بناء “اقتصاديات المعرفة”
د. طيب تيزيني
ليس الحديث عن العلاقة بين الاقتصاد والمعرفة جديداً، كأن يُعتقد أن ذلك جاء مثلاً في سياق نشأة وبروز ثورتي المعلومات والاتصالات، اللتين اقترن ظهورهما بالنظام العالمي الجديد، العولمي الراهن، إنها علاقة عريقة منذ تاريخ البشر الباكر، حيث اكتشفها هؤلاء في إطار ممارستهم المجتمعية الحية، فاتضح لهم أنه بقدر ما كانت معرفتهم بمحيطهم تتسع وتتعمق، فإن ذلك كان ينعكس على مستوى حياتهم الاقتصادية، وأنه بقدر ما كانت إمكاناتهم الاقتصادية تتسع وتتعمق، فإن ذلك كان بمثابة تطوير لمعارفهم وتحديدها، وسوف تحدث تحولات عظمى على صعيد العلاقة المذكورة، مع نشوء النظام الرأسمالي، ومعه ولادة الثورة الصناعية والعلمية، وبعدها الثورة التكنولوجية العلمية، مما أنتج الظروف المناسبة لأن يعلن الفيلسوف والعالم الإنجليزي فرانسيس بيكون قولته الشهيرة والمهمة: “المعرفة قوة”.
وفي سياق استكمال تلك الخطوات الكبرى على طريق التقدم الاقتصادي والعلمي، وُجد من الفلاسفة العلماء في القرن التاسع عشر الأوروبي مَن وضع يده على الدور التثويري الكبير للصناعة في مجال العلم، فكان أن جاء فريدريك إنجلز، الذي كتب: إن مصنعاً واحداً مما أنتجته الثورة الصناعية يمكن أن يطوّر العلوم أكثر مما تفعله عشر جامعات مجتمعة، واستمرت عملية التطوير العلمي يداً بيد مع التطور الاقتصادي الصناعي، إلى أن أصبح من الاستحقاقات التي يطالب بها العلماء والاقتصاديون أن يتحوّل العلم إلى “قوة إنتاجية مباشرة”، وأتت الخطوة الراهنة في مرحلة العولمة، التي راح منظروها يتحدثون عن “مجتمع المعرفة”، وذلك في إطار الاعتقاد بأن المجتمع الصناعي أصبح مجتمع مَنْ يمتلك المعلومة، وبهذه الطريقة يغيب الكلام على من يمتلك مؤسسات إنتاج هذه الأخيرة، ويوظفها في خدمته، بكلمة أخرى، يُستبدل هنا مصطلح “المالك الرأسمالي” بمصطلح “مالك المعلومات”.
وقد جاء في الأنباء أنه افتتح في تونس منذ أيام (المؤتمر الدولي حول بناء اقتصاديات المعرفة باتجاه إحداث فرص للعمل ورفع مستوى التنافسية وتحقيق التنمية المتوازنة)، وتم ذلك بمشاركة كثيفة تصل إلى أكثر من 80 مشاركاً.
وقد جاء في الخبر المعني أن الرئيس التونسي أكد لدى افتتاح أعمال المؤتمر على أهمية المعرفة كعامل أساسي للتجديد التكنولوجي، ولرفع النشاط الاقتصادي، إضافة إلى إحداث مَواطِن للشغل وتعزيز مقومات المنافسة على الصعيدين الوطني والمحلي، فإذا انطلقنا من هذه المهمات المذكورة، فإننا لن نبدي اعتراضاً عليها بمثابتها جزءاً من تعميق النظر وتطويره بخصوص ما ينبغي أن ينجز في تونس كما في سوريا ومصر وغيرهما، أما الاعتراض فيبرز هنا على محاولة التنظير لذلك من موقع “مجتمع معرفي” فاقد لهويته السوسيواقتصادية والسياسية.
الاتحاد