تركيا والمأزق الكردي المستدام
محمد نور الدين
كيفما نظرنا إلى قرار اغلاق حزب المجتمع الديمقراطي الكردي في تركيا فهو يشكل ضربة قوية جدا للمسار الديمقراطي في تركيا ولحزب العدالة والتنمية بالذات .
ويمكن القول إن المسؤول الأول عن قرار الإغلاق هو توقف الإصلاح الذي بدأه حزب العدالة والتنمية منذ وصوله إلى السلطة نهاية العام 2002 . بل يمكن القول إن هذا الإصلاح لم يستغرق أكثر من ثلاث سنوات، بدأت بعده مفاوضات العضوية مع الاتحاد الأوروبي ومن بعدها . . . الطوفان .
انتهى العالم وانتهى الإصلاح منذ تلك اللحظة . منذ أن بدأ حزب العدالة والتنمية يعير الحسابات المحلية الضيقة أولوية عشية الانتخابات النيابية والبلدية . فارتفع الخطاب القومي لدى الحزب وسارع رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان إلى تفويض الجيش الدخول إلى شمال العراق ونسّق ذلك مع الرئيس الامريكي “الموحى اليه من الله” جورج دبليو بوش في لقائهما الشهير في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 2007 والذي لا نعلم حتى الآن مدى جدواه .
وحينها وبسحر ساحر نام في أدراج انعدام البصيرة واحد من أهم مشاريع الاصلاح في تركيا، وهو مسودة أول دستور مدني وديمقراطي في تاريخ تركيا . ولا ندري أيضاً حتى الآن أسباب ذلك التنويم .
بادر “حزب العدالة والتنمية” بعد ذلك ولا سيما بعد تراجعه الكبير في الانتخابات البلدية في المناطق الكردية على الخصوص إلى إطلاق ما يسمى بالانفتاح الكردي، ولاحقاً صحح التسمية وأطلق مصطلح “الانفتاح الديمقراطي” تهرباً من التركيز على الواقع الكردي .
ولن ننكر أن في المبادرة الجديدة تجاه الأكراد عناصر إيجابية مشجعة، لكنها تبقى قاصرة عن ملامسة جوهر المشكلة الكردية في تركيا التي تختصر في عنوانين: المطالب الكردية ومن هو ممثل الأكراد في أية عملية تفاوضية .
في المسألة الأولى تختصر المطالب الكردية في عنوان الهوية .الهوية اللغوية والثقافية والسياسية . وحتى الآن لم تصل تقديمات الحكومة إلى درجة كافية تطمئن الأكراد إلى أنهم لن يعانوا من تجاهل هويتهم . وفي رأس هذه المطالب حق التعلم والتعليم باللغة الأم في المدارس والجامعات . وما دام 15 مليون كردي محرومين من هذا الحق الطبيعي فلن ينتظر أحد من الأكراد أن يخضعوا لإرادة من وصفوهم ذات يوم في الثلاثينات من أنهم خلقوا من أجل أن يكونوا عبيداً للأتراك .
أما المطلب الثاني الأساسي فهو هوية ممثلي الأكراد في أية نقاشات حول مطالبهم .
والمعلوم أن الممثل الحصري والرئيسي للأكراد على امتداد الأعوام الثلاثين الماضية كان حزب العمال الكردستاني . وسواء وافقنا أسلوبه في العمل أم لا، فإن غالبية الأكراد في تركيا تؤيد حزب العمال الكردستاني أو الأحزاب التي تؤيد حزب العمال الكردستاني . ورغم اعتقال زعيمه عبدالله أوجلان منذ العام 1999 لا يزال معظم الأكراد ونوابهم في الداخل يرفعون صور أوجلان ويدعون ليكون هو المخاطب تجاه الدولة التركية .
في هذه النقطة أيضاً لم يستطع أحد أن يتجاوز هذه العقدة، لا الحكومات السابقة ولا حكومة “حزب العدالة والتنمية” .
فإذا كان أوجلان وحزبه أرهابيين، وإذا كان حزب المجتمع الديمقراطي مصيره الحظر، هو الممثل في البرلمان بواحد وعشرين نائباً، فما الذي أبقته السلطات التركية من طرق مفتوحة؟ هل تحاور نفسها؟ هل تضع هي نفسها بدلاً من ممثلي الأكراد محاوراً؟
لقد اتخذت المحكمة الدستورية قرار الحظر، لكن المسؤول الفعلي عن هذا القرار هو حكومة “حزب العدالة والتنمية” التي لم تستأنف الإصلاح لمنع حظر الأحزاب . ولم تستأنف الاصلاح لوضح حد لإنكار الهوية الكردية . وهذا يسري على ملفات الاصلاح الأخرى والتي لا تقل تعقيداً عن الملف الكردي .
تركيا الكبيرة في الخارج لا يمكن أن تبقى كذلك من دون أن تكون كبيرة في الداخل . وإغلاق حزب المجتمع الديمقراطي بعد سبع سنوات من بدء مسيرة الاصلاح في تركيا هو لطخة كبيرة على وجه تركيا لن يمحوها إلا استئناف المسيرة
بصورة شاملة وعبر دستور جديد يعطي الأكراد وغير الأكراد حقوقهم الكاملة، وإلا فإن البديل واحد من اثنين: الفوضى أو النموذج الكردي في العراق .
الخليج