حدود النقد المسموح به اليوم في سوريا
مازن كم الماز
لماذا استحق معن عاقل * الاعتقال بهذا الشكل و من ثم الفصل من المؤسسة الصحفية التي يعمل بها ؟ هل هذا لمجرد انتقاده رئيسة تحرير مؤسسة صحفية حكومية رئيسية مثلا , أم بسبب التحقيق الذي أشيع أنه كان يعده عن صناعة الدواء في سوريا ؟ إذا اعتبرنا أن مهمة الصحفي هي البوح فإن بعض البوح يصبح فضائحيا , كشفا للعورات , الموضوع في حالتنا السورية لا يتعلق بالسياسة , بمعناها المباشر على الأقل , فمجلة الآداب التي منعت من دخول سوريا مؤخرا تعبر عن مواقف سياسية متعاطفة مع المواقف السياسية الخارجية للنظام , و مجلة شبابلك التي منع توزيع عددها 52 ( عدد شهر تشرين الأول 2009 ) استحقت ذلك بسبب تحقيق كان من المفترض أن تنشره عن الصحافة الخاصة . ليست السياسة هي نقطة الضغط المركزية التي يتحسس منها النظام , بل الفساد , من جهة , و من جهة أخرى تخلف مؤسساته و حتى خطابه الرسمي و جموده أو مراوحته في المكان , و أي بوح يتعلق بهذا الفساد يعتبر فضائحيا , ممنوعا , و يستوجب حظره . إذا كان إعلاما خاصا يمارس البوح بما يسمح له بأن يبدو مثيرا قادرا على إثارة أعصاب مؤسسات الرقابة و معها مؤسسات الإعلام الرسمية ( دون أن يقصد ذلك ) , فكيف بإعلام جماهيري حقيقي غير موجود أصلا أو ممنوع من الوجود يعتبر قضيته هي التعبير عن هموم الشارع . كان معن عاقل مميزا في خروجه على هذه الخطوط الحمر , ساخطا لدرجة العصبية في سخطه ( و بوحه ) و مثيرا للأعصاب ( أو مستفزا ) في نفس الوقت , لذا كان مستحقا للعقاب الخاص جدا في حالته ( على الأقل بين الصحفيين المرتبطين بمؤسسات الإعلام الرسمي ) , ففي حالة معن عاقل انتقلت مؤسسات الرقابة الرسمية من المنع الوقائي إلى ممارسة العقاب المباشر ( أو المشاركة في إيقاع هذا العقاب ) , كان بمقدور إدارة المؤسسة التي يعمل فيها أن تمنع بكل بساطة نشر أية تحقيقات يعدها معن , لكن القضية هنا تتعلق بإعادة الاعتبار للخطوط الحمر المرسومة و المغروسة في وجدان كل صحفي يعمل هناك , أو في أي مكان……
* صحفي سوري يعمل في جريدة الثورة الرسمية اعتقل من مكان عمله بتاريخ 22 – 11 – 2009 و ما زال معتقلا حتى اليوم…..
خاص – صفحات سورية –