الاستهداف الأمني والأزمة السياسية
هيئة تحرير النداء
|يعاني النظام الحاكم في سورية من أزمة سياسية مستحكمة تتجلى في علاقة المجتمع بالسلطة، حيث تختلف طبيعة تلك العلاقة عما هو متعارف عليه في العلوم السياسية، التي تؤكد أن عمل السلطة السياسية يناط به مسؤوليات رئيسة تتجلى في الحفاظ على حياة الشعوب وتأمين مستلزمات المعيشة والتطور مع استقرارها أمنيا وتنمويا.
وهي أي السلطة السياسية معنية في المقام الأول بالتعبير عن إرادة المجتمع، لكن الصورة في سوريا مختلفة تماما، فالسلطة لا تعبر بحال من الأحوال عن إرادة المجتمع ولا هي جادة في الحفاظ على أشكال أمنه المتعددة ولا تبالي بتقدمه واستقراره، بقدر ما هي جاهدة في تزييف الوعي وصناعة وعي جماهيري مشوه لا يأبه بمصائر الوطن ولا بمستقبل الأجيال. وتقوم المهمة الرئيسة للنظام الحاكم في تثبيت أركان حكمه وديمومة سيطرته، و جباية خيرات الوطن والاستئثار بمقدرات الدولة، ولتحقيق ذلك تأخذ السلطات الاستبدادية شعوبها رهائن تقدمهم ورقة على مذبح مفاوضاتها مع الخارج، الذي يبدو أنه يعاني من أزمة أخلاقية حقيقية مزمنة تعمي عيونه عن واقع يطغى عليه البؤس والفساد والطغيان.
يوما بعد يوم تتفاقم تعديات الإدارة الأمنية على المواطن السوري مستهدفة كرامته وحقوقه ومعيشته، ضاربة عرض الحائط بالقيم الإنسانية والمواثيق الدولية المعترف بها، متجاوزة القوانين والتشريعات السورية، غير آبهة بالمناشدات والمطالبات الصادرة عن الهيئات والمنظمات الوطنية والدولية الداعية إلى عودة السلطات إلى رشدها، والكف عن تكبيل الرأي المخالف، وقمع حرية التعبير، والإفراج عن معتقلي الرأي و الضمير المتزايد عددهم ساعة بعد ساعة.
لقد بات الإمعان في سحق كرامة وإرادة المواطن السوري هدفا أوليا في سياسات السلطة ومخططاتها المرسومة، وذلك بغية قتل إرادة الحرية ورغبة العيش الكريم لدى أبناء الوطن، فالحرب ـ ولنا أن نسميها كذلك ـ التي تشنها الإدارات الأمنية على حرية التعبير تجاوزت مستويات التعامل السلطوي مع المعارضة الوطنية إلى قمع أي صوت يجاهر بفضح آليات الفساد المنظم والمتفشي داخل الجسد الحكومي، مما حدا بمنظمات مراقبة حرية الصحافة إلى اعتبار سوريا الدولة رقم واحد في قمع الرأي المخالف والتضييق على حرية الصحافة.
من اعتقال صحفيين عاملين في الجرائد الرسمية وصرف بعضهم من الخدمة، إلى منع ومصادرة أعداد من المجلات المحلية، وإيقاف لتوزيع صحف عربية ومنعها من الدخول إلى السوق السورية، لم تكتف اليد الأمنية الطويلة بالسطو على حرية الرأي المعارض، وزج كل صاحب فكر لا يتماشى وهوى السلطة في غياهب السجون الباردة المكتظة بالأبرياء والأحرار المفتقدين لأبسط حقوق السجين الجنائي فضلا عن المعتقل السياسي. كثيرون من معتقلي إعلان دمشق أمضوا شهورا ينامون على الأرض العارية دون غطاء في ممرات ضيقة لا يجدون سريرا أو حتى غطاءً يقيهم البرد والمرض.
والمؤلم أمام هذا الواقع المزري أن نجد الأيادي الإقليمية والدولية تمتد نحو النظام السوري مصافحة مباركة سلوكه، طالبة مساعدته عارضة المكافآت والمنح والتسهيلات، حتى قبل أن يقبل النظام بتقديم شيء حقيقي على الأصعدة الداخلية والخارجية، وما السيرورة التي سارت عليها مفاوضات توقيع الشراكة الأوربية إلا دليلا على مدى التساهل المريب من قبل الاتحاد الأوربي مع تصرفات النظام الغاشمة والظالمة بحق أبناء بلده من موالين ومعارضين، حتى أن يد البطش لم تترك عامة الناس وسلطت عليهم المخبرين و العسس المندسين في أنوفهم يخالطونهم طعامهم وشرابهم، كما أنها لم تعد تفرق بين مواطن وآخر، موالاة أم معارضة، وصارت تلجأ إلى كم الأفواه ومصادرة مورد الرزق دون قيد أو شرط.
إن التغاضي عن الخلل الجوهري بين ما تؤمن به المجموعة الدولية من قيم إنسانية وحقوق مدنية، ومثل عليا، وبين الحلول الأمنية للأزمة، و التصرفات المشينة، والسياسات الجائرة المنظمة التي ما برح النظام يمارسها بحق الشعب السوري، أمر يستدعي الوقوف عنده والبحث فيه وعدم تجاوزه بحجج الحفاظ على المصالح المتبادلة، فالمجتمعات المتحضرة لا تبادل المنافع بالقيم، ولا يصح فيها دفع أثمان غير أخلاقية للحصول على مكاسب وغنائمّ.
إنها أزمة حقيقية، لسلطة تفتقد الشرعية الشعبية، ترصد الصلات المدنية والحقوقية والسياسية بين السلطة الحاكمة الشعب، كما ترصد علاقتها بمحيطها الإقليمي والدولي، في بلد ما فتئ النظام فيه يراوغ ويتلون تحت شعارات الإصلاح والتطوير، إلى درجة دفعت برأس السلطة للتصريح للصحافة الأجنبية، بأن السوريين يحتاجون قبل الإصلاح السياسي إلى تطورين ثقافي وعقلي!.
موقع اعلان دمشق