يا لها من مفاجأة.. هل تغيرت دمشق؟
عبد الرحمن الراشد
حلت النزاعات اللبنانية، على الاقل، إلى عام آخر، حين تحين الانتخابات. وجاءت المفاجأة في تركيا، سورية تفاوض إسرائيل. فجأة نرى إشارات خضراء، ففي طهران إشاعات عن حل مثير يقترح استمرار التخصيب في الداخل، تحت رقابة دولية مباشرة وليس عبر الكاميرات.
ورغم أن الكشف عن المفاوضات شبه السرية بين السوريين والإسرائيليين في تركيا مفاجأة سعيدة، إلا انها غامضة، فقد سمعت، منذ أكثر من شهر، من مصدر سياسي عربي له علاقة، عن المفاوضات. وبقدر ما يراها مفيدة لاستقرار كل المنطقة فقد عبر عن خوفه منها. فهو يشتبه في أنها وسيلة لتعطيل المفاوضات الفلسطينية المعقدة والشاقة. في نظره يريد السوريون تعطيل مفاوضات يقودها محمود عباس، بفتح مسار مفاوضات مواز ومنافس.
والحقيقة انني أجد صعوبة في هضم مقولة إن المفاوض السوري يستطيع التخريب على زميله الفلسطيني، إلا إذا كانت تلك رغبة إسرائيلية. فالمشكلة الظاهرة هي في الجانب الإسرائيلي لا السوري، حيث نرى مشروع سلام يديره شخص ضعيف هو إيهود أولمرت، رئيس الوزراء.
الأهم في نظري ليس تفاوض سورية مع إسرائيل، بل تبني سورية سياسة مستعدة للتغيير. التفاوض خطوة جريئة، توحي بأن دمشق تتغير. فهل هي مجرد مناورة أم بالفعل سياسة جديدة؟ هنا أسمح لنفسي بأن أحاول أن أفهم العقلية السورية، التي حيرتنا منذ ثلاث سنوات. فدمشق تبنت سياسة عدائية ضد ما كانت تتخيل أنها سياسة تدبر ضدها في الخارج، منذ غزو العراق قبل خمس سنوات. تتخيل بوجود مؤامرة تستهدف النظام، وحتى هذا اليوم لا يوجد دليل واحد حقيقي يعزز هذا الاستنتاج الغريب، اللهم إلا اذا أخذنا تطورات أزمة اغتيال الحريري لاحقا، وهذه ليست مؤامرة بقدر ما هي مضاعفات طبيعية، سياسيا وجنائيا.
بحثا عن الحماية ازدادت دمشق التصاقا بإيران، في وقت كانت طهران تعادي بشكل خطير دولا عربية رئيسية، وتتبنى سياسة تصادمية خطيرة مع كل الغرب، لا الولايات المتحدة. ورغم المحاولات العديدة لتحذير السوريين من أن السير وراء الإيرانيين يجعلهم عرضة للتهشيم أكثر، إلا انهم كانوا يعتقدون أن الإيرانيين يمنحونهم الحماية ويرفعون من قيمتهم التفاوضية، حتى ضاقت الحلقة على دمشق وباتت في دائرة الخطر. لا توجد هناك مؤامرات ضد سورية ولا رغبة في تغيير النظام، وحتى أقسى النقاد في الغرب لم يزد عن طرح مفهوم تغيير سلوك النظام لا تغيير النظام. إنما مع مرور الوقت توسع الخلاف، وأوشكت سورية على أن تصبح نفسها في مرمى الهدف، لأن البعض بات يقول إن استهداف إيران ثبت أنه صعب ومضاعفاته مجهولة، أما سورية فهي الجدار القصير في الحلف الثنائي.
ولا أدري إن كان الشعور بالخطر قد تسلل إلى التفكير السوري، فإن كان قد فعل فهو أمر جيد، حتى تتخلى دمشق عن مغامراتها الخطرة، ويتفادى العرب كارثة جديدة. أما إن لم يستوعب الإخوة في سورية حجم الخطر، وما نراه أمامنا مجرد مناورات تسير فيها دمشق بمهارة بين الألغام، نقول عساها تعرف أن الطريق الملغومة طويلة وخطرة.
الشرق الاوسط