صفحات من مدونات سورية

تفاؤل حذر..

عجز
جميع من يعرفني يدرك كم أنا متفائل، ونادرا ما أرضخ للأوضاع السيّئة مهما كانت سيّئة، لكن ينبغي أن أعترف أنّ آراء بعض الأصدقاء حول مؤتمر كوبنهاﭼن قد أحبطني!
كوكبنا مصاب بفشل كلوي حاد، وبالكثير من الأورام الخبيثة التي تنهك هذا الكوكب، وتجعله يتّجه نحو حتفه، ونحن، المواطنون العادييون، لانستطيع فعل الكثير، الأمر الذي يدفعني للإكتئاب، والمؤسف أنّ هذا الشعور بالعجز يرافقنا في أحيان كثيرة، فنحن لانستطيع أن نفعل شيئا حيال جراحات فلسطين أيضا، ولانستطيع أن نفعل شيئا حيال حرب عبثية كالحرب الأهلية في اليمن أو تلك التي تشتعل منذ زمن بعيد في العراق، نحن فعليا سجناء لمجموعة من الساسة الذين يلعبون بنا كما يلعبون بأحجار الشطرنج.. هذا هو العجز الحقيقي، لا ذاك المتعلّق بالإنجاب..
عصافير في طريقها للإنقراض
مؤخّرا عبر إحدى برامج استكشاف الطبيعة، اكتشفت أنّ حربا نووية كبيرة تقع على الأرض سوف تؤدي إلى إنقراض معظم الكائنات الحيّة، وسيبقى على قيد الحياة الصراصير والنحل القاتل.. لا أعرف لماذا تذكّرت هذه المعلومة وأنا أريد أن أكتب عن الحياة البريّة في سورية، التي تعرّضت لإفقار شديد في العقدين الماضيين، وأتذكّر بوضوح تام آخر مرّة أيقظني فيها عصفور يصدح، وهذه المرّة كانت في عام 1994، وأتذكّر كم كنت مسرورا بذلك..
في تلك السنوات، كان أحد جيراننا يغزو ويعود بالكثير من السبايا، ويدخل “روما” منتصرا على مجموعة من العصافير الجميلة والملوّنة، والسؤال الذي كان ومايزال يشغلني بهذا الخصوص: كم عدد العصافير التي يحتاجها شخص بالغ لكي يملأ معدته؟ لماذا على الإنسان أن يرتكب مجزرة مماثلة إذا ماكان يستطيع أن يحصل على حاجته من دون أن يقتل هذا العدد الضخم من العصافير؟
لم تتكرّر حادثة استيقاظي في سورية أبدا بعد ذلك، ومنذ فترة لم أعد أرى سوى عصافير “الدوري” والحمام والتي استطاعت البقاء على قيد الحياة بعد الحرب النووية التي شنّها المواطنون على العصافير والطيور هناك …
في أوروبا، العصافير تأكل من يدك، تقترب منك وتنظر إليك، أمّا في وطني فإنّ أشجع عصفور سيرميك بنظراته عن بعد لايقل عن عدّة أمتار…
تفاؤل متنامي
هل تتعارض التنمية حقّا مع احترام البيئة؟ لا أعتقد ذلك، بعض الدول التي تعمل منذ سنوات على خفض الإنبعاثات بتنويع مصادر الطاقة أثبتت عكس ذلك[1] ، فلربّما يكون هذا التحدّي دافعا للإنسانية لكي تخطو بخطوات جديدة نحو الأمام.
هناك مايدفعني للتفاؤل، فتقنيات الطاقة الشمسية[2] في تطوّر مستمرّ، وتقنيات خفض انبعاثات الميتان الناتجة عن معالجة واستخراج النفط هي الأخرى في تطور مستمر[3] والأمر ذاته ينطبق على استغلال كمّيات الميتان الناتجة عن معالجة النفايات العضوية في محطات الصرف الصحي، أمّا مشكلة ثنائي أكسيد الكربون فلربّما تجد حلا إذا مااستطاع العلماء اكتشاف حوامل مناسبة لإحتجاز الغاز بشكل ثابت.
الأمر المشجّع أن تتعهّد دولة نامية كالصين بنسبة خفض عالية (مابين 40 و45%)، والصين تحتلّ اليوم موقعا مهمّا في الأبحاث المتعلّقة بتحويل السيّارات إلى سيّارات عاملة على الكهرباء[4].
كلّ هذا الجهد لن يكتمل دون تغيير في نمط الحياة الحالي، فالتنويع والتسويق المستمرّين يرهقان الكوكب ويستنفذان موارده القابلة للنضوب؛ ربّما ينجح العالم، كما أتمنّى، في لجم التزايد المضطرد لغازات الدفيئة، لكنّه، من دون تغيير نمط الحياة الحالي، سيجد نفسه مجدّدا مع مشاكل أخرى لاتقلّ أهميّة كالإنفجار السكّاني مثلا..
هل نستطيع كدول نامية فعل شيء ما؟ إجابتي الشخصية: نعم! بداية الدول النامية هي الأكثر احتياجا لقلب إتجاه التغيّر المناخي، فهي الأقل قدرة على مواجهة كوارث طبيعية ستكون أولى نتائج هذا التغيّر، وهي الأقلّ قدرة على التكيّف مع المظاهر الجديدة للطبيعة كالتصحّر أو ارتفاع منسوب البحار، أنا لاأطالب ولا أعتقد أنّ من حقّ أحد أن يطالب بإرهاق تلك الدول، لكن، برأيي الشخصي، تستطيع تلك الدول فعل الكثير من دون إرهاق اقتصادياتها..
معظم المدن السورية هي مدن قابلة لتكون مخدّمة بوسائل النقل العام والدرّاجات الهوائية، مع إغلاق شبه تام لتلك المدن أمام الوسائل الأخرى[5]، بالإضافة إلى أنّ سورية بمناخها الحالي مؤهّلة لإستغلال ممتاز للطاقة الشمسية، هذا الإستغلال الذي لم يتجاوز حتّى اليوم، إن لم أخطئ، تسخين الماء، رغم العجز الذي تعاني منه شبكة الكهرباء السورية ولربّما نستفيد في هذا الإطار من تجارب دول أخرى كألمانيا مثلا[6]، حيث سنّت تشريعات خاصّة تسمح للشركات الصناعية بتركيب ألواح توليد شمسية، لتقوم تلك الشركات بانتاج ماتحتاجه من طاقة كهربائية بنفسها ومن ثم تبيع الكهرباء التي تزيد عن حاجتها إلى الشبكة العامة أو تبادلها بالكمية التي تحتاجها ليلا!
أعتقد أنّ هناك مايمكن أن تفعله الدول النامية من دون أكلاف عالية على اقتصادياتها الوطنية، وربّما تجني بعض الأرباح أيضا.. ربّما يكون تفاؤلي ورديا أكثر من اللازم، لكنّني أفضّل أن أعيش على الأمل.
[1] تعقيب للصديق ماهر: في الحقيقة الدافع الاساسي وراء تنويع مصادر الطاقة كان ومازال هو الخوف من نفاذ المصادر الحالية المتمثّلة بالوقود الأحفوري والمعتمد عليه بشكل كبير وفي جانب اخر هو الرغبة في التخلص من تبعية النمو الاقتصادي في تلك الدول المتقدمة لساسات واسعار وتقلبات انتاج النفط بحكم تركزه في ايدي دول غير صديقة كروسيا وفنزويلا ومناطق صراع كالشرق الاوسط
[2] أغلب المعلومات المتعلّقة مستقاة من برنامج خاص على القناة الثالثة للتلفزيون الإيطالي RAI 3.
[3] تعقيب للصديق ماهر: هل تعلم ان الابقار وحدها تساهم بـ 5% من انبعاثات غاز الميتان في العالم من خلال عمليات هضم الطعام.
[4] تعقيب للصديق ماهر: الكهرباء لا تتولد من العدم وبرأيي الشخصي فإنّ الكربون أهون بالف مرة من النفايات النووية الناتجة عن محطات توليد الكهرباء باستخدام الطاقة النووية.
[5] تعقيب للصديق ماهر: أعتقد أنّ البنية التحتية في سورية من طرقات ووسائط نقل لا تسمح بذلك ولا ثقافة التنقل عند الشعب السوري تسمح هي ايضا بذلك.
[6] تعقيب للصديق ماهر: هل تدرك التكلفة الهائلة المترتبة على انشاء المزارع الشمسية؛ مع اني موافق تماما على الفكرة ولكن لا اعرف ماهو حجم امكانات الخزينة السورية!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى