هل يجرؤ نظام دمشق على عقد السلام مع إسرائيل؟
داود البصري
تسارع الأنباء حول تفعيل الوساطة التركية لإنجاز السلام بين إسرائيل والنظام السوري ليس بالأمر الجديد ولا المفاجىء أو المثير, بل إن النظام السوري وهو يعيش إيقاعات أزماته الداخلية لم يكن يوما ما يمتلك من الجدية أو الخطط والبرامج السياسية والعسكرية التي تؤهله لتحريك حالة اللاحرب واللاسلم مع إسرائيل والقائمة منذ نهاية حرب أكتوبر العام 1973 وخطوات فك الاشتباك التي تبعتها وتوجت فيما بعد بصراع دموي قوي على السلطة بين النظام والمعارضة أولا ثم بين أقطاب النظام نفسه, ونظام دمشق الذي يعيش على الدوام في ثنايا الأزمات الاقليمية والتعايش عليها كان يعلم جيدا بأن قدرته على الحرب محدودة للغاية, بل إن اللجوء للحرب فيه من المغامرة الشيء الكثير على صعيد استمرارية النظام وهو نظام مخنوق بالأزمات بل وصانع لها, وحيث ظلت حالة الحرب القائمة لفظيا مع إسرائيل احدى أهم الأدوات الاعلامية والتعبوية للنظام الذي كانت أدبياته السياسية وأطروحاته الاعلامية تركز على حكاية (الصمود والتصدي), وعلى النظام الصامد بوجه الاعاصير, وعلى الاستعداد الدائم لمعركة المصير الواحد التي لن تحدث أبدا الا على صفحات صحيفتي (الثورة) و(البعث).. وكذلك صحيفة (تشرين) ورغم سنوات الازمة العنيفة التي عاشها الشرق الاوسط منذ منتصف السبعينات والتي شهدت تطور وانفجار الاوضاع في لبنان والاحتلال الاسرائيلي لبيروت في صيف 1982 والتطورات الهائلة التي حدثت في العالم بعد الحروب الاقليمية العنيفة كالحرب العراقية – الايرانية أو حرب الكويت الاولى (تحرير الكويت) العام 1991 ثم حرب (حرية العراق) العام 2003, فإن الجبهة السورية مع إسرائيل كانت من أهدأ الجبهات وأشدها راحة واستقرارا لمنتسبي (جيش الدفاع الاسرائيلي) الذين لم يواجهوا أية مقاومة عسكرية سورية لآماد طويلة حتى أن السلام الموعود قد تحقق فعليا وواقعيا رغم عدم التوقيع عليه رسميا, فلا شيء خطر على جبهة الجولان أبدا خصوصا وأن نظام دمشق قد حرص غاية الحرص على نقل معاركه للعمق اللبناني أو العراقي بينما ابتعد ولو رمزيا عن جبهة الجولان التي تركها وديعة للمساومات, منذ وديعة رابين الشهيرة العام 1994 مرورا بالمفاوضات المباشرة تحت الرعاية الاميركية المباشرة أيام الرئيس كلينتون العام 1999 بين رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ووزير الحرب الحالي إيهود باراك وبين نائب الرئيس السوري فاروق الشرع, وهي مفاوضات توقفت واقعيا ولكنها الاساس لأية اتفاقات أوتفاهمات مستقبلية, من دون شك فإن الوساطة التركية لم تأت من فراغ بل كانت استكمالا لخطوات واسعة سابقة وتحدد تجددها حاليا مع الازمات العنيفة التي تمر بها الحكومة الاسرائيلية في ظل الموقف القانوني المحرج لرئيسها إيهود أولمرت والاتهامات المثارة حوله بالرشوة والتي قد تطيح به في نهاية المطاف, أما النظام السوري فهو يهرب من استحقاقات ملفات التورط الكبيرة في دعم الارهاب في لبنان والعراق وتخلصا من مأزق المحكمة الدولية وتوخيا لتحقيق شروط ومطالب وتنازلات مهمة للغاية من الغرب من أجل تعويم النظام الذي مازال يحتفظ بأوراق ستراتيجية مهمة من جهة ملف حزب الله اللبناني وامتداداته الستراتيجية مع إيران, والتي يلعب بورقتها النظام السوري لعبة مقامرة اقليمية ودولية كبرى, المشكلة أن النظام السوري بصرف النظر عن الحقائق الستراتيجية لا يريد لحالة السلم الاقليمي الشامل أن تحل ولا يرغب في نهاية طبيعية لحالة الحرب مع إسرائيل والعودة لحدود الرابع من يونيو العام 1967 لأن ذلك يعني أساسا مواجهة الواقع المحلي المعقد, ولكونه سيعاني من حالة الصدمة والفراغ لأن أجندته وتفكيره ومؤسساته ليست متكيفة مع أحوال السلام أبدا بل إنه تعايش مع ملفات التوتر والازمات, فالسلام سيفضح أمورا كثيرة وسيعجل في نهاية النظام المفلس وهوخيار غير مرغوب أبدا, وتلك الحقيقة تجعل من احتمال التوصل لحل سلمي ينهي الحرب بين دمشق وإسرائيل بمثابة حلم مفقود ما زال الطريق صعبا إليه رغم كل الوعود الوردية والانباء الساخنة, لن يجرؤ نظام دمشق على السلام أبدا.. إننا لا نراهن بل نؤكد واقعا ملموسا ومعروفا لكل من يعرف بنية الانظمة الفاشية المهزومة.
السياسة