صفحات العالمما يحدث في لبنان

«بكير»

حسام عيتاني
يدفع النائب وليد جنبلاط، بتأخير زيارته إلى دمشق، ثمن خطأين ومبالغتين. الأول هو المبالغة في العداء لسورية الى حدود الإسراف والغلو، والثاني هو المبالغة في استعجال طي صفحة العداء من دون مراجعة الدوافع التي أملت عليه اتخاذ مواقفه السابقة.
وإذا كان الوقت قد فات الآن على مساءلة جنبلاط الذي يقال إنه الأفضل إطلاعا بين السياسيين اللبنانيين، عن الأسباب التي حملته على ارتكاب هذين الخطأين وأخطاء أخرى ألحقت الأذى الشديد بالأكثرية كإصراره على إصدار القرارين اللذين تسببا باجتياح بيروت في السابع من أيار (مايو) 2008، إلى «انعطافته» في آب (أغسطس) الماضي التي ساهمت في تعقيد جهود تأليف الحكومة التي افترض اللبنانيون أنها ستعكس نتائج الانتخابات النيابية أفضل مما تفعل الحكومة الحالية. نقول إنه إذا كان الوقت قد تأخر على مثل هذه المراجعة (وكل مراجعة مكروهة في عالم السياسة اللبنانية)، فلا بأس من التذكير أن جنبلاط في الخطأين المذكورين نسي أمراً شديد الأهمية في آليات خوض الصراعات والخروج منها في منطقتنا هذه.
صحيح أن الرجل نجح في تجاوز الحجم الصغير لجمهوره الطائفي وقدم نفسه كقائد لحركة استقلالية وطنية، ضمن معطيات لحظة تاريخية سرعان ما انهارت بسبب طغيان المعطى الطائفي على ذلك «الوطني» ضمن ائتلاف 14 آذار، إلا أن الانهيار هذا كان كافياً، لمن يريد الاتعاظ والاعتبار، للتشديد على أن الصراعات الكبرى تخوضها قوى كبرى. والصراع الذي دار على أرض لبنان في الأعوام الأربعة الماضية، اتسم ببعد إقليمي لا تخطئه العين، فوصل الى ذروته ثم تراجعت حدته لأسباب أكثرها خارج عن إرادة اللبنانيين، في الصعود كما في الهبوط.
تؤدي الأقليات أدواراً قد تكون مفصلية أثناء التحولات الكبرى، لكنها تعجز دائماً عن قطف الثمار وجني المكاسب التي تذهب عادة إلى الأكثريات، سيان شاركت هذه في النزاع أو جلست عند السياج تتفرج عليه. المهم توافر قوة تستطيع جمع الشظايا وإعادة تركيب صورة جديدة للمشهد والعمل على الاستفادة القصوى منه.
وعندما حاول وليد جنبلاط أداء دور كهذا، بعد ظهور مدى التراجع عن السياسات الهجومية السابقة لدى الأميركيين، اكتشف أن الاعتذارات والوقوف في الوسط والتشديد على «الخصوصية» (إضافة إلى رطانة «العودة إلى اليسار» ومركزية القضية الفلسطينية) لا تكفي كلها لتعديل موازين القوى المائلة دائماً إلى غير مصلحة الأقليات. فحين يجد الجد يُحسب وزن كل جماعة بمفردها وبالعلاقات العضوية التي تربطها بقوى خارجية ولا تدخل في الاعتبار تحالفات وعهود سواء هذه التي يستمر منها «في السراء والضراء» أو تلك التي تدوم طالما «السماء زرقاء».
قد يثير تكرار الرفض السوري لاستقبال جنبلاط هواجسه ومخاوفه الشخصية والسياسية، لكن الرفض، من جهة، واستقبال رئيس الوزراء سعد الحريري، من الجهة المقابلة، يصبّان في إطار سياسات ذات بعدين هما البعد المتعلق بتكريس صيغة من العلاقات اللبنانية السورية بحيث لا تعود إلى ما قبل الـ 2005 ولكنها تنطوي على غلبة واضحة واعتراف بوجود قوي وضعيف فيها، والبعد الثاني هو الذي يوثق ربط كل الوضع اللبناني بالتغيرات الإقليمية، بعدما فشلت فشلاً ذريعاً محاولة فصله عنها أو ما سُمي بـ «الاستقلال الثاني».
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى