المسألة الكرديةصفحات سورية

المعارضة السورية والزعامات الكوردية

null
جان كورد
بين توزيع بطاقات “المواطنة” وبطاقات “الوطنية”
“نحن نعطيكم الحق في العيش ك “مواطنين” سوريين، مقابل أن تتخلّوا عن كل أحلامكم القومية، وإلاّ..!!!”
يبدو أن هناك في سوريا توزيع أدوار متقَن بين ما يُسمّى مجازاً بالنظام وبين بعض رموز ما نطلق عليه اسم “المعارضة”، فيما يخص “الحالة الكوردية” على الأقل…
فالنظام له خطاب لسياسته الكوردية السورية لا ينطق به، لادامة التعتيم الإعلامي على القضية، إلاّ في أوقات الشدّة باستثناء وتمعّن، كما أضطّر إليه السيد الدكتور بشار الاسد، حين وقعت الواقعة، وحطّم شباب الكورد صوره الضاحكة وتماثيل أبيه حيثما وصلت إليها أيديهم أثناء انتفاضتهم المجيدة في آذار عام 2004، وأحرقوا هيبة نظامه في الدوائر الحكومية التي باتت بالنسبة للشعب الكوردي منذ أمد بعيد مجرّد حجرات لمصاصي الدماء، فاعترف الأسد النجل مرغَماً، بأنّ هناك شعباً كوردياً في سوريا، إلاّ أنه جزء من النسيج التاريخي السوري (!)، ومثير جداً أنه لم يقل (من النسيج التاريخي “العربي!”)، وليس كما يفعل السياسيون الترك عندما يتطرّقون إلى الكورد في بلادهم “تركيا”، فيسمونهم بالأتراك من أصول كوردية، وتركيا هذه تبدو وكأنها لم تكن موجودة في موقعها الحالي أو مستوطنة قبل زحف التتار والمغول والترك، الذي يمكن تشبيهه بالطاعون، وانما جلبوها معهم على ظهور البغال والحمير والخيول من أواسط آسيا…
والمعارضة السورية لها خطابات وقراءات للوحة الكورد، تأتي من اختلافاتها الفكرية وتبايناتها السياسية، منها نظرة قومية فوقية وأخرى أممية وسواهما دينية وغيرها مجرّد افرازات لعقليات براغماتية أو نفعية أو حزبية ضيّقة، وفي كل من هذه الاتجاهات تشعبات واقترابات متفاوتة في الشدّة تجاه القضية الكوردية… ومن الملاحظ أن إصرار الكورد السياسي على النضال من أجل رفع الغبن التاريخي عن كاهلهم وانتزاع الاعتراف بوجودهم القومي كشعب متميّز عن الشعب العربي في سوريا، واستعداد جزء هام منهم للتضحية بكل نفيس في سبيل تحقيق أهداف شعبهم التي يرونها عادلة وإنسانية وقانونية، بل وشرعية حسب مختلف العقائد التي عليها الإنسانية، قد أنتج نتائج إيجابية، وبخاصة بعد تقديم الكثير من التضحيات الجسيمة، وأفرز تساؤلات جادة في الوعي السوري عامة، ولدى المثقفين خاصة، ومنها هذا السؤال جعله الأستاذ المحامي الشهير حسن عبد العظيم عنواناً لمقاله المنشور في “المرصد السوري” مؤخراً، والذي يأتي – متأخراً جداً- بالنسبة لكبر عمر المأساة التي يحياها الشعب الكوردي في ظل السياسات القمعية والإرهابية للنظم المتعاقبة على حكم البلاد، منذ القضاء على التجربة الديموقراطية السورية وهي في ريعانها… والسؤال هو: هل للأكراد في المنطقة قضية أو مشكلة ؟
يجدر بالذكر هنا قبل نكىء الجراح، أن ثمة مواقف مشجّعة لمثقفين وناشطين عرب وسوريين في هذا الموضوع يجب أن نحييها، منها موقف الدكتور عبد الرزاق عيد حينما قال في قناة بردى مؤخراً بأنّ الاعتقالات التي يتعرّض لها الديموقراطيون الكورد في سوريا شبيهة باعتقالات الفلسطينيين في فلسطين، فهذا يبيّن بجلاء أن بعض المعارضين ذوي العقول الناقدة يدركون عمق المأساة الكوردية وفظاعة الجريمة التي يرتكبها النظام ضد شعبنا الكوردي، كما يجدر تذكّر مواقف لمعارضين سوريين وأصدقاء، دافعوا ولايزالون يدافعون عن حق شعبنا في التمتّع بمبدأ “حق تقرير المصير” الشهير، كما هو وارد في المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان وخصوصاً ملحقاتها لعام 1966 فلاننسى تأكيد السيد فريد الغادري قبل سنوات عدة على أن الشعب الكوردي في سوريا هو وحده الذي يقرر مصيره، في العيش مع اخوته العرب أم يرفض ذلك…ولا أريد ذكر اسماء أصدقاء وأساتذة محترمين أقدّرهم تقديراً عالياً لضيق المجال فقط…ونأمل أن تبقى ثابتة رغم المشاق والتحديات…
لا أوّد بهذا المقال توجيه رسالة سخرية هنا إلى أولئك الذين ينكرون تواجد أي تمييز سابق للكورد في سوريا، قبل اختلافهم مع “الصبية الحاكمين الآن في البلاد!”، أو قبل اغتصاب البعث للحكم في عام 1963، ويذكرون لنا باستمرار أسماء “أكراد” تسنموا مناصب عليا في الدولة والنظم الحاكمة تاريخياً، فهؤلاء يخفون، عن علم وسبق اصرار، حقيقة أن دستور البلاد لعام 1950، وكان صادراً عن نظام ديموقراطي أو متوجّه صوب الديموقراطية، يصبّ بحذافيره في خدمة “القومية العربية”، “الأمّة العربية”، و”الشعب العربي”، وليس فيه كلمة واحدة تذكر وجود قومية كوردية، أو حتى عبارة شكر في المقدمة لتضحيات الكورد وغيرهم من “أبناء الأقليات!” الذين دافعوا ببسالة عن حريّة سوريا منذ عهدي الزنكيين والأيوبيين في وجه غزاة الشرق والغرب على حد سواء…بل هناك نكران للجميل ومحاولة لصهر القوم الكوردي رغماً عن أنفه منذ ذلك الحين وإلى الآن… فهل هؤلاء أغبياء لهذه الدرجة فيتصورون الكوردي بدون ذاكرة تاريخية؟
ومن المعارضين السوريين الذين يحلو لهم وصف أنفسهم بالديموقراطيين ظلماً وعدوانياً يقررون بالنيابة عن الشعب الكوردي عما عليه أن يُطالب به من حقوق أو أجزاء حقوق، رغم ما هو منصوص دولياً في عبارة “حق تقرير المصير للشعوب”، والأساتذة الكبار في القانون يدركون جيداً أن لا أحد له الحق في التكلّم نيابة عن شعب يتّم القضاء على وجوده القومي بكل السبل والوسائل المتاحة، فكل شعب له وحده الحق أن يقرر كيف يكون مصيره. فكيف لاتخفى هذه الحقيقة مثلاً عن السيد فريد الغادري الذي له اهتمامات تجارية إلى جانب نشاطه السياسي وتخفى عن الأستاذ حسن عبد العظيم الذي يعيش من عمله كرجل قانون؟ أو عن السيد أحمد أبو صالح الذي قال مؤخراً للمرصد السوري (لكن نحن نرفض ان يستغل بعض الأكراد ما حدث في العراق وتركيا ويطالبون بما قد يؤدي إلى الانفصال فهذا شطط غير مقبول…!)
ومنهم من يزعم أنه حتى مع تشكيل دولة كوردية تضّم أجزاء كوردستان كلها، ولكن هو الذي يقرر من أين يجب أن يبدأ الكورد بذلك، من تركيا أم ايران أم العراق أم سوريا… والمضحك المبكي أن بين هؤلاء أتباع مخلصون لمجرمين ضد الإنسانية، وأقصد بالذات أولئك الصداميين الذين يظهرون للكورد أسنانا ذهبية اليوم، ويخفون حقيقة مواقفهم العنصرية لأسباب تكتيكية… كما من هؤلاء من يستغبي شعبنا الكوردي إلى درجة إظهار استعداده التجاري، دون حياء سياسي، ل”مقايضة” سياسية مع الشعب الكوردي وقياداته التي لم ترّد حتى الآن على هؤلاء بالشكل الذي يطمئّن قلوبنا نحن الهواة، وهذه المقايضة على الشكل التالي:
“نحن نعطيكم الحق في العيش ك “مواطنين” سوريين، مقابل أن تتخلّوا عن كل أحلامكم في وحدة ما تطلقون عليه كذباً ودجلاً اسم “كوردستان”، فالوحدة مشروعة للعرب وخيانة للأمة دون العرب، وإلاّ..!!!”
وأدهى من هؤلاء، هم أولئك الذين يسعون لشقّ صف القيادات و”الزعامات” الكوردية كلياً، فيجعلون من بعضهم هياكل عظمية وأجساماً كارتونية وألعاباً لأطفالهم، ويلبسونهم أردية “وطنية!”، في حين يتهمون الآخرين، ومنهم كل من يطالب بأدنى شكل من أشكال “الادارة السياسية الذاتية” لشعبهم الكوردي، خطراً على أمن البلاد، انفصاليين، ذي علاقات مع الخارج الأجنبي، ومتآمرين على المعارضة السورية “المقدّسة والمنزّهة” التي لايحق لأحد وصف خطاب العديد من رموزها تجاه الكورد وكوردستان بالخطاب العنصري النتن، وبالتعالي القومي، وبالخروج عن كل المعايير التي تفرضها الشريعة والاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والشعوب…
وحقيقةً، إذا ما استمر وضع هؤلاء على هذا النحو، وتّم باستمرار التنكر لحقيقة المشكلة التاريخية الأساسية هنا وتجاهل عمقها الجغرافي في المنطقة عامة، واخفاء حقيقة أن الكورد في سوريا جزء من “أمة متميّزة”، وإذا ما انضم إلى هذه الجوقة “زعماء أكراد!”، أو “أحزاب كوردية!”، بحجة الدفاع عن “وحدة الوطن المشترك”، فإننا بذلك على الطريق للوقوع في نفس الأخطاء التي وقع فيها إخوتنا في الأجزاء الأخرى من كوردستان، حيث تواجدت مع الأيام، عبر الكفاح التحرري لشعبنا، مسمّيات مثل “الجحوش”، و”حماة القرى” و”أتباع الباسداران” وغيرها، وانشق المجتمع الكوردي على نفسه، وأريقت دماء كوردية على مدى عقود من الزمن…وتمكّن أمثال الطاغية “المحبوب من قبل شرائح ديموقراطية سورية!” من شن حرب “الأنفال” واستخدام السلاح الكيميائي ضد أطفالنا وأمهاتنا وأخواتنا، ونسف قرانا وحتى صب الاسمنت في ينابيع مياهنا…ومقلّدوه يستخدمون الاعدامات والاقصاءات والاعتقالات والتحريمات والتشريعات لانهاء وجودنا كقوم من الأقوام والشعوب التي خلقها الله على هذه الأرض… بل الأدهى من ذلك، هو أنّ مجرّد الحديث في منتدى سياسي عن جذور المشكلة الكوردية أو تبني شعار لايمس بوحدة وسيادة البلاد (كالحكم الذاتي أو الفيدرالية) صار يعتبر خيانة وطنية، أو جهلاً بالأمور السياسية، في حين أن حلّ المشاكل لايتّم بشكل صحيح دون الخوض بلا رتوش في أسبابها التاريخية، ودون الاستعانة بالأشكال الادارية القانونية والدولية المطبّقة في بلدان العالم المتمدّنة بنجاح، دون افراط أو تفريط.
هؤلاء الذين يستغبون (سابقا: يستكردون!) شعبنا وقياداته، يجهلون أن في صدر كل كوردي بذرة من حب وطنه وقمه لاتموت بموته، وانما تنتقل وراثة إلى أبنائه وبناته، ومن ثم إلى أحفاده من بعده، مثلما في صدر كل واحد من هؤلاء صداّم حسين صغير ينتظر الفرصة للانطلاق وفرض نفسه كقائد أوحد للأمّة على البشر… وكلّنا يدري كيف انقلب الجحوش في جنوب كوردستان على ممولهم صدام حسين أثناء انتفاضة 1991 ووقفوا مع شعبهم وقفة تاريخية حين واتتهم الفرصة التاريخية… فتصوروا معي، هؤلاء في برلمان سوري ديموقراطي، وبأيديهم سلطة تنفيذية مخوّلة بتحريك الدبابات في الشارع، وفجأة يخرج “أكراد!” مطالبين بالحكم الذاتي الذي يصوّره بعض هؤلاء ك”جريمة خيانة عظمى ضد الوطن السوري” كذباً ونفاقاً، فهل سيكون ارهاب نظام هؤلاء أقل وقعاً على شعبنا من الارهاب الذي قام بها المحافظ السوري لمدينة الحسكة في عام 2004 (سليم كبول) ضد المنتفضين من شبابنا؟
برأيي: على القيادات المحترمة لأحزابنا الكوردية جميعها أن تعطي كل هؤلاء جواباً شافياً كافياً، وتنتج خطاباً موحداً، ولا تدغدغ مشاعر هؤلاء التجار الذين لايهمهم سوى مزيد من المكاسب السياسية وغير السياسية من خلال محاولاتهم الخطيرة لشق الصف الكودري بتوزيعهم بطاقات “المواطنة” وأوسمة “الوطنية” على بعض تنظيماتنا الكوردية دون غيرها…
المرحلة القادمة خطيرة وأرى للنظام أبواقاً كبيرة في صفوف المعارضة، تقول وتنشر ما لايستطيع النظام نفسه البوح به، حتى لايسجّل عليه كاعتراف بالوجود القومي الكوردي في البلاد.
الحوار المتمدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى