لمن نكتب وهل من يقرأ؟
د.نضال الصالح
يلومني بعض أصدقائي سائلين لمن أكتب باللغة العربية وشعبها لا يقرأ؟ ثم يضيفون قائلين:” إن مقالاتك وكتبك وحكاياك مثل مقالات وكتب غيرك من التنويريين، لن تغير شيئا من الواقع المرير الذي نحن فيه، إنه كمثل النحت في صخر الصوان لا يطولكم منه سوى شراره الحارق.
ظل سؤالهم يطن في ذهني طنين الدبور ورحت أسأل نفسي إن كانت أسئلتهم مبررة وإن كان هناك أي فائدة من الكتابة للقارئ العربي؟
أذكر أنه بعد عام من صدور كتابي “هموم مسلم” كتب لي صاحب ومدير دار الطليعة المرحوم الدكتور بشير الداعوق يهنئني على أن كتابي قد باع في العالم العربي أكثر من ألف نسخة ولقد إعتبر الأستاذ الداعوق ذلك نجاحا كبيرا. تعجبت وقتها من هذا القول حيث أنه في ذلك الوقت وفي أقل من نصف عام، باع كتابي الذي صدر باللغة التشيكية تحت عنوان “صرخة فلسطينية” و في جمهورية سلوفاكيا وحدها، ذات الخمسة ملايين نسمة، أكثر من خمسة آلاف نسخة ولقد تخطت مبيعاته بعد فترة من الزمن الخمس وعشرون ألف نسخة.
تقول الإحصائيات أن نسبة الأمية المطلقة في الوطن العربي قد تخطت ال 60 % ، وهي نسبة تعكس تردي وضع القراءة في الوطن العربي. فان متوسط القراءة لكل فرد في العالم العربي يساوي 6 دقائق في السنة، مقارنة بالنسبة للفرد الغربي، الذي يقرأ بمعدل 12 ألف دقيقة في السنة وهو ما يعكس حجم الهوة بين الإنسان في العالمين، ومن ضمن المفارقات بين العالم العربي والعالم الغربي، ان عالمنا العربي يصدر حوالي 1650 كتاب سنوياً، أما في دول الغرب لاسيما أمريكا فانها تصدر ما يقارب 85 ألف كتاب سنويا.
إن حقائق الأرقام في العالم العربي تثبت وجود 66.4% من سكانه (58 مليون بالغ) أميّون بالمعنى التقليدي للكلمة أي أنهم لا يعرفون القراءة والكتابة. كما أن متوسط ما ينفق على التعليم ومن بينه محو الأمية من ميزانيات معظم الدول العربية لا يتعدى 5% فقط. والقراءة في العالم العربي أصبحت عادة اقرب الى الانقراض فقلما تجد عربيا يقرأ كتابا في الأماكن العامة بينما في اوروبا واميركا لا يمكن ان تجد شخصا في القطار او المطار او الباص إلا وهو يحمل كتابا ليستفيد منه بدلاً من التلصص على خصوصيات الآخرين ومغازلة الفتيات.
حتى أؤلئك الذين يقرأون من العرب فجل إهتماماتهم وخاصة الشباب منهم، تنصب على قراءة أخبار الفضائح وخاصة أخبار الممثلين والممثلات والمطربين والمطربات وأخبار الرياضة في العالم العربي وخارجه، أما الكبار في السن فمعظمهم يركز على قراءة الكتب الدينية الأصولية المتوفرة بسعر زهيد. إن نسبة القراء للمواد الجادة تعد نسبة ضئيلة جدا مقارنة بنسبة قراء الفضائح والأخبار المثيرة.
لقد تابعت عدد القراء في بعض الصحف الألكترونية التي تجري إحصاءآت لعدد القراء لكل مقالة فوجدت أن معدل قراء المقالة الجادة يتراوح بين خمسين ومئة قارئ وأن قراء مقالات ودراسات المؤلفين المعروفين لا تتعدى الثلاث مئة قارئ. هذا في الوقت الذي يقرأ فيه أخبار المغنية هيفاء ما يزيد عن خمسة عشر ألف قارئ وفي خبر عن ” مجموعة صور لأجمل أزياء هيفاء وهبي” زاد عدد القراء عن واحد وخمسين ألف قارئ.
لقد حدثني صديق لي يكتب في صفحة أليكترونية أن مقالاته يقرأها في العادة عشرات من القراء ولكنه عندما كتب مقالا بعنوان ” الجنس في الإسلام” وصل عدد قراء المقال الخمسة الف قارئ. إن شبابنا متعطش لأخبار الجنس والفضائح الجنسية التي تجذبه كما يجذب الضوء الحشرات. إنهم يعرفون أسماء معظم الممثلات والمغنيات والراقصات في العالم العربي وخارجه ولكنهم يجهلون أسماء مثل إبن رشد وإبن عربي وعبدالرحيم محمود وغيرهم من الذين تركوا لنا إرثا ثقافيا يجب أن نعتز به.
إنها صورة مأساوية بكل المقاييس وليس هدف هذا المقال البحث في الأسباب التي أوصلتنا إلى هذا الوضع المأساوي، فهذا موضوع معقد يحتاج إلى دراسة خاصة وموسعة. وهنا يعود السؤال الذي طرحه أصدقائي ليبرز إلى السطح، إذن لمن نكتب وما الفائدة من هذه الكتابة إن كانت نسبة الأمية الفعلية في العالم العربي تتجاوز 66 % ونسبة كبيرة من من يقرأوا لا تقرأ المقالات والدراسات الجادة وتركز إهتمامها على أخبار الفضائح في الوسط الذي يسمى فني.
النسبة العظمى من جمهور الشعب العربي بشقية القارئ والأمي يعيش تحت سلطة خطباء الجوامع وخطباء الشاشات التلفزيونية الممولة بالبترودولار؟ المساجد وخطباءها منتشرون في كل حارة وكل قرية وكل خربة. القرية التي لا يتجاوز عدد سكانها الستمائة نفر فيها عدة مساجد وإن وجد فيها مدرسة فهناك مدرسة واحدة إبتدائية. المحطات التلفزيونية البترودولارية تبث فكرها المتحجر طوال الليل والنهار وبدون توقف وتدخل على المواطن العربي حتى في غرفة نومة وطعامه وجلوسه. لقد أصبح خطباء شاشات التلفزيون هذه أشهر من المغنين والممثلين ولا أقول من المفكرين لأن المفكرين في بلادنا آخر من يفكر بهم. إنك لتسمع الناس في المجالس وبما فيهم المثقفون وهم يتغنون بما قاله الشيخ الفلاني وما قاله الشيخ الفلاني ويتسابقون لشراء أشرطته المسجلة والتي تباع في كل مكان وعلى أرصفة الشوارع. الكتب الدينية الأصولية تملأ الأرصفة وتباع بثمن بخس أما الفكر التنويري فلا يجد من ينشره والكتب التنويرية إن ظهرت للوجود فإنها تبيع في الوطن العربي ذي المئتي مليون نسمة أو يزيد بعض مئات من النسخ أو بضع آلاف إن حصلت على الدعم الإعلامي.
أعود وأكرر السؤال لماذا نكتب ولمن وكيف نزرع الفكر التنويري في العقل العربي وقوى السلطة في البلدان العربية وحتى تلك التي تدعي الديموقراطية ومحاربة الأصولية الدينية وإرهابها، تحجر على الفكر التنويري وتسجن أصحابه وتمنع حتى النشرات الألكترونية التي تدعو إلى التنوير والعقلانية وحرية الفكر، وفي نفس الوقت تطلق العنان للفكر المتحجر الأصولي، المصدر الأساسي للإرهاب الفكري والجسدي، بل وتحميه وتدعمه ماديا ومعنويا؟
نظرة واحدة إلى ما يجري في الوطن العربي من شرقه إلى غربه تكشف عن عمق المأزق الذي نحن فيه وعن إرتفاع نسبة الأمية المطلقة والأمية المعرفية بمختلف أصنافها. التنويريون يواجهون وضعاً معقداً وشائكا،ً فهم يواجهون جيشاً من الفقهاء والدعاة وما يدعون أنفسهم علماء دين، وهذا الجيش يمتلك شتى الوسائل التعبوية بدءا من أشرطة الكاسيت، ومروراً بمئات الإذاعات، وعشرات الفضائيات، ومئات المواقع على شبكة النت، وهو يحسن استعمالها. لقد استطاع هذا الجيش أن يشكل حجرا على الفكر، متمترسا خلف ما يدعوه الثوابت الدينية المقدسة والإلهية، كما استطاع صرف الجماهير وحتى المثقفين منهم عن الاهتمام بما يجري في حياتهم الأرضية مقابل وعد في السعادة الأبدية في العالم الآخر.
ل علينا إذن أن نستسلم ونكسر أقلامنا ونغلق أفواهنا بحجة أن لا أحد يقرأ وأن كتاباتنا لن تغير من هذا الواقع شيئا؟ لا أظن أن أحدا يدعي بأنه يملك عصا سحرية ولا أظن أن عاقلا يدعي بأن كتاباته ستغير الواقع المأساوي في يوم وليلة، ولكن ما أستطيع قوله بدون تردد بأن التنوير الفكري معركة طويلة الأمد تبدأ بالكلمة، والكلمة النيرة كالشمعة وحين تتكائر الشموع المضيئة يعم النور في هذا النفق المظلم. إنها عملية فكرية معقدة طويلة الأمد ويحتاج ذلك إلى كل قلم نير وإلى جهد ضخم من كل التنويريين بمختلف اتجاهاتهم الفكرية ومعتقدهم الديني.
شبكة العلمانيين العرب