صفحات العالم

العفـو

عباس بيضون
ابن اسكوبار ملك كارتل مخدرات ميدلين في كولومبيا الذي قتلته الشرطة 1993 يطلب السماح من أبناء الذين قتلهم والده، تلك هي بداية فيلم حققه المخرج الأرجنتيني الشاب الذي تولت أمه تعليم ابن اسكوبار الذي لجأت والدته بعد مقتل والده إلى الأرجنتين. حمل ابن اسكوبار الذي بدل اسمه ولم تعد كنية اسكوبار علماً عليه رسالة إلى ابن الرجل الذي قتله اعوان اسكوبار على باب بيته وكان الابن ذاته هو الذي فتح الباب له وصحبه في سيارة الاسعاف الى المستشفى حيث لفظ أنفاسه. كانت الرسالة تقول ان كاتبها لم يعش في حياته لحظة أصعب من تلك التي يعيشها الآن وهو يخطّ سطور الرسالة قال ابن اسكوبار له حين التقيا «أننا جميعاً يتامى». في لقاء آخر بين ابن اسكوبار وأبناء المرشح الرئاسي الذي أرداه أعوان اسكوبار طلب الابن العفو عن جريمة أفقدت كولومبيا أملاً كبيراً ورد أحد الأبناء بأن ليس لابن اسكوبار ما يطلب السماح عنه. فهم جميعاً بمن فيهم الابن ضحاياه.
هل كان ابن اسكوبار ضحيته حقاً. كان واعياً لذلك تماماً. ها هو يحمل على عاتقه جرائم أبيه وليس أدل على ذلك من انه يدخل إلى كولومبيا سراً خيفة ان ينتقم منه بعض من لم يستطيعوا الثأر من الأب. لقد بات أبناء المرشح الرئاسي والنائب سناتورات اما ابن اسكوبار فسيبقى مشرداً تحت اسم آخر. كان ابن اسكوبار ضحيته وربما كانت كذلك بنات صدام اللواتي فقدن أزواجهن ولم ينطلق لإحداهن لسان الا بعد أن غاب الديكتاتور. لكن العفو لم يكن الا حين رفض ابن اسكوبار أن يكون أباه وحين تبنى تماماً وجهة الخصم. هذا في حال اسكوبار ممكن فتجارة المخدرات ليست مما يمكن الاختلاف عليه. إنها جريمة بكل المقاييس. لو نقلنا المسألة إلى المجال السياسي فستكون أصعب. المجال السياسي هو تماماً ما تختلف عليه والجريمة السياسية ليست جريمة إلا بمقياس وحيد وقد لا تكون الجريمة نفسها بمقياس آخر. قد تنتهي الحروب بصلح، لكنها لا تنتهي بطلب السماح. تنتهي الحروب الأهلية بأن يقرّ كل طرف للآخر بمشروعية ما. وقد تنتهي بأن يتبنى كل طرف شهداء الآخر باسم الوطن الذي هو أكبر من الجميع، أو باسم المجتمع الذي هو أعم وأشمل. تنتهي الحروب الأهلية، إذا انتهت، بأن يسامح كل طرف نفسه، أن يقرّ بينه وبين نفسه بأنه جرم وبأن الإجرام كان ممكناً تفاديه. أن يسامح نفسه بعد أن يدين نفسه. لكن السماح من الآخر ليس وارداً إلا كتنازل أخلاقي لا قيمة سياسية له.
ما يفعله أسعد الشفتري هو ما فعله ابن اسكوبار تقريباً. يدين أسعد الشفتري نفسه ويطلب السماح لنفسه، بينما يبدو أن الآخرين لا يزالون عاجزين عن إدانة أنفسهم، وبالتالي مسامحة أنفسهم. لم ينتظر الشفتري أن يفعل الآخر مثله. تنازله الأخلاقي عبرة، لكن المصالحة السياسية شيء آخر.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى