مشاهدات من كوبنهاغن: مؤتمر الفوضى وخيبات الأمل
نجاة شرف الدين
لم يكن إختيار صحيفة “لوموند” الفرنسية للرئيس البرازيلي لولا داسيلفا كشخصية العام 2009 مفاجئاً لمن تابع أعمال مؤتمر كوبنهاغن المخصص للبحث بالتغييرات المناخية والذي عقد ما بين السابع والثامن عشر من شهر كانون الاول الجاري. فقد حظي الرئيس البرازيلي بنجومية لافتة أثناء القائه خطابه الذي قوطع مرات عدة بالتصفيق وإستحوذ على إهتمام إعلامي واسع لا سيما من الصحافة الغربية التي أشادت بكلمته رغم وجوده من بين 193 دولة حضر
منها 119 رئيساً ورئيس حكومة يمثلون العالم.
دا سيلفا الذي جاء الى العاصمة الدانمركية حاملا هاجس المناخ وملف قطع اشجار الامازون بدا خطابه على مستوى الحدث مقدماً نموذجاً من العمل والخطوات التي تقوم بها البرازيل في سبيل تعزيز الطاقة البديلة ومبدياً إستعداده للمزيد من التضحيات رغم الكلفة المرتفعة بالنسبة للفاتورة البرازيلية التي تعاني من الفقر، وهنا كانت الكلمة الابلغ عندما قال متوجهاً للدول الغنية والصناعية: “ربما وجبات الطعام الثلاث يومياً أصبحت من الماضي بالنسبة لكم لكنها هدف للمستقبل بالنسبة لنا” في إشارة الى الفقر.
كان من المقرر ان أن يكون مؤتمر كوبنهاغن تاريخياً في نتائجه وأن يؤسس لمرحلة الخمسين عاماً المقبلة خاصة بعد إنتهاء مفاعيل إتفاق كيوتو في 2012 الذي لم توقع عليه الولايات المتحدة، في ظل المخاطر التي تعكسها التغييرات المناخية وتأثير التلوث الذي تحدثه الدول الصناعية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين، وهو ما أكده الرؤساء المشاركون في كلماتهم التي أشارت الى المخاطر الكبيرة المحدقة بالعالم في حال لم يتم التوصل الى إتفاق على خفض الانبعاثات الحرارية وعلى إجراءات تحد من التلوث المناخي والبيئي، وهو لذلك حمل شعار الامل (Hopenhagen) الذي تحول في ختام المؤتمر الى الانكسار(Brokenhagen).
هذا في الكلام الاعلامي أما في الوقائع فإن الانقسام العالمي كان أكبر من أن يعالج باجتماع دولي دون الاتفاق مسبقاً، فبدا وكأن الولايات المتحدة والصين وهما الدولتان الاكثر تلويثاً في العالم (نسبة 41%) متفقتان على عدم الالتزام بأي تعهدات كل من موقعه في بلده.
فالرئيس الاميركي باراك أوباما الذي إنتظرته الصحافة وكأنه سيحمل مشروعاً بيئياً يضيفه الى مشروعه الصحي في الولايات المتحدة فاجأ الجميع بخطابه الباهت الذي لم يحمل جديداً سوى الطلب من الآخرين الالتزام دون تحديد أي أرقام للمساعدات التي يمكن أن يلتزم بها، فظهر كمن يطلق النار على المؤتمر كما وصفه أحد الصحافيين الفرنسيين. كما ان أوباما لا يستطيع الالتزام بأي تعهد دون العودة الى الكونغرس الذي يعارض دفع الاموال والالتزام بتغييرات ضمن فترة زمنية محددة نحو الطاقة البديلة.
أما الصين ثاني ملوث في العالم فهي لن تلتزم بأي إجراء يمكن ان يحد من نموها معتبرة ان الدول الصناعية الكبرى كان لديها الوقت الكافي لتحقيق إنجازات وهي بدأت في السنوات العشر الاخيرة نموها الفعلي وتالياً لن توقفه الآن وتحتاج الى المزيد من الوقت، كما أن لديها أكثر من 150 مليون صيني يعيشون تحت خط الفقر، وهذا الموقف مشابه لموقف الهند التي لديها أكثر من 300 مليون يعيشون تحت خط الفقر وهي ترفض تقديم أي تضحية تؤثر على نموها الاقتصادي.
أما الموقف الأوروبي الذي حمل أفكاراً طموحة عبّر عنها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من خلال استعداده للالتزام بخفض الانبعاثات إلى 30% حتى 2020 مع التزام أوروبي بدفع 10 مليار دولار لمدة ثلاث سنوات فإنه أصيب بخيبة أمل كبرى من خلال إبعاده عن صوغ البيان الختامي فجاء موقفه المعترض والمندد مع زملائه الاوروبيين من المستشارة الالمانية أنغيلا ميركل الى رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون والتحذير من ان الوضع سيؤدي الى كارثة إذا لم يتم معالجته.
في المقابل فإن الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف الغائب الحاضر والغير موافق على المشروع برمته يعتبر نفسه خارج الاتفاق وكان حضوره شكلياً فقط وهو كان أول المغادرين قبيل التوصل الى إتفاق كما ان الاعلام الروسي لم يكن مهتماً بالمؤتمر سوى بتغطية لقاءات ميدفيديف مع المسؤولين.
كما تحول دور الامم المتحدة، وهي الراعي لهذا المؤتمر الى التحذير والتنبيه من المخاطر وإقترح أمينها العام بان كي مون تأجيل القرارات الاساسية وهي التزام الدول على المدى الطويل الى المؤتمر المقبل في المكسيك في 2010.
ومن الدول التي علا صوتها في كوبنهاغن دون نتيجة المجموعة الافريقية وهي الاكثر تضرراً من إرتفاع درجة حرارة الارض وكانت تأمل بالحصول على مساعدات فاكتفت ببعض الوعود الاوروبية لاتفاقيات ثنائية قد يتم التوقيع عليها لاحقاً.
وفي أروقة مركز “البيلا سنتر” حيث عقد المؤتمر لا يمكن ان تمر دون ان تلاحظ رؤساء وزعماء الجزر الذين جاؤوا حاملين هاجس الغرق نتيجة إرتفاع مستوى المياه مع إرتفاع درجات الحرارة وذوبان الجليد، وهم يعتصمون ويعقدون المؤتمرات الصحافية للحديث عن الخطر الذي يهدد 300 مليون إنسان يعيشون في 43 جزيرة مهددة بالزوال.
على مدى 12 يوماً عقد مؤتمر كوبنهاغن بمشاركة 45 ألف شخص بين رؤساء ووفود ومنظمات دولية غير حكومية وناشطين بيئيين وصحافيين وبكلفة عشرات ملايين الدولارات وبنسبة عالية من التلوث نتيجة إستخدام الطائرات الخاصة التي أقلتهم والسيارات التي إستعملت خلال التنقلات، وبإدارة أجمع الاعلام على إعتبارها من أسوأ الادارات للمؤتمرات نتيجة الفوضى التي رافقت الحصول على بطاقات الدخول الى المؤتمر وعملية تنظيم الاعداد المسموح لهم بالدخول.إنتهى المؤتمر الى بيان سياسي غير ملزم إتفق فيه على عدم السماح بتجاوز إرتفاع درجات حرارة الارض الدرجتين المئويتين من دون تحديد خفض الانبعاثات وتم تأجيل معظم الملفات الى ستة أشهر في بون مع الاجتماع التحضيري أو الى المكسيك في العام 2010.
2800 مليار دولار وضعت لانقاذ المصارف العالمية من أزمتها المالية العالمية إلا ان رؤساء العالم لم يستطيعوا تأمين مئة مليار دولار لانقاذ الوجود البشري على الارض نتيجة التغييرات المناخية. لقد علق أحد الرؤساء المشاركين على فشل المؤتمر بالقول “لو كانت قمة المناخ مصرفاً أميركياً لتم إنقاذها بسرعة”.
(إعلامية في قناة “المستقبل”)