ما يجب أن يحكم العلاقة العربية الإيرانية
د. علي محمد فخرو
تجري في الساحات الإعلامية العربية وغير العربية نقاشات كثيرة حول مستقبل العلاقات العربية ـ الإيرانية. ولا يتحدث الناس عن المستقبل إلاً عندما يكون الحاضر مليئاً بالمشاكل والنواقص. وبالنسبة لعلاقات إيران بالعرب فان هناك العديد من الإشكالات التي تعكر صفو تلك العلاقة وتوترها وتهدد بحرفها نحو البذاءات التي لا تخدم إلا المشروع الامريكي ـ الصهيوني في هذه المنطقة العربية ـ الإسلامية.
وما من شك في وجود دوائر عربية وإيرانية موتورة ومرتبط بعضها بالحركة الصهيونية العالمية وببعض عواصم الدول التي يهمها إدخال الجانبين في جحيم صراعات هامشية وعبثية تنسيهما ساحة الصراع الأكبر والأهم والأقدس ضد الصهيونية والامبريالية المساندة لها، وهي دوائر تساهم في تأجيج الخلافات. في اعتقادي أننا إذا كنا، عرباً وايرانيين، جادين في حل إشكالات العلاقة الحالية المتوترة فان علينا التوجه الصريح المباشر نحو الملفات التالية:
أولاً ـ ملف التأجيج المفتعل لصراع سقيم مجنون بين مذهبي السنة والشيعة. هناك حاجة ملحة لإحياء جهود سابقة وتقوية وتوسعة جهود حالية من أجل قيام حوار هادئ وعميق ومستمر بين علماء ومفكري وفقهاء وإعلاميي مؤسسات أبحاث ودراسات الجهتين لرسم خطوط حمر، في مجالات الفقه والتاريخ والعلاقات الاستراتيجية، لا يتخطاها أحد ومنطلقة من حقيقة لاغمغمة فيها وهي أن الإسلام ليس هذا المذهب أو ذاك وانه يعلو فوق المذاهب التي تظل مدارس فقهية ـ إجتهادية لفهم الدين ولكنها لن تحل محله قط.
ومن هنا فان انتقال بعض من هذا المذهب إلى المذهب الآخر، وبالعكس، لا يكون خطراً على الدين نفسه، وأن الدموع التي يذرفها هذا الشخص أو ذاك لمجرد تشيع البعض أو تسنن البعض الآخر هي دموع تماسيح سياسية تدمر مبدأ الأخوة الإسلامية كسلاح أساسي في حل المشاكل بين الجهتين الإسلاميتين. فاذا دمرت الأخوة والوحدة الإسلامية فما الذي يبقى من أدوات لفض الخلافات وتحديد العلاقات؟
أيريد العرب والإيرانيون حقاً أن تكون الصراعات القومية هي أداة تحديد العلاقة بين دولهم ؟ أفلا ينسفون خمسة عشر قرناً من رسالة الإسلام؟
ثانياً ـ على ضوء النقطة الأولى تعالج الملفات الباقيه: فالحديث عن من يملأالفراغ الجيو ـ سياسي في الشرق الأوسط الحاصل بسبب السقوط المذهل للنظام الإقليمي القومي العربي يصبح سؤالاً ممجوجاً، فهناك حاجة وضرورة للأمة العربية ولايران ولتركيا ليتبوأ كل منها مكانه، بحيث يقومون بأدوار متناسقة ومتناغمة في وجه المحاولة الامريكية لجعل المنطقة العربية الإسلامية منطقة نفوذ وهيمنة صهيونية ـ استعمارية غربية.
والحديث عن الأخطاء السياسية والأمنية التي ترتكبها إيران في العراق أو تعززها برفض فتح ملف الخلاف حول احتلال الجزر الاماراتية تصبح بحاجة لمراجعة وتصحيح من قبل ايران. وستحتاج إيران إلى تذكيرها بأن تاريخ الشعوب المتجاورة، والتي لا تبني علاقاتها على أسس مبدئية صحيحة، ليس أكثر من تاريخ تبادل مستمر عبثي بين اليد العليا واليد السفلى. بدلاً من هذه القاعدة التي لعبها بعض العرب سابقاً ويلعبها الايرانيون حالياً لتكن الأخوة الإسلامية المتفق على محدداتها هي القاعدة.
والحديث عن المحاولة الايرانية لامتلاك القدرة النووية عند ذاك يقابله طرح سؤال مختلف: لماذا يحق للكيان الصهيوني أن يمتلك السلاح النووي ولا يحق لدولة إسلامية شقيقة امتلاكه؟ بل ألن تكون القدرة النووية عند اية دولة إسلامية، عربية وغير عربية، ومنها ايران، أصلاحاً لاختلال الميزان مع العدو الصهيوني المشترك؟ والحديث عن التغلغل الإيراني عن طريق دعم المقاومة العربية في جنوب لبنان وفي غزة سيكون حديثاً مشكوكاً في صدق نواياه. فأمام جهتي الاستيطان والإحتلال الصهيونية والامريكية هل هناك سبيل غير المقاومة الشاملة، بما فيها المقاومة المسلحة؟ وإذا كان الأمر كذلك، وعزفت أو عجزت دائرة الأنظمة السياسية العربية عن دعم المقاومات العربية الشرعية الباسلة، أليس المنطق أن تمتد الأيدي عند ذاك إلى الدائرة الإسلامية؟ أليس الموقف الإيراني في صالح الأمة العربية وموقف الأنظمة العربية في صالح أعداء الأمة؟
إذن دعنا نكون واضحين وصريحين: هل نود أن تكون العلاقة العربية ـ الإيرانية، بل اية علاقة عربية مع اية دولة إسلامية، على أسس المواجهات والتوازنات والمصالح القومية الضيقة، أم أننا نريدها على أسس الأخوة الإسلاميـة؟ أن تكون الأسس والمصالح والمشاعر القومية هي التي تحكم العلاقات بين الأقطار العربية، وإلى حين توحيدها، فهذا منطقي. أما أن يكون الأمر نفسه مع إيران وتركيا وبقية دول الإسلام فانه لن يكون إلا انتحاراً سياسياً ومخالفة صريحة لروح الإسلام الذي يدعي الكل بأنه يحكم حياتهم.
القدس العربي