور. فأقلّ ما يقال في الاشتراطات التي اجتهد القيّمون وتفننوا في صياغتها، أنها لا تمت إلى عقل الدولة ودورها المجتمعي بصلة، وتجعل أغلبية الشعب السوري محرومة حتى من النزر اليسير الذي لا يساوي ثمن برميلين من المازوت في العام لكل أسرة في دولة نفطية! وهذا إذا لم نتطرق إلى الآثار الكارثية التي خلّفها قرار رفع سعر المازوت بذلك القدر على الزراعة والصناعة والنقل وباقي جوانب الحياة، علما أن أسعاره عادت إلى الانخفاض عالميا ماعدا في سوريا.
لاشك أن الاستبداد ما زال قادراً على كبح عجلة التغيير في سورية ، ومع ذلك فإن مشروع التغيير يبقى راهناً ، وتزداد الحاجة إليه بحكم المعاناة المتزايدة في حياة السوريين . لذا فإن مشروع التغيير يحتاج إلى التفاف المزيد من الديمقراطيين حوله، كما يحتاج أيضا إلى أن يمزق الشعب السوري حجب الخوف والتردد، وأن ينطلق للدفاع عن حقه في الحياة والحرية، حياة أنهكها الاستبداد المسلح بقانون الطوارئ وأهزلها الفساد.
عاشت سورية حرة وديمقراطية .
الحرية لكل معتقلي الرأي قي سوريا
دمشق في 1/12/2009
إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي
الأمانة العامة