صفحات مختارة

صراع القيم الحرية و الكرمة مثالاً

الدكتور فرزند عمر
إن القيم هي المبادئ التي ندير بها دفة حياتنا و نتخذ على أساسها قراراتنا فنحن نسلك هذا الطريق أو ذاك بعد أن نستشير قيمنا و معتقداتنا و لا نستطيع أن نكون سعداء إلا إذا توافقت سلوكياتنا مع الحد الأدنى لقيمنا فهي تشكل الأساس و البوتقة الأهم في تشذيب ذواتنا و تقويمها لتكون ملائمة لمخاطر و مصاعب الحياة .
هذه القيم التي نتلقاها منذ مرحلة الطفولة على أيدي آبائنا ثم تضاف إليها تلك القيم التي نكتسبها من أقراننا و معلمينا و معتقداتنا الدينية أو الدنيوية فمن هؤلاء نستقي شعورياً أو لا شعورياً المبادئ التي نقرر أنها ستحكم سلوكياتنا و هي ضرورية لبقاء الفرد أولاً و المجتمع ثانياً فبدونها ستحل الفوضى و التشويشات و عدم الرؤية التي من شأنها تدمير ماهية الحياة .
إن الإنسان و ما يحمله من قيم فكرية و غايات ضمن منظومته العقلية لا تخوله بالضرورة الاستمتاع بتلك القيم كما لا يخوله ذلك من العمل على رفعة تلك القيم أو حطها إلا بشكل غير مباشر فالواقع يعترف دائماً بالأشياء الملموسة المادية و لا يلي بالاً لما هو دون الواقع من أفكار و قيم و أخلاق مجردة لذلك دأب الإنسان في بحث دائم عن كيفية استثمار المجهودات النظرية و الفكرية و تحويلها إلى حالة مادية ملموسة يتقبلها الواقع الذي يلعب دور القاضي في تقييمها و تقديرها و بالتالي نبذها أو قبولها يقول كارل بوبر  : ” إن ما نريده هو أن نفهم كيف يمكن لمثل الأشياء غير المادية مثل الغايات و التفكير الهادئ و الخطط و القرارات و النظريات و القيم أن تلعب دوراً في إحداث تغيرات مادية في العالم المادي ؟”
و في الطرف الآخر من المعادلة الإنسان لا يتعلم إلا من السلوك فمهما حاولنا أن نقنع شخصاً ما بعدم جدوى الكذب فإنه لن يتعلم إلا إذا كان من يعلمه هو نفسه لا يكذب فالسلوك البشري هو الحقيقة التي لا تعتريها الشك فالسلوك بهذا المعنى هو الحامل الأساس للحياة فهو يعبر بشكل حقيقي عن ذواتنا و ينقل كافة الخبرات و المعتقدات الروحية من و إلى الطرف الآخر .
فالناس لا يرون أفكار الآخرين و إنما يرون كيف يعيشون و كيف يتصرفون في مواقفهم اليومية و كيف ينشئون أطفالهم و كيف يجمعون طعامهم و أين يسكنون فتلك الأشياء من الأهمية بمكان إذ أنها تشير إلى سلوكيات الأفراد لا إلى غاياتهم هذه السلوكيات التي تخولهم أن يعيشوا القيمة لا أن يحملونها فأغلب العالم يجتمع حول القيم العليا من حرية و كرامة و محبة لكن قلة منهم من يمارس تلك القيم أو بمعنى آخر يحصل عليها فالاقتناع بالحرية كمبدأ للعيش لا يخول صاحبه لأن يكون حراً و كون أن الكرامة مطلب أساسي لا يوفر الكرامة لقسم كبير من الناس لذلك كان لا بد أن يسلك الناس سلوكاً يجعلهم يحسون بحريتهم و كرامتهم .
إن الوصول إلى هذه الغاية أو تلك ليس بالأمر اليسير فليس كل ما يتمناه المرء يدركه  لذلك أوجد الإنسان طرقاً عديدة للتخلص من آلامه الناجمة عن الهوة بين ما يتمناه و ما يدركه و ليس الأصل في تلك الوسائل و السلوكيات الوصول إلى ما يبتغيه إنما الأصل يعود إلى ردم تلك الفجوة الناجمة عن الافتراق بين ما يتمناه و ما يعيشه المرء و من أجل ذلك يسلك الإنسان سلوكيات تخوله العيش بأقل ألم ممكن .
إن الفجوة الكائنة بين ما يتمناه المرء و ما يستطيع أن يسلكه كلما اتسعت كلما زاد شقاؤه و بؤسه و كلما احتاج الإنسان لمزيد من العمل و مزيد من التغير لردم تلك الهوة و تقليصها إلى درجة التلاشي فالسجين لأجل الوصول إلى حريته يسلك ما يكفل له أن يتخلص من زنزانته فبعضهم من يحافظ على سلوكيات حسنة لتخفيف مدة العقوبة و البعض الآخر يخطط للهروب و التملص من العقوبة و قسم منهم ينخرط بالأخيلة و الأوهام كبديل للواقع لكنها بالنهاية أدوات و سلوكيات ينتهجها المرء بهدف تقليص الفجوة بين ما يتمناه و ما يدركه .
إن درجة تعقيد السلوكيات تعتمد على درجة تطور الكائن و باعتبار أن الإنسان يحتل قمة الهرم التطوري كان لديه ما ليس للكائنات الباقية من أساسيات و سلوكيات مكتسبة يستطيع من خلالها أن يؤمن توازن شديدة التعقيد مع المحيط الخارجي
– آليات تشكل السلوك
هناك آليتان رئيسيتان
أ – آليات منفعلة : و هي تشمل كافة السلوكيات الغرائزية و آليات التنبيه الانعكاسي التي تتم دون تدخل من قبل قشر الدماغ والذي يعتبر مركز التفكير و الوعي لدى البشر غرضها الأساسي الدفاع عن الإنسان و حماية الجنس البشري من الفناء
ب – آليات فاعلة : و هي آليات تتمخض عن حالة من الوعي حيث يتدخل قشر الدماغ في تكوين هذه الآليات بشكل مباشر و تكون مرتبطة بدرجة الوعي و هي سلوكيات معقدة غير مفهومة بشكل كلي نتيجة تدخل عدة عوامل في تشكيلها.
– بعض آليات تعزيز السلوك :
أ – آلية إضعاف المؤثرات الضارة أو التعزيز السلبي :
و هي آلية تقوم فيها الذات المتفاعلة مع الخارج بإضعاف الأذى أو إلغائه عن طريق تفاديه أو عن طريق القضاء عليه من خلال بعض السلوكيات التي تعود و تتكرر كلما حضر نفس المؤثر فوجود برد شديد يستدعي من الشخص الذي تعرض لهذا التأثير الضار إلى التقليل منه بارتداء ملابس تقيه من البرد أو القضاء عليه عبر وسائل تلغي وجوده كإشعال النار مثلاً أو تنحو أحياناً منحاً آخر بالابتعاد عن مكان البرد أو بإيهام الذات على عدم وجود البرد أو اتخاذ موقف يبرز مقدار التحمل الذي تملكه هذه الذات أو تلك … إلخ  . و تعرف هذه المعززات التي تقوم على تحاشي أو إلغاء الأذى بالمعززات السلبية أو السيئة
إن تكرار هذه العملية الفعالة على مر الزمن يزيد من قيمة السلوك الأكثر توارداً و المرافق لوجود هذا المؤثر أو ذاك و الذي يدخل فيما بعد ضمن ما يسمى بالسلوك السوي بينما ينقص من شأن السلوكيات الأقل توارداً و التي تصنف ضمن ما يسمى بالسلوكيات الشاذة أو المرضية
ب –  آلية التشجيع أو التعزيز الإيجابي :
حينما يتصرف شخص ما بايجابية فإننا نقوم على تشجيعه من أجل تكرار هذا التصرف عن طريق الثناء و كيل المديح له من قبيل أحسنت صنعاً أو تابع على هذا المنوال أو نقوم بإعطائه الجوائز و ما إلى هنالك من تقدير و احترام أو نقوم بدرء الأذى عن سلوكه بعدم الاعتراض عليها مما يؤدي إلى تعزيز هذا السلوك و تكراره مع الزمن بينما السلوك الغير محبذ لا يلقى التشجيع الكافي أو يتعرض للأذى من خلال نقده و تفنيده مما يؤدي إلى انحصاره مع مرور الوقت .
تعرف هذه المعززات بالمعززات الايجابية
– السلوك باتجاه الحرية:
الحرية في أحد أشكال تعريفاتها السلوكية هو العمل على تحرير الذات من كافة أشكال العلاقات و الاتصالات المؤذية و إن هذا الاتجاه السلوكي غير محصور بالجنس البشري فكل الكائنات الحية تطور سلوكيات خاصة بها للتخلص من تلك العلاقات و الاتصالات المؤذية .
فالتكيف مع المحيط بهذا المفهوم هو درجة من درجات الحرية الذي يحققه الكائن الحي خلال مسيرته التطورية بينما الكائن الغير قادر على التكيف ينتهي حكماً بالانقراض و التلاشي و هذه إحدى أهم قوانين التطور على الإطلاق فالكائنات التي لم تستطع التكيف مع محيطها اندثرت مع مرور الزمن بينما الكائنات التي طورت سلوكيات تحميها من الأذى استمرت في المسيرة الحياتية.
إن هذه السلوكيات تتضمن سلوكيات بسيطة كالغرائز و الأفعال الانعكاسية التي توفر للكائن الحي استمراريته في الحياة إلى سلوكيات معقدة تعتمد على الممارسة و التعلم كشرط لاكتسابها كاتقاء النار لدى الحيوانات على سبيل المثال لا الحصر .
حين يتعرض البشر للأذى يكافحون بشتى الوسائل للتخلص منه فمن العطاس الذي يخلص القصبات الهوائية من أذى المفرزات المتراكمة إلى سلوكيات البشر في التخلص من التصرفات العدوانية التي تواجهه فالبشر يكافحون بكل الوسائل المتاحة لهم للتخلص من تلك العدوانيات الموجهة إليهم و ينشدون الحرية بدءً من سحب يدهم كفعل انعكاسي على مصدر خطر يهددههم إلى كل السلوكيات التي يتبعونها في حياتهم لتجنب مصادر الأذى و تخليصهم من الألم الناجم عن مصادره المتنوعة .
نتيجة لدرجة التعقيد الذي يكتنف الوعي البشري و تشعباته الفكرية و التعقيدات المتأتية من محيطه الطبيعي و المصطنع ظهرت سلوكيات عديدة لنفس المصدر من الخطر و كذلك إتباع أكثر من سلوك في الأوان ذاته للتخلص من نفس المصدر المهدد و هذا التنوع أدى إلى تصنيفات عديدة و اصطفافات عديدة تؤيد سلوكاً معيناً ضد سلوك آخر أو ترجح سلوكاً على سلوك آخر .
إن تعزيز سلوكيات الحرية تتم أغلبها عبر آليات التعزيز السلبي فوجود الأذى يحتم بالضرورة إيجاد آليات تفادي له فالعبد عندما يُضرَب بالسياط نتيجة تقصيره في العمل يحاول في المرة القادمة أن يتهرب من أذى السياط عبر توليد سلوكيات تبدأ بالتنفيذ الجيد للعمل و تنتهي بإلغاء التأثير الضار عن طريق هدم مصدر الأذى و الذي يتمثل في سيده بأن يثور عليه فيقتله مثلاً .
يلعب الهرب من المتاعب و تجنب المشاق دوراً أهم بكثير في الكفاح من أجل الحرية حينما تكون المؤثرات السيئة من صنع الناس الآخرين وذلك لأن السلوك باتجاه الحرية في أغلبه يؤدي بشكل غير مباشر إلى تعزيز ايجابي للسلطة فتهرب العبد من ألم السياط يعزز لدى سيده سلوك التسلط و يغدو السلوك باتجاه الحرية من أهم معززات التسلط  . لذلك فإن السيطرة المنفرة المتعمدة هي بصورة أو بأخرى  تشكل نمط معظم التنسيق الاجتماعي في الأخلاق و الدين و الحكومة و الاقتصاد و التربية و الحياة العائلية .
هذه الحلقة المفرغة ( حرية – تسلط  ) مع مرور الوقت تفرز أنواعاً شاذة من السلوك تبدأ بالخروج من حلقة المشاكل كأن يسافر الإنسان و يهجر موطنه أو ينسلخ عن مجتمعه كظاهرة الهبيين أو أن يهاجم من ينظمون و ينشئون تلك المثيرات السيئة .
إن السلوك الأخير و المتمثل في مهاجمة المثيرات السيئة ربما يتفوق على السلوكيات الشاذة الأخرى و ذلك بسبب الدعم الذي يلقاه من قبل النمط الوراثي للإنسان فالإنسان بطبيعته الفطرية لديه ميل للعدوانية فحينما يعامل الناس بجفاء فإنهم يميلون للتصرف بعدوانية و شراسة
ليس من الضروري دائماً أن يوجه الفعل العدواني إلى المصدر الأساسي الذي تولدت منه الإثارة فقد يوجه باتجاه  أشخاص أو أشياء لا تمت بصلة لمصدر الإثارة  كالتخريب و الشغب اللذان يكونان عبارة عن عدوانية غير موجهة و ذلك بسبب أن كثير من وسائل الهجوم تلك هي وسائل مكتسبة بالتعلم فدرجة الوعي تلعب دوراً أساس في اختيار نوع الوسائل التي تتم المهاجمة بها و توجيهها إلى المكان المناسب فالإنسان يقوم باختيار وسائله بناءً على المعطيات الفكرية لدى هذا الشخص أو ذاك .
إن صعوبة الاختيار تزداد كلما تدنت درجة الحرية التي يملكها الإنسان مشتركاً معها نقص الوعي المرافق للدرجات الدنيا من الحرية يجعل من الوسائل المتخذة من قبل الأشخاص الذين يسلكون طريق الحرية غير نافعة و هذا ما يزيد من قوة التسلط و الدخول في مزيد من التوهان ضمن الحلقة المفرغة ( حرية – تسلط )  و بالتالي مزيداً من العدوانية و مزيداً من التخريب .
السلوك باتجاه الحرية سلوك أبدي غير مرتبط بالزمان و المكان و هي من أساس التكوين البشري فما دامت هناك مصادر للأذى سيكون هناك سلوكيات لتفادي الأذى لكن يختلف الشعور بالحرية من مكان لآخر و من زمان لآخر فالإنسان يتعزز شعوره بالحرية كلما ازداد لديه الشعور بالسيطرة على مصادر الأذى و التقليل من فرص الانخراط ضمن السلوكيات العدوانية .
من أجل ذلك كله كان الوعي ضرورياً في إرشاد و تقويم السلوك باتجاه الحرية و كذلك كان دور الفكر فلا يمكن كسر حاجز الحلقة المفرغة ( حرية – تسلط ) إلا عبر تغير العقلية هذا التغير الذي يجب أن يشمل مختلف القيم و المبادئ التي يملكها الشخص الطالب للحرية فالسلوك باتجاه الحرية هدم دائم و خلق دائم .

فالسلوك باتجاه الحرية هو من أكثر السلوكيات هدماً لباقي القيم و هو في نفس الوقت المصنع الأساسي لقيم جديدة .
السلوك باتجاه الحرية يعتبر مصنع تدوير حقيقي للقيم فهو يهدم معظم القيم التي تأتي قبله و ينشئ قيماً تتوافق مع درجة الشعور بالحرية الجديد .
إن هذه الاتجاه التجديدي للحرية يقابله مقاومة لا يستهان بها من قبل القيم التي سنطلق عليها تجاوزاً بقيم ما قبل الحرية لأن تلك القيم تلاقي كل الاستحسان و التعزير من قبل المجتمع فهي تشكل نوعاً من الخيمة الحامية لماهية المجتمع و كيانه المستقل .
– السلوك من أجل الكرامة :
الكرامة في أحد تعريفاتها السلوكية هي العمل على جلب أكبر كمية تقدير للذات من خلال اتخاذ سلوكيات يتوجب عليها التقدير هذا التقدير المتأتي في أغلبه عن موائمة السلوك لقيم مجتمع ما فكلما كان السلوك موافقاً للقيم الاجتماعية كلما حصلت الذات على تقدير أعلى .
إن المحافظة على المجتمع و عدم زعزعته هو النتيجة الأهم لهذا السلوك و إن آليات تعزيز سلوكيات الكرامة هي آليات تعزيز إيجاببة فعندما يقوم شخص ما بعمل جيد يتوافق مع القيم الجمعية للمجتمع فإن المجتمع يقوم بتقديره و حثه على التكرار هذا التعزيز المتبادل بين السلوك و المجتمع يشكل حلقة دفاعية من الصعب اختراقها .
هذه الآلية التحصينية  تشكل رادعاً إضافيا للسلوك باتجاه الحرية فالحرية ستحاول اختراق البنى لأجل إعادة البناء بينما الكرامة تزيد تحصينها من أجل الاستقرار وهنا يبدأ الصراع بين الحرية و الكرامة و من أجل أن نأخذ نحن البشر مواقفاً حيادية من هذا الصراع نحاول التقليل من أهمية السيطرة التي تفرضها علينا قوانين المجتمع عن طريق إخفائها أو تغيير مظهرها كي نبدو أكثر حرية في سبيل حصولنا على الكرامة .
فنجد مقدار التقدير الذي يحصل عليه شخص ما مرهون بطريقة غريبة بالقدرة على رؤية الأسباب التعزيزية لسلوكه فكلما كانت الأسباب غير واضحة كان التقدير أعلى فمقدار التقدير الذي يحصل عليه فنان ما مثلاً يقل كثيراً عندما نعلم أن سبب رسمه للوحته هي الشهرة و المجد مع أنه سلوك مفهوم و نبخس العمل قدره عندما نعلم أن سبب العمل هو المال و إلى وقت ليس بالبعيد كان معلمون المهن الأوائل لا يتقاضون أجراً معروفاً على عملهم كي لا تجرح كرامتهم فهم يعملون من أجل إعلاء شأن المهنة لا من أجل كسب المال .
إننا لا نمنح تقديرنا العظيم لمن يعملون بجلاء من أجل السمعة و الشهرة إنما نمنح كل تقديرنا لمن يتعفف عن الشهرة و المجد كذلك كان الحب أجدر بالتقدير عندما يكون من طرف واحد مع أن هذا السلوك غير مفسر و كذلك نجد تقديراً عظيماً للذي تخلى عن ثروته أو تحمل جل أنواع التعذيب من أجل المحافظة على أفكاره و آرائه فالتقدير يزداد كلما كانت أسباب السلوك غير واضحة
لذلك فإننا نحاول أن نكسب المزيد من التقدير عن طريق إخفاء الأسباب الحقيقية وراء سلوكياتنا  لأنها تبدو كحوافز تشجيعية تشكل نوعاً من السيطرة على السلوك المتخذ والتي نبغضها نتيجة الميل للسلوك باتجاه الحرية فمخرج المسرحية يخفي الملقن عن أنظار المشاهدين كي لا يبدو الممثلين مجرد متلقين سلبيين و بذلك يهيئ لهم الظرف كي يظهروا بأنهم يلقون كامل الحوار من خلال ذاكرتهم
إن إيضاح الأسباب الحقيقية وراء سلوكيات البشر أمر غاية في الأهمية لكسر حلقة الكرامة التحصينية و خطوة لا بأس بها باتجاه الحرية و لا يتم هذا الأمر إلا من خلال الوعي و الحقيقة الكفيلتان بإزالة الغموض عن الأسباب الكامنة وراء السلوكيات المتبعة و بالتالي منح التقدير لسلوكيات هذا الفرد أو ذاك دون زيادة أو نقصان .
إننا نحن البشر على ما يبدو نحاول الاحتفاظ بما لدينا و نسعى جاهدين باتجاه الحرية لكن على ما يبدو أن الحرية لا تتوافق مع القيم الجاهزة فهو يفصل قيماً جديدة تخصه فالسلوك باتجاه الحرية فيما يبدو يستلزم منا أن لا نحزن على أنقاض قيمنا لأن قيماً جديدة مصبوغة بدرجة حرية جديدة سوف تطرق بابنا و سوف ندافع عنها إلى أن نصعد درجة أخرى من درجات الحرية فالحرية هي الأهم على مدار الزمن و كل ما دونها إنما يعاد ترتيبها أو صياغتها تحت مظلة أدراج الحرية التي لن تنتهي .
و كما قال برترند رسل
” من مقتضيات الشجاعة عندما تأتي الكوارث أن نحمل دون تذمر أنقاض أمالنا و أن نقوم بإبعاد أفكارنا عن الأسف العقيم . هذه الدرجة من الاستسلام للقوة ليست عادلة و صائبة فحسب و إنما هي بحق بوابة الحكمة ”
فإني أقول :
عندما تأتي الحرية يجب أن نحمل دون تذمر أنقاض قيمنا و نبتعد عن الأسف العقيم عليها فهذه الدرجة من الاستسلام للحرية ليست عادلة و صائبة فحسب إنما هي بحق بوابة الحكمة لأن العالم لا يملك قوة و كارثة أكبر من الحرية .
عفرين – 19/12/2009
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى