التفاوض السوري الإسرائيلي

صفقة اسطنبول.. وانقلاب المعادلة الدولية

null

مهنا الحبيل

إذاً بالفعل إنها السياسة لا مبادئ ولا عقيدة ولا صداقة أو عداوة هي المصالح.. والمصالح وحسب هي مدار موازين اللعبة ومن لا يتقنها سيكون خارج الميدان كضحية لضريبة التوافق والصراع.

كان إعلان العواصم الثلاث إسطنبول وتل أبيب ودمشق في زمن واحد عن بدء المفاوضات مؤشراً تاريخياً عن واقع ما وصلت إليه الصفقة من توافق على خطوطها العامة وهو ما أكَّده محسن بلال وزير الإعلام السوري في حديثه مع قناة الجزيرة مساء الخميس الماضي وإشارته الصريحة بأن كل حديث تثيره الآلة الإعلامية الإسرائيلية لا علاقة له بمضمون الصفقة لان الحكومة الإسرائيلية على علم كامل بمضامين الاتفاق ولو أخذنا بالاعتبار ما نقله مراسل الجزيرة في القدس المحتلة عن مصادر إسرائيلية مطلعة أكدت أن القضية أكبر من صفقة وأن الاتفاق قد وقع بالفعل في مقاربة لاستنساخ مفاوضات أوسلو السرية التي لم يُعلن عنها إلا بعد توقيع الاتفاق وسواءً صحَّت هذه المعلومة الأخيرة أم لم تصح فإن دلائل الوصول إلى اتفاقية السلام السورية الإسرائيلية بات في حدود المدى القريب وليس المتوسط.

صفقة مع طهران أم عليها..؟

ولقد حاول الإعلام العربي المرتبط بالمحور الأمريكي والمصدوم من دلائل الصفقة وانكسارات التعاون المفاجئة بين المحور الإقليمي والدولي أن يُصور أن هذه الاتفاقية كمقدمة لتجاذب المصالح على حساب إيران وهو الوهم بعينه فلماذا؟

لقد أثبتت المرحلة الماضية اندماج الموقف والتعاون بين دمشق وطهران وأن هذه القضية تحكمها عقيدة الأيدولوجية المتوجسة والمتحفزة ضد البعد العربي الآخر بقواه التحررية أو بمناكفاته مع النظام الرسمي الآخر.

وحجم التنسيق كان بارزاً بين دمشق وطهران في كل تفاصيل اللعبة هذا من جانب، أما من جانب آخر فقد كرَّس التوافق الأخير بإعادة تنظيم المليشيات الطائفية في العراق لمصلحة مشروع الدولة الجديد والذي كان ولا يزال مدعوماً من كلا المحورين قضية استبعاد الحرب كلياً وعلى أقل تقدير في الزمن المنظور والمتوسط مع دلائل عديدة أخرى تؤكد توجه واشنطن النهائي باستبعاد قرار الحرب وكما أن الوزير السوري قد أكَّد أن الضجيج الإعلامي الإسرائيلي لا يُغير من مسار الاتفاقية فهو كذلك هنا حيث الضجيج السياسي والإعلامي الأمريكي لا يغير من قاعدة المصالح المشتركة الجديدة وهو بالفعل انقلاب في المعادلة الدولية وتأثيراتها على الوطن العربي.

حصاد دمشق

وخارج سياق ما الذي ستؤول إليه علاقات الاتفاقية الجديدة بين دمشق والكيان الصهيوني ستبقى هناك ركائز رئيسية مضمونة لدمشق قبل إعطائها الموافقة على الاتفاقية أولها: تأمين سلامة النظام السياسي في دمشق من تطورات المحكمة الدولية وثانياً: ضمان قدر مقبول لدمشق من النفوذ في الساحة اللبنانية وتبقى هناك إطارات أخرى من الصعب أن نحصرها في هذا المقال.

الاتفاقية على حساب من؟

حتى الآن لا يمكن أن تبرز تصورات محددة لضحايا هذا التوافق غير أن الدلائل العملية على الواقع السياسي والأرض ميدانياً تشير إلى ثلاثة ملفات رئيسية الأول: الوجود الفلسطيني المعارض لاوسلو في الأراضي السورية وفي طليعتها حماس فهي الرأس المطلوب دائماً ولعل التغطية الإعلامية السابقة لكلا المحورين بزج حماس قسراً في المحور الإيراني كان يهدف إلى إعداد لوجستي ضخم يضمن وضع الحركة وبرغبة أمريكية في سياق هذا المحور لكي تكون جزءاً من الصفقة غير أن دمشق سوف تحرق أصابعها بكل تأكيد إذا قررت بالفعل الإقدام على هذه الخطوة.

فلقد أثبتت الأحداث أن مشروع حماس المغطى بقوة التضامن العربي الإسلامي شعبيا قد تجاوز حيز الصفقات التي كانت تُدار بها أو عبرها الفصائل الفلسطينية الأخرى خاصة بامتلاك معادلة الأرض في غزة.. نعم حماس تتعامل مع موازين اللعبة ولكن بسياق مستقل خارج ميدانها القذر وفقاً لثوابت محسومة ووفقاً لمصالح الشعب الفلسطيني والحالة الإسلامية الشعبية التي يعيشها الشام والعراق والوطن العربي إجمالاً فرضت دعم خيارات حماس على الأرض وإقدام دمشق على أي خطوة استراتيجية كبيرة تستهدف حماس سيُخل بموازين استقرار النظام السياسي فيها.

والملف الثاني هو دعم دمشق عبر حدودها ونفوذها في العراق لما ذكرناه سابقاً من مشروع الدولة الجديدة الذي تنفذه حكومة المالكي بتوافق من واشنطن وطهران والطرف المتمرد هنا هو المقاومة الإسلامية الوطنية العراقية فإلى أين تتجه البوصلة هذا ما ستكشفه الأحداث.

أما الملف الثالث والأخير فهو الملف النووي الإيراني والنفوذ في الخليج فواضح أن هذه التوافقات الأخيرة وقرار استبعاد الحرب أمَّن لطهران الإبقاء على المشروع النووي وإن بضمانات أوضح في استخداماته.

لكن الصورة الغامضة والتي لم تبرز بعد إلى أين توجه هذا التوافق في الملف الإقليمي للخليج وهي قضية طرحها الأمريكيون والإيرانيون معاً وتكرَّست في تصريح الجنرال صفوي أحد ابرز القيادات العسكرية الإيرانية ومفاوضات السيد لاريجاني مع الاتحاد الأوروبي والتي كانت تركز فيها طهران على ضرورة اقرار واشنطن بمشروعية نفوذها في الخليج من خلال دعم المطالبة بإجراء استفتاء عام بالبحرين يعيد طرح استفتاء 51م بين انتماء البحرين إلى العمق العربي أو ضمها إلى الإمبراطورية الإيرانية وكذلك علاقة هذا الاتفاق مع الحركة الطائفية الموالية لطهران في إقليم الأحساء السعودي الذي كان دائماً يقع في خرائط الفدرلة الأمريكية.

وقد لفت نظري في هذا السياق تحريك الأمريكيين مؤخراً للسيد علي الأحمد مدير معهد الخليج في واشنطن وهو أحد مناضلي التنظيم الشيعي الحركي في الإقليم لكنه لم يرجع إلى المملكة بعد اتفاق 1993 وأسَّسٍ في واشنطن مؤسسته السياسية ولكن نُِِشَّط حضوره الإعلامي واستجابت السلطات الفدرالية الأمريكية مؤخراً له بعد مطالبته بإغلاق المعاهد السعودية لتعليم الطلبة العرب في الولايات المتحدة بعد إبراز الأحاديث الواردة في المناهج عن قتال اليهود ومؤخراً أيضاً بدأ الأحمد حملة مدعومة من أوساط في اللوبي اليهودي الأمريكي على اعتبار الوهابية حركة معادية للإنسانية تستلزم محاصرتها ومحاسبة المنتسبين إليها مع نفس البرنامج الأمريكي الذي تبنَّى إسقاط الحركة الصهيونية من قائمة الانتماء العنصري المحظور.

فلا ندري إلى أين اتجه ملف الخليج في هذه المفاوضات هل للتهدئة واستيعاب الحركات الطائفية الموالية لإيران أم للتصعيد..؟

غداً ستظهر الصورة وإن غداً لناظره قريب..
الشرق القطرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى