صفحات سورية

سورية: متى لا يكون الدكتاتور ديكتاتورا؟

null
بريان وايتكر
إن عملية صنع القرار في الأنظمة الشمولية يمكن أن تكون أكثر تعقيدا مما تبدو عليه الأمور. إن فكرة أن الدكتاتور يقوم بفرض الأمور فكرة شائعة و أنه لا يهتم كثيرا بالرأي العام و لكن يتحتم عليه التوفيق فيما بين المطالب المتضاربة داخل قاعدة سلطتهم الخاصة, كما أنه في بعض الأحيان لا يمكن أن يتأكد حتى أن تعليماته سوف تنفذ.
إن سوريا واحدة من البلدان يصعب فيها فهم طريقة عمل النظام. لقد أخبرني دبلوماسي في دمشق في إحدى المرات أنه و على الرغم من أن موقف بشار الأسد كرئيس يبدو آمنا, فإنه ليس هناك من أحد يعلم حجم القوة أو السلطة التي يمتلكها في واقع الأمر.
يسلط تقرير لمجموعة الأزمات الدولية صدر بداية هذا الأسبوع – و أغلب الحديث فيه عن السياسة الخارجية السورية- الضوء على بعض جوانب هذا اللغز المثير. و يقول إنه في سوريا:
“فإن العديد من القرارات تشهد تنافسا ما بين مختلف التوجهات الموجودة داخل النظام, و كل منها يعكس نظرة مختلفة عن العالم, و تباينا في المصالح الخاصة أو الخصومات الشخصية. إن بعض القرارت تعكس في النهاية توزانا ما بين مراكز القوى المؤسساتية المختلفة و البعض الآخر يعتبر انتصارا حاسما لجهة معينة … إن مزيدا من التشويش قد ظهر من حقيقة أن المسئولين قليلا ما يأخذون زمام المبادرة أو يقومون بالإدلاء بتصريحات تتناقض مع الخط المصرح لهم به و عندما يقومون بذلك فإنهم يهدفون إما إلى التأثير على القرار كوسيلة للفت النظر إليهم أو من أجل التعبير عن إحباطهم أو ببساطة لجهلهم. نظريا على الأقل, فإن قرار الرئيس نهائي ولكنه في الكثير من المرات يجلس في الخلف لينظر في أي اتجاه سوف تسير الرياح. و قد أخبر أحد المسئولين السوريين منظمة الشفافية العالمية ما يلي:
” إن الأهداف العامة توضع من قبل الرئيس مع وجود مدخلات من قبل أولئك المحيطين به. و من ثم, يعرض على الآخرين من أجل إبداء الاقتراحات حول كيفية تنفيذ هذه الأهداف. على سبيل المثال, إذا قامت وزارة الخارجية بوضع مقترح مثير للاهتمام, فإن الرئيس سوف يعطيه فسحة شيئا ما, و لكن إلى حد ما, لأن عليه التعامل مع معطيات الاتجاهات الأخرى. علاوة على ذلك, فإن القيادة تميل إلى أن تحافظ على قنوات متعددة و متوازية في أي قضية مطروحة. و لكن في النهاية, فإن الرئيس يبقى دائما في موقع الحكم و توزيع الأدوار. إن التوزان وعملية صنع القرار الحقيقي دائما موجودة في القمة. ولا أحد موجود بشكل كامل في الصورة.”
حتى المسئول الأكثر موالاة, و المتآلف مع عمل النظام يمكن أن يجد هذا التشويش. و لكن من ثم فإن هناك آخرين يعتقدون أنهم يعرفون ما هي السياسة و يحاولون العمل على تقويضها. في نظام يفتقر إلى الشفافية و مقسم و بيروقراطي مثل ذلك النظام في سوريا فإنه من المستحيل و بأية وسيلة من الوسائل التأكد من أن القرار الذي اتخذ سوف يستمر في العمل. يقول تقرير منظمة الشفافية :” إن عملية المتابعة ناقصة دائما, لأن عملية صنع القرار تخلق مجالات لعمليات عرقلة نشطة أو سلبية, إن السياسات عادة ما تعدل و تصحح حتى و إن ظهر أن القرارات النهائية قد اتخذت”.
أحد الأمثلة الأخيرة كانت اتفاقية سوريا مع الاتحاد الأوروبي و التي أمضى الفريقان سنوات من المفاوضات من أجل التوصل إليها. و من ثم , و بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من التوقيع قامت سوريا بتعليقها بصورة غير متوقعة, و يتوقع أن يكون ذلك عائد إلى اعتراضات من المصالح التجارية المحلية.
إن هذا الأسلوب في العمل و التغييرات تحدث على المستوى المحلي أيضا. فقد أخبر محامي دمشقي مجموعة الشفافية أن ” هناك العديد من مراكز القوى. إن التشريع المطلوب بقوة يمكن أن يقر و لكن و بعد أشهر قليلة يمكن أن يعدل و يعدل مرة أخرى. و السبب هو أن التشريع يتعارض مع أصحاب المصالح الذين يمتلكون نفوذا يكفي لإزاحة التشريع من طريقهم و السير قدما”.
من الواضح فإن سوريا لا تمثل ديكتاتورية شخص واحد و الاقتباس المأخوذ من قبل مسئول رفيع المستوى في هذا التقرير يشير إلى أن هناك تقدم إيجابي و “إشارة على نقاش فعال”. قد تكون الفعالية موجودة و لكن باب النقاش لا زال موصدا, و يمارس بشكل خاص من قبل أولئك الموجودين داخل الدائرة. و باقي البلاد مستثناة من ذلك.
و على الصعيد المحلي, فإن هذا التعتيم سوف يؤدي على الأرجح إلى إبطاء سرعة الإصلاحات أو قد يحد من مداها. من أجل تحقيق النجاح, فإن مثل هذه الإصلاحات سوف تحتاج إلى إشراك الجمهور إضافة إلى المسئولين المقربين و الطريقة الوحيدة لتحقيق هذا يتم من خلال فتح النقاش الذي يمكن أن يساعد السوريين العاديين على فهم الأسباب الكامنة وراء هذه الأسباب.
أما على الصعيد الدولي, فإن الغموض قد جعل سوريا من إحدى أصعب الدول في العالم في مجال المفاوضات من أجل التوصل إلى أتفاق ما معها. لقد أخبر مارتن إنديك وهو مساعد وزير الخارجية خلال فترة إدارة أوباما لجنة تابعة للكونغرس العام الماضي ما يلي:
” إن كل زعيم حاول التعامل مع الرئيس بشار الأسد قد شعر بالإحباط. و القائمة تتضمن كولن باول و توني بلير و نيكولا ساركوزي و حسني مبارك و الملك عبد الله ملك السعودية. و سبب إحباطهم هو الانفصام ما بين منطق الأسد في الاجتماعات الشخصية و عدم قدرة نظامه أو عدم وجود الرغبة على متابعة التفاهمات التي تمت في تلك الاجتماعات. و ليس من الواضح ما إذا كان هذا يعود إلى نقص الرغبة أو القدرة على التحكم بمفاصل السلطة. ”
وقد تردد هذا الكلام على لسان مسئول أجنبي كان يعمل بالقرب من النظام و اقتبس كلامه في تقرير مجموعة الشفافية: ” من أجل التعامل مع سوريا فإن علينا أن نسأل أنفسنا دائما : هل هم محجمون عن فعل هذا الأمر أو أنهم غير قادرين على ذلك؟ … و علينا أن لا نسلم لأي وعد يعطوننا إياه, لا لشيء إلا لأنه يفوق قدرتهم. إن هذه مشكلة منهجية. إن سوريا تمثل نظاما شموليا من نوع خاص , حيث ليس من الضروري أن يتم فيه الخضوع للزعيم. إلى جانب ذلك, فإن النظام غير فعال بشكل كبير. إن الناس يدوسون على أصابع بعضهم البعض و المؤسسات تفتقر إلى القدرة و الاتساع و الأمور غير منظمة.
وحتى عندما يتكلم الرئيس, فإنه من الصعب معرفة ما إذا كان يخبر الناس ما يعتقده حقا أو أنه يقول ما يعتقد أنهم يريدون سماعه. يقول مسئول تركي قابلته مجموعة الشفافية :” إن لدى بشار مستويان من الخطاب, واحد للمنطقة و آخر للغرب. فهو لا يقول نفس الكلام على البي بي سي و الجزيرة. إن لديه إزدواجية في حديثه. هنا في الشرق الأوسط الأمور مقبولة على هذا النحو. إن على محاوريه أن يفهموا أن هذا الأمر يعد عاديا في المنطقة. قد يعتقد الأمريكان ان هذا الأسلوب مراوغ. ويراه هو نوعا من أنواع الأدب”.
الجارديان
ترجمة : قسم الترجمة في مركز الشرق العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى