“الأوبيك” السعيدة بفشل كوبنهاغن
جان – ميشال بيزا
حافظت منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبيك)، وهذا ليس مفاجئاً، على حصصها الإنتاجية لدعم سعر برميل النفط الخام الذي يتأرجح عند حدود 75 دولاراً منذ أسابيع عدة. لقد قرّر أعضاؤها الاثنا عشر الذين اجتمعوا في عاصمة أنغولا، لواندا، يوم الثلاثاء 22 كانون الأول [الجاري]، ألا يضخّوا أكثر من 24,84 مليون برميل في اليوم (خارج العراق)، وهو المستوى الذي حُدِّد في كانون الأول 2008 لكبح انهيار سعر البرميل الذي تراجع إلى 32 دولاراً.
وقد هنّأ بعض وزراء الأوبيك الذين كانت بلدانهم ممثّلة في كوبنهاغن، أنفسهم أيضاً لأن القمة العالمية للأمم المتحدة حول المناخ لم تتوصّل إلى إجراءات ملزمة – ولا سيما فرض ضريبة على الكربون – كانت لتُنزِل عقوبات بمنتجي الذهب الأسود. منذ افتتاح القمة في العاصمة الدانمركية، أثارت السعودية شكوكاً حول المعطيات العلمية عن احترار الكرة الأرضية، قبل أن تطالب مع بلدان منتجة أخرى بتعويضات مالية في حال أدّت إجراءات ما إلى خفض
استهلاك المواد الهيدروكربونية، وتالياً إلى تراجع إيراداتها.
سرعان ما تبخّر احتمال فرض مثل هذه الضريبة، واستطاع وزير الطاقة السعودي الذي هو الرئيس الفعلي للكارتل، أن يؤكّد في لواندا أن أعضاء الأوبيك “غير قلقين” من البيان الختامي لقمة كوبنهاغن. فقد أكّد علي النعيمي أنه “ثمة طرق لخفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من دون وقف استهلاك الوقود الأحفوري”. ومن جهته أشار وزير الطاقة والمناجم الجزائري شكيب خليل إلى أنه كان من شأن الضريبة على الكربون أن “تعاقب البلدان المنتجة”.
بيد أن الهدف المتمثّل بجعل الارتفاع في درجات الحرارة العالمية في القرن الحالي لا يتجاوز الدرجتين المئويتين، يقتضي خفضاً كبيراً في استهلاك الفحم والنفط والغاز. ووفقاً للحسابات التي أجرتها الوكالة الدولية للطاقة، إذا نجحنا في خفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون إلى 450 جزءاً في المليون، سوف تخسر بلدان الأوبيك 16 في المئة من عائداتها (4000 مليار دولار) حتى سنة 2030، لكنها ستحافظ مع ذلك على أرباح تصل إلى 24000 مليار دولار، أي أربعة أضعاف العائدات التي تراكمت على مر 22 سنة أيضاً (1985-2007)!
لا تعتبر دول الخليج نفسها مسؤولة عن الاختلال المناخي. لا شك في أن قطر أو الإمارات العربية المتحدة أو البحرين أو الكويت تملك المعدّل الأعلى من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون للفرد في الكرة الأرضية (استخراج المواد الهيدوركربونية، تكييف الهواء، السيارات التي تستهلك الكثير من الوقود…)، لكنها تضم أيضاً أعداداً قليلة جداً من السكان مقارنةً مع الصين أو الهند أو الولايات المتحدة. وتؤكّد منظمة “أوبيك” أيضاً أن البلدان المستهلكة تفيد من الثروة النفطية: ففي غضون خمس سنوات، جمعت ضرائب تساوي الإيرادات التي حصدها الكارتل، أي 3400 مليار دولار.
أقر خالد الفالح، رئيس شركة “أرامكو السعودية” للنفط، بأن “الانتظارات المجتمعية حول المناخ حقيقية”. تريد بلدان الخليج أن تلبّي هذه الانتظارات لكن من دون أن تُعاقَب مالياً. وهي تطبّق سياسات تهدف في الوقت نفسه إلى الحفاظ على موارد النفط والغاز “لمصلحة الأجيال المقبلة”، وإعطاء قيمة مختلفة للنفط (الكيمياء النفطية) بدلاً من استعماله فقط لصنع المحروقات، وتطوير أشكال الطاقة القابلة للتجديد التي تسمح لها بالولوج إلى تكنولوجيات ابتكارية.
لقد دشّنت “أرامكو السعودية” للتو مجمّعاً للتكرير والكيمياء النفطية سوف ينتج مواد بلاستيكية. ويتعاون سعوديون وإماراتيون مع شركاء دوليين لبناء مزارع شمسية على أراضيهم أو الاستثمار في مصانع الألواح الكهربائية الضوئية. في أبو ظبي، سوف تصبح مدينة مصدر في سنة 2015 نموذجاً عن المدينة الخالية من الكربون “صفر كربون”. وقد أعلنت الكويت والعراق عن رغبتهما في تطوير إمكاناتهما في مجال الطاقة الشمسية.
غير أن الهم الفوري في لواندا كان تطوّر الطلب والأسعار. يعتبر السعوديون والإماراتيون والإيرانيون والنيجيريون والفنزويليون أن سعر البرميل الحالي مرضٍ جداً في سياق الاستعادة البطيئة للنشاط العالمي. أوجز علي النعيمي الأمر قائلاً “السعر الحالي جيد للمستهلكين والمنتجين والمستثمرين”. وقد اعتبرت خمس شركات (“مركوريا” و”غونفور” و”ترافيغورا” و”غلينكور” و”فيتول”) تؤمّن 15 في المئة من تجارة النفط الخام العالمية، لصحيفة “فايننشال
تايمز” أن سعر البرميل سيظل ضمن نطاق 70-80 دولاراً.
أعرب الأنغولي خوسيه ماريا بوتيلو دي فاسكونسيلوس الذي يتولى رئاسة “الأوبيك” حتى نهاية العام الجاري، عن قلقه من هشاشة النظام المالي وارتفاع البطالة وخطر حدوث تراجع “سريع جداً” في خطط الدعم. لقد خُفِّضت توقعات الاستهلاك. وتتغيّر خريطة التدفقات النفطية. منذ فترة وجيزة، أكّد المدير العام لشركة “توتال”، كريستوف دو مارجوري، أنه في البلدان الثرية “لن يستعيد الطلب المستويات التي كان عليها في الآونة الأخيرة، في حين أنه سيستمر في الارتفاع في آسيا”. تتوقّع الوكالة الدولية للطاقة أن تكون البلدان الناشئة في آسيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط المصدر الأساسي
لارتفاع الطلب (بزيادة 40 في المئة) من هنا حتى سنة 2030.
(“الموند” ترجمة نسرين ناضر)
النهار