بغداد – القاهرة والتوازن
سميح صعب
هل هي مصادفة أن يتجه العراق نحو مصر كلما تأزمت العلاقات مع ايران وسوريا؟ أم ان التقارب الاخير بين بغداد والقاهرة يأتي في سياق خارج سياق التوتر مع سوريا بسبب الاتهامات العراقية الرسمية بضلوع مسؤولين سابقين في حزب البعث العراقي بالتورط في التفجيرات الدامية التي ضربت العراق في الاشهر الاخيرة، وعلى خلفية التوتر المستجد مع طهران عقب سيطرة قوات ايرانية على حقل الفكة النفطي الحدودي؟
الكلام الذي قاله وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري الذي رافق رئيس الوزراء نوري المالكي في زيارته للقاهرة في وقت سابق من هذا الاسبوع عن ان الوجود المصري في العراق من شأنه أن يحدث “توازناً مع الآخرين”، كان واضحاً ان المقصود بـ”الآخرين” النفوذان السوري والايراني اللذان أعقبا مرحلة الاحتلال الاميركي وسقوط نظام صدام حسين الذي كانت مصر سنده الاساسي في الحرب مع ايران خلال الثمانينات من القرن الماضي.
وبعد الغزو انكفأت مصر والسعودية عن الساحة العراقية لتغدو ايران ومن بعدها سوريا اللاعبين الاساسيين في العراق، ليس بسبب الغياب المصري والسعودي، وإنما ايضاً بسبب توجه النظام العراقي الجديد نحو القوتين اللتين كانتا على خلاف لمدة طويلة مع النظام العراقي السابق. ولم تحل المطالبة السورية والايرانية القوية بسحب القوات الاميركية من العراق دون نشوء علاقات وطيدة مع الحكومة العراقية الجديدة.
وفي المقابل، لم تمنع الاتهامات الاميركية لدمشق بتسهيل مرور المقاتلين الاجانب الى العراق ولا الاتهامات الموجهة الى طهران بتزويد المقاتلين العراقيين عبوات ناسفة خارقة للدروع، مسؤولة بحسب واشنطن، عن انزال أشد الخسائر بالقوات الاميركية، من مضي الحكومة العراقية في التطبيع مع كل من سوريا وايران والتأسيس لعلاقات حسن جوار وتعاون على نقيض ما كان جارياً في حقبة صدام حسين.
ومع اتساع النفوذ السوري والايراني في العراق، كان هناك انحسار مصري وسعودي، لا بل ان الرياض والقاهرة هاجمتا النظام العراقي الجديد، ولم يكن من السهل عليهما تقبل انتقال الحكم من الاقلية السنية الى الغالبية الشيعية. ولا يزال هذا الامر غير مستساغ في السعودية وبدرجة أقل في مصر. لكن مع عودة السفير المصري الى بغداد والزيارة التي قام بها المالكي للقاهرة، يفترض أن تستعيد العلاقات العراقية – المصرية بعضاً من ماضيها، وان تتخلى مصر عن الحياد السلبي من العراق أقله الى الحياد الايجابي خصوصاً في ظل الرغبة العراقية في جعل الدور المصري موازياً لأدوار دول أخرى. ولا يكفي أن تبنى العلاقات المصرية – العراقية الجديدة على خلفية التوتر مع دمشق وطهران، بل أن يكون منطلق هذه العلاقات رغبة مصرية في توسيع دورها الاقليمي في موازاة الدورين الايراني والتركي. كما ان اللافت هو التزامن بين الانطلاقة الجديدة في العلاقات المصرية – العراقية وبين زيارة رئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني للقاهرة وما كاله الاخير من مديح للدور المصري اقليمياً ولاسيما حيال القضية الفلسطينية.
وهذا ما طرح تساؤلات عما اذا كان التحرك الايراني نحو الانفتاح على مصر هو استباق للانفتاح العراقي، أم انه كان بمحض المصادفة ان تنفتح بغداد وطهران على القاهرة سوية؟ لكن مهما كانت خلفية التحركين، فإن ثمة محطات لا يمكن الا التوقف عندها في مسار العلاقات الاقليمية في المنطقة والتي تتجه فيها الدول نحو الانفتاح أكثر بعضها على البعض، وعلى وعي أكبر لمصالحها بعد مرحلة التشنج التي تلت الغزو الاميركي للعراق وارتدادات الزلزال الذي أحدثه.
وانطلاقاً من هذا يجب ألا يكون توجه بغداد نحو القاهرة دافعه التوتر الحاصل مع سوريا وايران، بل الرغبة الخالصة في اعادة العلاقات العراقية – المصرية الى ما كانت عليه.
النهار