صفحات الناس

نسوان برسم التشفير

null
خطيب بدلة
سأل أحد طلاب البكالوريا زميله على سبيل المزاح: (قولَكْ إذا ما نجحنا ما منسقط؟!). وكان سؤاله منطقياً إلى أبعد الحدود، لأن من لم ينجح بالبكالوريا في هذا العام سقط!
نجح الشبان ونجحت البنات،.. بعض الناجحين فرحوا ووزعوا الحلويات على الناس، وزغردت أمهاتهم وأخواتهم وقريباتهم وجاراتهم، ورقصوا جميعاً على أنغام (وحياة قلبي وأفراحو)، لأن مجاميعهم ترفع الرأس، وتُدخلهم إلى الفروع الجامعية التي يفضلونها، وبعض الناجحين أنزلوا رؤوسهم إلى الأسفل لأن مجاميع علاماتهم لا تختلف كثيراً عم مجاميع الراسبين، ولا تُجلسهم عند عتبة أبواب الجامعات والمعاهد، وأما الراسبين فلم يعثر لهم على صوت أو أثر.
وكان صديقنا (س) قد غادر بلدته (ع) مُغَرِّبَاً خلف الرزق والأكسجين حتى وصل إلى إحدى الدول الغربية الاستعمارية التي قال في حق حقارتها الشاعر مئة وخمسين بيتاً، وما زالت عملية نظمه لقصيدته مستمرة حتى ساعة إعداد هذه المقالة،.. فمكث في هذه الدولة الاستعمارية الحقيرة مثلما تمكث الأشياء النافعة في الأرض، (ويذهب الزبد جفاء).. وقَيَّدَ أبناءه وبناته في مدارسها، وشرع يعاني من الغربة الروحية التي تشد الإنسان إلى وطنه، متلهفاً لسماع أي خبر عن الوطن حتى ولو كان يتعلق بمسؤول صغير يصغي إلى رأي شخص منبوذ، موتور، ويعمل برأيه متجاهلاً الآراء الأخرى حتى ولو كانت حصيفة ونافعة! أو يتعلق بسيارة تعرضت لحادث أليم ومات ركابها بسبب حفرة مستترة في الطريق، أو تحويلة مفاجئة لا تشير إليها شاخصة، أو اصطدمت بسيارة ابن مسؤول مدلل و(مبظبظ) يمشي بعكس اتجاه السير تحت أنظار شرطة السير!
وحينما صدرت نتائج البكالوريا اتصل (س) بأقاربه في بلدته (ع) طالباً منهم إعلامه بأسماء الناجحين والناجحات، والراسبين والراسبات، فقالوا له إن إعطاءه النتائج عبر الهاتف أمر يفتقر إلى الحكمة، وفيه مضيعة للوقت في عصر الاتصالات الكبرى الذي نعيش فيه، فإذا أراد أن يقرأ أسماءهم وتفاصيل درجاتهم ما عليه إلا أن يدخل إلى الموقع الذي يحمل اسم بلدتهم (ع) على الإنترنت، وأعطوه الرابط الذي يمكنه من الدخول إليه.
دهش (س) وصفر بفمه صفرة أجفلت زوجته وأولاده، وربما ذكرتهم بكشاشي الحمام في بلد المنشأ الذين يصفرون ويقذفون الحمام بالحجارة، فتنزل الحجارة على النوافذ وتكسر زجاجها، وسألوه عن سر الدهشة والصفير فقال:
– علي الجيرة من جيرة سيدنا محمد بمقبرة البقيع لو أعرف أن التطور التقني قد وصل إلى حد أن يصبح لبلدتنا (ع) موقع على الشبكة الإلكترونية لأمضيت ما تبقى من حياتي فيها، فلا أتغرب مهما كانت الظروف ومهما كلفني الأمر!
ومد يده إلى الكومبيوتر المحمول، ودخل من توه إلى الإنترنت ووضع الرابط الذي أملوه عليه ضمن مستطيل البحث، وبعد قليل وجد نفسه وجهاً لوجه أمام نتائج الناجحين.
وما مضى على ذلك سوى دقيقتين حتى وقف منتصباً على نحو مفاجىء مثلما ينتصب (زنبرك) كان مشدوداً إلى الخلف ثم أُفلت فجأة، وشرع يدور على عقبيه في مكانه، وزوجته وأولاده ينظرون إليه بجزع معتقدين أن عقله الذي كان قبل قليل يزن الجبال رزانة قد (طق)، وأصبح عليه العوض ومنه العوض- على حد تعبير الأشقاء المصريين.
تجمل أولاده وزوجته بالصبر وسألوه عن سر هذه الهستيريا المفاجئة فقال:
إن الموقع المذكور قد نشر أسماء الطلاب الناجحين الذكور في البلدة فقط، مع تنويه من إدارة الموقع إلى أن نشر أسماء البنات على شبكة الإنترنت حرام!!!!!!!!!!!!!!!
قربت الزوجة والأبناء والبنات رؤوسهم من رأس السيد (س) وتجمعوا على شكل حلقة حولة شاشة الكومبيوتر المحمول وشرعوا يقرؤون التعليقات المنشورة تحت هذا الخبر، ويقول أحدها مخاطباً إدارة الموقع:
إن موقع وزارة التربية قد نشر أسماء بنات سورية الناجحات كلهن على موقعه، وبضمنهن أسماء بنات بلدة (ع)، وهذا يعني، بحسب فتواكم التي لا تمت لدين أو عقيدة أو ناموس بصلة، أن وزارة التربية آثمة.
ويقول معلق آخر، بطريقة ساخرة:
اسمحوا لي أن أنشر أسماء بنات بلدتنا الناجحات ولكن بطريقة مشفرة: ن.س.و 235- و.ك.ك 221- ر.ك.ط 156- هـ.ط.س 189- ب.ب.ش 166.. إلخ.
للحديث بقية

خطيب بدلة: ( كلنا شركاء ) 1/8/2008

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى