صفحات سورية

العقبات أمام التفاهم السوري – السعودي

null
سليمان تقي الدين
ربما كانت العلاقات السورية – السعودية بحاجة إلى بلورة الكثير من التفاصيل، لبنانياً وإقليمياً، لكن الإطار العام صار واضحاً من خلال ثلاث محطات رئيسية: اتفاق الدوحة، قمة الكويت، ونتائج الانتخابات النيابية.
أحداث 7 أيار/مايو 2008 التي قادت إلى اتفاق الدوحة أنهت مرحلة الانفراد السعودي في إدارة الملف اللبناني من خلال الأكثرية النيابية لعام 2005 وأكدت استحالة إبقاء حلفاء سوريا خارج معادلة النظام السياسي والمشاركة الفعلية في السلطة. لكن انتخابات 7 حزيران/يونيو 2009 أكدت أيضاً، وهي ردة فعل شاملة سياسية على 7 أيار/مايو أن محور النظام السياسي اللبناني وواجته ستظل معقودة للقوى المرتبطة بالنظام الرسمي العربي والسعودية في قيادته، وأن العصب السياسي اللبناني سيبقى للسنة وللتيار المرتبط بالسعودية.
بين 7 أيار/مايو 2008 و7 حزيران/يونيو 2009 نشأ التوازن وانعقدت الشراكة مجدداً على إدارة الملف اللبناني بحيث تحافظ السعودية على مصالحها الاقتصادية ونفوذها السياسي والانسجام اللبناني مع السياسات العربية العامة، وتحافظ سوريا على أمنها من لبنان وعلى موقع المقاومة بصفتها العنصر المهم الذي يعطي سوريا دوراً إقليمياً ويساعدها على تحريك ملف التفاوض مع “إسرائيل” والغرب.
يكاد المشهد أن يكرر تجربة ما بعد “الطائف” معدلاً مع بعض الفوارق والمستجدات. تحرر النفوذ السعودي الاقتصادي والسياسي من القبضة الأمنية السورية المباشرة، وتعاظم بفعل الشغل على احتكار التمثيل النسبي وتقويته الى الحد الأقصى. لكن النفوذ السوري الأمني والسياسي صار من خلال سلاح المقاومة قوة موازية قادرة على التأثير في كل المعادلة الوطنية عند الضرورة. وهذا ما يفسر الموقع شبه المحايد الذي تقف فيه رئاسة الجمهورية ومؤسسة الجيش، ورغبة الكثير من القوى الخارجية لو أمكن أن تفرز الانتخابات كتلة نيابية وسطية قادرة على الترجيح. ويبدو من قراءة السلوك الانتخابي أن سوريا كانت ترغب أن تفوز المعارضة لكن بشرط ان تنضم اليها الكثير من الشخصيات المستقلة التي تعطيها تلويناً وطنياً واسعاً وتسمح لها بمرونة سياسية وتفاوضية، ويبدو أن هذه الرغبة اصطدمت بالعقل “الحزبي” لدى قوى المعارضة، ما أدى الى عدم التدخل السوري في إدارة الانتخابات.
في الحصيلة عززت سوريا من رصيدها المعنوي لدى الأطراف العربية والدولية بعدم هذا التدخل. وهي تدرك أن دورها في لبنان لا يزال مضموناً وحاسماً، سواء من خلال حلفائها أو من خلال الجغرافيا التي تفرض نفسها على المسار السياسي والاقتصادي والأمني اللبناني. لكن من الوهم الاعتقاد أنها لا تريد ضمانات على صعيد السلطة السياسية. في المدى المنظور لم يعد سلاح المقاومة قادراً على تكرار تجربة 7 أيار/مايو ولا هو الآن، في مناخ الهدنات الإقليمية والبحث عن تسويات وحلول، يستطيع أن يستقطب الاهتمام الداخلي ويفرض نفسه عنواناً لأولويات السلطة. كما أن هذا السلاح رسمت حوله الانتخابات حواجز مذهبية يحتاج الى وقت لمعالجتها، لذا نرى قيادة المقاومة منشغلة اليوم بفكرة بناء المعارضة الوطنية مجدداً او طرح شعار الجبهة الوطنية. ولذا تشعر السعودية وفريقها، أنها قادرة على المناورة أكثر. لقد ربحت الأكثرية النيابية الشرعية من دون تحفظات، والأجواء الإقليمية سائرة إلى التهدئة والحوارات، وسوريا بحاجة إلى استثمار الانفتاح الدولي عليها وهي ليست في وارد عرقلة المسارات السياسية على أي جبهة، بل هي تستدرج المزيد من الانفتاح والحوار مع أمريكا.
لكن ما يجب ان يبقى حاضراً هو الدور الأمريكي الذي لم يتوقف لحظة واحدة عن السعي إلى حماية نفوذه والحفاظ على ما يعتبره مكاسب سياسية ويعمل على تطويرها. تابعت الولايات المتحدة مباشرة، وعلى أعلى مستوى، الانتخابات النيابية وجاء نائب الرئيس الأمريكي (بايدن) إلى لبنان ثم جاء قائد القوات الأمريكية (بترايوس) وأعاد مساعد وزيرة الخارجية (فيلتمان) تأكيد خطابه المتشدد ضد حزب الله ودعم سوريا للمقاومة، وحط نائب الرئيس الأمريكي في العراق وهو يدعم القوى والتيارات التي تناهض السلطة الحالية والتوازنات التي رست عليها، ويهدد بعودة الانتشار العسكري إذا ما استمرت الفوضى. وتتباطأ أمريكا في استئناف الحوار مع إيران وتتراجع لهجتها في إدانة توسع الاستيطان “الإسرائيلي”. ويظهر الموقف المصري أكثر تشدداً في مطالبه من سوريا، وتضغط بعض القوى في لبنان لتأخير الحل مع سوريا لتفادي التفاهم السوري السعودي على الإطار السياسي العام للحل وترجمته في تأليف الحكومة وبيانها الوزاري.
إذا كانت الأمور على هذا النحو فإن هناك سعياً لتحسين شروط التسوية وتعديلها ما ينعكس تعقيدات ربما قادت الى أزمة سياسية تتخذ شكل النزاع على التمثيل والحصص لكنها امتداد للمناخ الإقليمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى