لماذا يبدو “العرب” اليوم كرجل العالم المريض؟!
رضوان زيادة ()
من يعيش في الغرب ويدّرس أو يبحث في الجامعات الأميركية يجد نفسه مدفوعاً بالقوة لتبديد الصورة السلبية التي التبست عن العرب، وعن تراثهم و أفكارهم وطباعهم، وعن تأثيرهم اليوم.
يجد المرء نفسه في موقع الباحث عن خطوات التطور أو الخطط الطموحة للتنمية أو المشاريع المستقبلية التي تبعث على التفاؤل أو الأمل، ويناهض بالتأكيد كل تلك الأفكار السلبية التي تصف العرب دوماً بصفات ثقافية وسياسية وأخلاقية دون إدراك البعد التاريخي لتطور هذه المجتمعات.
لكنني لا أستطيع أن أنكر أن الكثير مما يقال ويدرس هو الصحيح بعينه، وأنه بالرغم من الأخطاء الكثيرة التي ارتكبتها السياسة الأميركية في المنطقة والنوايا الحسنة للرئيس أوباما لتحسين علاقة الولايات المتحدة مع العالم الإسلامي، لكن شيئاً لم يتغير في العالم العربي، ولا يتوقع له أن يتغير باتجاه الأحسن؟ ما سبب هذا الاستعصاء التاريخي، ولماذا يبدو العرب لمراقب بعيد رجل العالم المريض.
ومن خلال زياراتي لمنطقتي جنوب شرق آسيا وأميركا اللاتينية هذا العام، تكونت لدي رؤية أوسع لمشاكل العالم العربي بالنظر إلى مناطق أخرى من العالم، ولذلك من المهم أن يقاس التطور وفقاً للتطور التاريخي مع بقع أخرى من العالم، لاسيما تلك التي مرت بما مررنا به لكنها تجاوزته وبقينا حيث نحن ولا يبدو في الأفق مؤشرات على القدرة من الخروج، او كما تقول النكتة العربية، حين قال أحدهم إني أرى ضوءًا في آخر النفق، فأجاب الآخر أين النفق، إني لا أرى النفق. أي أننا بالفعل لم ندخل النفق نفسه بعد حتى نرى الضوء في نهايته.
بالرغم مما يبدو من حديثي تعميماً كبيراً، وأنا كنت دائماً من أنصار مدرسة الدراسات القطرية التخصصية وهذا نقدي الرئيس على تقرير التنمية الإنسانية العربي، إلا أن المقارنة مع مناطق أخرى من العالم لابد أن تحمل أيضاً شيئاً من التعميم وهو تعميم ليس خاطئاً كلياً بالضرورة، لأنه يمكننا من رؤية التحولات العربية وفق مقارنتها بالتطور العالمي.
في البداية أن “الاستثناء العربي ” كما يحب بعض من المحافظين أن يطلق عليه يبدأ من حقيقة أن المنطقة العربية هي المنطقة التي ما زالت تستضيف أكبر عدد من الأنظمة غير الدستورية، وهو ما لم تشهده دول أميركا اللاتينية التي عصفت بها الدكتاتوريات العسكرية في الخمسينيات والستينيات، لكنها استقرت في النهاية على شكل آخر من الديموقراطية غير المستقرة إذا جاز التعبير، أما بالنسبة لمنطقة شرق آسيا فهي خرجت من مخلفات الحرب الباردة لتبني معجزة اقتصادية بعد أن استفادت من هجين سياسي قائم على دعم الولايات المتحدة لها كاليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان وشكل من أشكال الديموقراطية القابلة للتطور على المدى البعيد.
لكن لا بد ألا ننسى أن عمر الدولة الوطنية لدينا قصير مقارنة مع عمر الدولة في أميركا اللاتينية ( على سبيل المثال استقلت البرازيل عام 1887 ) والأمر نفسه بالنسبة لكوريا أو اليابان، في حين لا يتجاوز عمر الدولة الحديثة لدينا الخمسين عاماً أو الستين على الأكثر، وبالتالي لا تبدو المؤسسات السياسية والاقتصادية قادرة بعد على هضم أسس الدولة الحديثة ومقوماتها.
بيد أن ما يميز المنطقة العربية اليوم هو كونها المنطقة الأكثر استضافة لعدد الحروب في العالم، أو النزاعات المسلحة وبتعبير المحافظين الجدد فإن أكبر عدد من الدول الفاشلة اليوم يقبع في المنطقة العربية من الصومال إلى السودان واليمن، وعدداً من الحروب الأهلية المعلنة في العراق وفلسطين، أو تلك التي ما تزال تعاني آثارها أو لما تنته بعد كما في الجزائر ولبنان، وتلك المؤهبة لدخولها في حال أي خلل في مبدأ الاستقرار السياسي.
وهو في الحقيقة يبدو ميزة المنطقة العربية، فصحيح أن أميركا اللاتينية ما تزال لديها عدد من بؤر النزاعات الفاعلة خاصة في كولومبيا، وأن جنوب شرق آسيا ما تزال لديها كوريا الشمالية وبورما ولاوس كدول غير ديموقراطية وغير مستقرة، لكن المقارنة بكل تأكيد ترجح كمياً للمنطقة العربية.
وهنا نصل إلى الدور الحاسم وهو دور دول الجوار الإقليمي، أي في حين تلعب دول مثل البرازيل كقوة صاعدة دوراً محورياً في قيادة دول المنطقة باتجاه الاستقرار واحترام قواعد اللعبة الديموقراطية، وهو ما فعلته اليابان في جنوب شرق آسيا، إلا أننا نفتقد تماماً لنموذج ديموقراطي يستطيع أن يقود المنطقة إلى طريق التحول الديموقراطي، فالدول الكبيرة والمؤثرة كمصر وسورية والعراق في المشرق العربي والجزائر والمغرب الأقصى في المغرب العربي تعيش أشكالاً مختلفة من الصراعات الداخلية التي أفقدتها دورها الإقليمي بل وأكثر من ذلك عاق تطورها التنموي والذاتي، ولذلك فنحن دوماً نحّن لمصر وسورية الخمسينيات يوم كان للبلدين تأثير واتجاه واضح نحو التقدم والتنمية.
() باحث في المنتدى الدولي للدراسات الديموقراطية – واشنطن
المستقبل