الحاجز النفسي مع سوريا
فهمي هويدي
بعد أيام قليلة من عودته من جولته الأوروبية، قام الرئيس حسني مبارك بجولة أخرى خليجية شملت الإمارات العربية المتحدة والكويت والسعودية. ولا أعرف ما إذا كانت هناك صلة بين الجولتين أم لا. لكن الذي ألاحظه أن تحركات الرئيس مبارك على مدى العام أصبحت تتراوح بين زياراته لبعض الدول الأوروبية وبعض الدول الخليجية. أما زياراته السنوية للولايات المتحدة فقد توقفت لعدة سنوات في عهد الرئيس السابق جورج بوش. ثم استؤنفت هذا العام بعد تولي الرئيس باراك أوباما للسلطة.
لست من العارفين بما يجري في تلك الزيارات أو بغاياتها، لكنى من المؤمنين بأن في الحركة بركة في كل الأحوال، بالتالي فليس لديّ أي تحفظ أو تساؤل حول مبدأ الزيارات، ولكن تساؤلي الوحيد منصب على نطاقها ووجهتها فقط. خصوصا ما كان منها داخل حدود العالم العربي. إذ الملاحظ أن دول المغرب والمشرق لم يعد يشملها برنامج الزيارات، هذا إذا استثنينا اللقاءات التي تتم بين الحين والآخر بين الرئيس مبارك وكل من العقيد القذافي وملك الأردن، ربما قيل إن دول المغرب اختارت موقف التباعد إزاء العالم العربي، وإن تونس لم يعد يهمها في العالم العربي سوى انتظام اجتماعات وزراء الداخلية العرب على أراضيها، بعدما أصبحت تونس العاصمة هي المقر الدائم لهؤلاء الوزراء، الذين توافقوا على أنها أنسب الساحات لأنشطتهم. لكن ذلك يظل سببا غير مقنع من وجهة نظر الداعين إلى لم الشمل العربي، أو الذين يدعون ريادة للعالم العربي. إذ حتى إذا آثر قادة تلك الدول أن يتباعدوا عن هموم العرب ــ رغم أن المغرب يرأس لجنة القدس ــ فإن من مسئولية الحريصين على لم الشمل أو الذين يتحدثون عن الريادة ألا يكفوا عن مد الجسور معهم وجذبهم، على الأقل من خلال تعزيز المصالح المشتركة. وهو الباب الذي دخلت منه تركيا إلى دول المغرب خلال السنوات الأخيرة. وبمقتضاه أصبح الوجود التركي في تلك الدول أقوى من الحضور المصري. (للعلم: أثناء زيارة رئيس الوزراء التركي رجب أردوغان لليبيا قبل أربعة أسابيع تم الاتفاق على إلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين).
في المشرق، لدى مصر مشكلة مع سوريا تراكمت أسبابها حتى كادت تتحول إلى عقدة، أرجو ألا تكون قد وصلت إلى درجة الاستعصاء على الحل. صحيح أن ثمة مشكلة أخرى مع قطر، لكنها تأتي في الدرجة الثانية من الأهمية، لأننا تعلمنا من خبرات سابقة أن العمل العربي المشترك يقوم على ثلاثة أعمدة تمثلها مصر وسوريا والسعودية. وتصدع أو انكسار أي واحد من تلك الأعمدة من شأنه أن يصيب العمل العربي بالإعاقة إن لم يكن بالشلل.
عند أهل السياسة ليست هناك مشكلة لا حل لها. وهو ما أثبتته تركيا عمليا، التي رفعت منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002 شعار «زيرو مشاكل»، بمعنى التصفية الكاملة لكل المشاكل التي تعترض علاقاتها في الخارج، وحققت فى ذلك نجاحا مدهشا، خصوصا مع سوريا التي كانت على وشك الدخول في حرب معها، ومع أرمينيا رغم الدماء التي تجلل الذاكرة التاريخية بين البلدين، ومع اليونان التي لا تحمل لها ودا منذ المرحلة العثمانية وحتى إقامة قبرص التركية.
لقد بذل العاهل السعودي جهدا لتحقيق المصالحة بين مصر وكل من سوريا وقطر في شهر مارس الماضي، لكن ذلك الجهد لم يحقق المراد منه. في الوقت ذاته فإن السعودية قطعت شوطا في مصالحاتها مع سوريا وليبيا وقطر. ولكن العقدة المصرية السورية ظلت على حالها.
إن اختلاف السياسات أمر مفهوم، وهو في الحالة التي نحن بصددها يدور حول الموقف من السياسة الأمريكية ومن القضية الفلسطينية. والامتحان الحقيقي يتمثل في كيفية إدارة ذلك الخلاف. بحيث لا يقطع حبال المودة ولا يغلق الباب أمام تبادل المصالح المشتركة.
لقد عمل الرئيس السادات على إزالة ما سماه بالحاجز النفسي بين مصر وإسرائيل، وها نحن قد تراجعنا كثيرا وصرنا نتمنى إزالة الحاجز النفسي بين مصر وسوريا والعزلة النسبية لمصر عن ساحة الثقل الحقيقي.. يا ويلاه!.
الشرق القطرية