النهضة بين السلطنة والجمهورية
طيب تيزيني
تثير مسألة الاصلاح والنهوض والتقدم مشكلات يبدو انها تسوغ المطالبة بالمحافظة على واقع الحال الراهن في هذا البلد العربي او ذاك, اعتقادا بأن حل المشكلة إياها عن طريق احد العناصر الثلاثة المذكورة فوق, سوف تكون له نتائج وخيمة على صعيد حياة الشعب الاقتصادية والسياسية والتعليمية وما يتصل بحقوق الانسان .. الخ.
اما اسباب ذلك فقد تكون العوامل التالية من ضمنها او في مقدمتها. ويبرز اولها ليتخذ طابع الدفاع عن »الإرث العريق« تجسيدا له. يعلن اصحاب هذا الرأي اننا كلما ابتعدنا او انحرفنا عما ألفناه, دخلنا في متاهات قد تخرجنا من هويتنا وتاريخنا وتراثنا. وتزداد حدة الرأي المذكور اذا كانت هناك ميول ورغبات تمثل قيما ومفاهيم ذات ابعاد او سياقات غربية! مثلا ان تجري عملية امتلاك مظهر من مظاهر الحداثة في اوروبا او اليابان, حتى وان تم ذلك عبر تخصيصه عربيا.
ويبرز العامل الثاني في الاعتقاد بأن القيام باصلاح ما, باحدى الصيغ المذكورة سابقا او بغيرها, سوف يُنتج »نخبة ما« تستأثر بالسلطة والثروة وغيرهما, باسم ذلك الاصلاح نفسه, ومن ثم, تعود الاوضاع الى الاضطراب من جديد. اذا, فلنبق ما نحن فيه, ويمكن ان نتدبر امورنا بكيفية ما. ويبرز, ثالثا عامل يقوم على التهويل من امكانية تدخل الآخر »الغرب« في لحظة من لحظات الشدّ والارتخاء والصراع بين الاطراف المتعددة, بحيث يقطف هذا الآخر ثمار التغيير الذي جدّ الناس في تحقيقه لخدمة مصالحهم.
تلك هي عوامل تكمن – عادة – وراء اوضاع متحدرة من عمليات او مشاريع تغييرية. وهذا ما جعل باحثين يشككون في جدوى التغييرات الجذرية او الاقل جذرية, في هذا السياق نتناول حالة نموذجية تعود الى تاريخ مرحلة الانتقال المعقدة والمشكلة من »السلطنة« العثمانية في اواخر عهدها, الى عصر »الجمهوريات والديمقراطية … الخ«.
أما النموذج المناسب لهذه الحال فنجده فيما كتب برهان غليون في كتابه »بيان من اجل الديمقراطية« (ط ,2 عام 1980), ففي هذا الاخير يتحدث – بلغة شعبوية – عن ان الانتقال الذي حدث من السلطنة العثمانية »الرجل المريض« الى الجمهورية التركية الذي قاده الاتحاديون وكمال أتاتورك, قاد »الى تهميش الشعب ودحره واستبعاده عن كل ساحة ثقافية او سياسية او اقتصادية«, كما قاد الى ضرب إمكانية ارضاء الحاجات المحلية للمنتجين انفسهم … وتركيز الثروة في أيدي الاقلية وحرمان الاغلبية من ثمرة عملها«.
في ذلك النص النموذجي تتضح معالم رؤية شعبوية لا تاريخية لا تحتمل سياقات العملية التاريخية وإشكالاتها ومصاعبها, وبكيفية خاصة, يفتقد الباحث في النص المذكور إمكانية التدقيق التاريخي المشخص لمرحلة الانتقال من السلطنة الى الجمهورية, او من الاستبداد الى الديمقراطية ومن الأحادية في الحكم السياسي الى التعددية فيه. ومن ثم, قد يغدو من السهل الوصول الى القول بأن النظم السياسية العربية الراهنة القائمة في معظمها على الاستفراد بالسلطة, لا يجوز مساسها, لان ذلك سيخلق اضطرابا, خصوصا انها ليست بعيدة عن الفرد.
العرب اليوم