صفحات العالم

من حروب بوش الوقائية إلى حروب أوباما العادلة

د. ثائر دوري
قبل أن ياتي إلى النروج ليتسلم جائزة نوبل للسلام كان الرئيس باراك اوباما قد وقع أمراً بزيادة عدد القوات الأمريكية في افغانستان بمعدل ثلاثين ألفاً ، كما دفع نحو تعميق الحرب في باكستان سواء تلك التي يخوضها الجيش الباكستاني بالنيابة عن الأمريكي ، أم عبر القصف اليومي الذي تقوم به الطائرات الأمريكية بدون طيار فتقتل العشرات كل أسبوع داخل مناطق القبائل الباكستانية . أما في العراق ما زال الوضع على حاله على الأرض فشركات المرتزقة و الجيش الأمريكي و أضخم سفارة أمريكية في العالم تتحكم بمقدرات و مصير البلد، و لولا المقاومة المستمرة لها لصار كل شيء بيدها . و في فلسطين تبخرت بسرعة الأوهام التي عُلقت على مجيء السيد أوباما فلم يستطع إجبار اليمين الصهيوني على مجرد ايقاف الاستيطان ، كما يتصاعد الحصار المضروب على غزة أملاً في إخضاعه من جديد للمشيئة الصهيونية ، و في امريكا اللاتينية حصلت الولايات المتحدة على ستة قواعد عسكرية في قلب القارة في كولومبيا لتدخل تلك القارة في سباق تسلح جديد، و لم يستطع الرئيس تنفيذ وعده في اغلاق معتقل غوانتنامو .
هذا هو سجل الرئيس الذي جاء ليستلم جائزة السلام ، حرب جديدة ، و حروب متصاعدة ، و مزيد من عسكرة العلاقات الدولية . و لا بد أنه شعر بالحرج فهو رئيس ذكي سريع البديهة على عكس سلفه،لذلك التقط هذه المفارقة فتحدث عن مفهوم الحرب العادلة ليبرر نشاطه العسكري المتصاعد، لكن من من الرؤوساء الأمريكان كانت حربه غير عادلة ؟ كلهم ذهبوا للحروب على مضض.
في دراسة مهمة – ككل اعماله – يشير الباحث العربي منير العكش إلى كتاب وثائقي عثر عليه بالصدفة للمؤرخ رسل بوهايت عميد كلية العلوم و الفنون بجامعة ميزوري -رولا يضم بين دفتيه الخطابات التي برر بها 42 رئيس أمريكي حروبهم . يقول الكاتب :
(( في الكتاب مئة و خطبتان تتكرر مفرداتها و تعاد حججها من حرب إلى حرب ، و من جيل إلى جيل ، و كأنها تقمص و تتناسخ و لا يتغير فيها إلا الزمان و عناوين الموتى : “أمريكا أكثر الأمم حبا للسلام ، و هي لا تذهب للحرب إلا على مضض “الرئيس وودر ويلسون . و هي في كل حروبها لم تقتل إنساناً ، فكل ضحايا هذه الحروب التي تتحدث عنها خطب الرؤوساء كانوا “وحوشاً” أو ينتمون بنسبة متفاوتة إلى البشر ))
و يلاحظ المؤرخ أن كل الرؤوساء قد أضفوا على حروبهم طبيعة خيرية تهون في سبيلها التضحيات او ما يعرف في القاموس الأمريكي ” الأضرار الجانبية ” . و خطاب اوباما أثناء تلقيه جائزة نوبل لم يشذ عن هذه الوصفة الجاهزة ، فالحروب مرفوضة إلا إذا كانت عادلة و لحماية الجنس البشري من المتوحشين ، الإرهابيين الاسلاميين في هذه الحالة . و هو أيضاً يذهب للحرب على مضض !
و هذا المشهد الأوريلي الحقيقي ،حيث تنقلب المعاني فيصبح السلام يعني الحرب ،الذي شهدناه أثناء تسلم اوباما للجائزة لا يضاهيه سوى حقيقة الجائزة نفسها التي تسمي نفسها باسم السلام ، فقبل سنوات انفجرت فضيحة أوريلية تتعلق بها و “هي فضيحة استثمار لجنة جائزة نوبل للسلام أموالها في صناعة الأسلحة،و منها أسلحة محرمة دولياً، فقد كشفت حركة «المستقبل في أيدينا» النرويجية أن الواقع لا يعكس الصورة الظاهرة عن تلك الجائزة.فالحركة كشفت أن لجنة نوبل النرويجية تستثمر قسماً كبيراً من أموالها في شركات أميركية، كشركة «تيرو برايس» التي بدو رها تستثمر أسهمها في شركات تصنيع الأسلحة و منها شركة «لوكهيد مارتين» التي تصنع أجزاء من القنابل الانشطارية المحظورة دولياً و أجزاء لصواريخ تحمل رؤوساً نووية، إضافة إلى شركة «هانيويل» التي لها دور أساسي في تطو ير برنامج الولايات المتحدة النووي”.( نقلاً عن جريدة الحياة اللندنية – 09/12/05فضيحة عشية توزيع الجوائز الأشهر في العالم … لجنة نوبل داعية السلام تستثمر أموالها في صناعة السلاح!)
كل شيء في عالم اليوم ينتمي إلى عالم جورج اوريل فالمعاني مقلوبة ، فإذا تحدثوا عن السلام فاعرف أنها الحرب ، و إذا قالوا بالرخاء فاعرف أنك مقبل على المجاعة ، و إذا تحدثوا عن صحة الإنسان فاعلم أنهم يجهزون الأوبئة،و إذا اجتمع زعماء العالم لإنقاذ الأرض،كما في كوبنهاغن،فذلك يعني أن تقرأ الفاتحة على روح هذا الكوكب الجميل .
القاعدة المعروفة التي تقول إن الإمبرطور هو الإمبرطور هي ما أكد عليه الرئيس أوباما في خطابه ” لا يمكنني أن أقف مكتوف الايدي في وجه التهديدات التي يواجهها الشعب الأمريكي ” و كأنه بهذا يوجه صفعة لكل من نسج اوهاماً مصنوعة من لون بشرته ، أو من أصله العرق ، أو من انتمائه الديني ، و هم كثر في العالم العربي . فقد نشر هؤلاء اوهاماً خدروا بها قطاعاً من أبناء أمتهم عن الرئيس الأسود ، أبو حسين ، الآتي لينقذهم من الدمار و الموت و الخراب الذي نشرته جيوش بلاده من أفغانستان إلى العراق و الصومال مروراً بفلسطين . و أصيب بعضهم برعشة عميقة لأن السيد أوباما خاطبهم بجامعة القاهرة بتحية الاسلام و استشهد بآيات من القرآن ، و وصل الأمر بأحدهم أن تغنى بحجاب مستشارته داليا مجاهد مقدماً إياها على أنها مثال نادر للمراة المسلمة التي ترتقي أعلى المناصب محافظة على حجابها ، مع أن تاريخ الغزو الغربي للشعوب مليء بقصص نساء من شعوب محتلة و من مختلف الطبقات وضعن أنفسهم بتصرف المحتل ، فأدين كل الخدمات التي تطلبها الجيوش المحتلة ، فكن عيوناً و أدلاء لتلك الجيوش .
أين هؤلاء و ما دبجوا من مقالات ؟ لا بد أنهم يبحثون عن وهم جديد يخدرون به أبناء أمتهم .
بعيداً عن الأوهام التي تبخرت سريعاً في حالة الرئيس أوباما . فإن الملك هو الملك سواء كان الأبيض الواسب جورج بوش ، أم الخلاسي باراك حسين أوباما ، أم شخص أصفر البشرة من الأقلية الصينية ، أم يتكلم الاسبانية من الأقلية اللاتينية . الملك هو الملك و كلهم أقنعة للحاكم الحقيقي الذي هو المجمع الصناعي – العسكري ذلك المجمع الذي حذر منه الرئيس لأمريكي ايزنهاور ، ففي 17 يناير عام 1961 وجه الرئيس الأمريكي أيزنهاور خطاباً إلي الشعب الأمريكي أسماه خطاب الوداع. كان هذا آخر خطاب يلقيه كرئيس قبل أن يسلم السلطة إلي الرئيس الجديد جون كينيدي. و قد حذر ايزنهاور في هذا الخطاب من المجمع الصناعي – العسكري و خطورة تحالفه مع الجيش على الديمقراطية الأمريكية ، و مما قاله أيزنهاور في هذا الخطاب:
” … و هذا المساء فإنني جئت إليكم مودعاً و مستأذنا في الإنصراف، و في نفس الوقت فإن لدي بعض الهواجس التي أريد أن أفضي بها لكم حتى تشاركوني فيها و تحملوا أمانتها إن رأيتم صوابها….”.
“… علي أن أقول صراحة أن هناك الآن مجموعة صناعية عسكرية مالية سياسية و فكرية تمارس نفوذاً غير مسبوق في التجربة الأمريكية و مع أننا نتفهم الظروف التي أدت لنشأة هذه المجموعة فإننا لابد أن نحذر من وصولها إلي مواقع التأثير المعنوي و السياسي و العملي علي القرار الأمريكي، لأن ذلك خطر شديد علي المجتمع الأمريكي قبل أن يكون خطراً علي غيره…”.
“…و من سوء الحظ أن الثورة التكنولوجية التي تتدفق نتائجها علي عالمنا اليوم تساعد أطراف هذا المجمع الخطر و تزيد من قدراتهم و تمكنهم من السيطرة علي برامج الإدارة و مخصصات إنفاقها، خصوصاً أن قوة أموالهم توفر لهم تأثير فادح التكاليف علي مؤسسات الفكر و العلم….”.
كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى