حكام الإخوان: تكريس الاستئصال
عمرو الشوبكى
جرت انتخابات مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين فى جو من الاحتقان والصراع الداخلى لم تشهده من قبل، وأسفر عن سيطرة كاملة للتيار المحافظ بعد تعمده استبعاد الرموز الإصلاحية من الوجود «ولو الرمزى» داخل مكتب الإرشاد، خاصة أن توازنات القوى داخل الجماعة لا تسمح للتيار الإصلاحى بمنافسة المحافظين لا داخل المكتب ولا خارجه، ومع ذلك جرى استبعادهم بصورة فجة من المستوى القيادى داخل الجماعة.
ورغم أن كثيراً من الإخوان قد أبدى عدم تقبله فكرة وجود خلافات وتيارات داخل الجماعة، واعتبر أن الصراع بين المحافظين والإصلاحيين هو اختراع إعلامى لا أساس له فى الحقيقة، فإن الواقع المعاش أثبت أن هذا الخلاف حقيقى، خاصة بعد الذى جرى فى الانتخابات الداخلية الأخيرة.
والمؤكد أن هناك فارقاً كبيراً بين خبرة كثير من عناصر الإخوان الذين تربوا فى الجامعات والنقابات المهنية وتحت قبة البرلمان، وبين «حراس الجماعة» الذين بقوا فى دهاليزها أكثر من نصف قرن لم يدخلوا إلى الحياة العامة ولم يعرفوا قيمة الانتخابات الديمقراطية، ومع ذلك ظل التياران متعايشين نتيجة القيود التى فرضها النظام على الجماعة، فلا مستقبل للتيار الإصلاحى خارج الجماعة لأنه لن يسمح له بتأسيس حزب سياسى مدنى، ولا مستقبل للتيار المحافظ أيضا لأنه لن يسمح له بتأسيس جماعة دينية أو دعوية، وبالتالى لم يكن هناك بديل عن التعايش ولو القسرى بين التيارين.
ولأن أى كائن حى يعرف خلافات وتباينات بين الأفكار والأجيال المختلفة، ولأنه كان يحسب للإخوان القدرة على وجود هذا التنوع ولو الاضطرارى بين أجيال وخبرات مختلفة، فقد تحولت الجماعة إلى كيان مصمت مغلق كاره للتجديد وغير قادر على القيام به، مسلما مصيره إلى مجموعة لا علاقة لها بالسياسة ولا تمتلك من الأصل حساً سياسياً، وحتى الجانب الدعوى والدينى الذى تربوا عليه نظريا فعلوا عكسه عمليا حين مارسوا نوعاً من «الانتقام الجاهل» تجاه كل من اختلف معهم فى الرأى أو التوجه.
والمدهش أن التدين المصرى الطبيعى الذى كان يتسم بالتسامح وسعة الصدر، تحول مع «فرقة المحافظين» الإخوانية إلى عدوانية وتحايل على الشفافية والنزاهة فى إدارة انتخابات تنظيم، فما بالنا بإدارة انتخابات بلد، وبدا فشل هذا التيار ليس فقط سياسيا إنما أيضا فشلا دعويا فى تحويل كل القيم التى نادى بها الإسلام من تسامح وقبول للآخر إلى تكريس للانغلاق والتطرف، بما يعنى قدرة مدهشة فى الحصول على «الحسنيين» أى فشل دينى وسياسى.
والمؤكد أن الإخوان هم الوجه الآخر لأزمة النظام السياسى المصرى أو بالأحرى هم «عَرَض المرض»، فانتشارهم دليل على حجم الوهن الذى أصاب المجتمع المصرى، وأن توجهات التيار المحافظ داخل الجماعة هى امتداد لآراء أكثر محافظة داخل المجتمع المصرى، وأن الغيبوبة المصرية صارت حقيقية حين اجتهد المجتمع وكثير من القوى السياسية وعلى رأسها الإخوان من أجل السير عكس الطريق وتكريس التخلف والاستبداد.
لقد سيطر حكام الإخوان الجدد على مقدرات الجماعة، وأصبحت قدرتهم على التعايش مع التيارات الإصلاحية داخلها وخارجها غير موجودة، فهاجموا بحدة أصواتاً مثل الشيخ القرضاوى، ابن مدرسة الإخوان المسلمين، ( كتب أكثر من ١٠٠ مرجع وكتاب)، وهاجموا مفتى الجمهورية لأنه قال كلاما عاقلا فى ندوة بواشنطن حول ضرورة أن يفصل الإخوان بين الجماعة الدعوية والحزب السياسى، وطالبوه بأن «يراجع عقيدته» فى موقف بدا وكأنه شبه تكفيرى،
واستبعدوا عبدالمنعم أبوالفتوح من مكتب الإرشاد، عقابا على احترام الرأى العام والنخبة السياسية بكل أطيافها له، وهو أبرز وجه إصلاحى حقيقى داخل الجماعة، ولديه رؤية سياسية أياً كانت مساحة الاتفاق والاختلاف معها، أما محمد حبيب فرغم وجوده فى موقع وسط بين المحافظين والإصلاحيين، فإنه عوقب بشدة على تحركه المشروع من أجل أن يصبح مرشدا للجماعة بعد أن ظل سنوات نائبا له.
ولنا أن نتأمل الإجابات التى قالها محمد حبيب إلى زميلنا، محمد إسماعيل، ونشرها فى موقع «إسلام أون لاين» عشية إجراء انتخابات مكتب الإرشاد، لنرى حجم المهزلة التى جرت فى ظلها هذه الانتخابات.
فردا على سؤال:
■ هل تشعر بأنك تعرضت للظلم داخل الجماعة والحرمان من منصب المرشد الذى ترى أنك تستحقه؟
– الحمد لله.
■ متى سيعلن عن تشكيل مكتب الإرشاد الجديد؟
– بعد انتهاء الفرز.
■ متى سينتهى الفرز؟
– لا أعلم.
■ هل سيعلن مع نتيجة المكتب اسم المرشد الجديد؟
– لا أعلم.
■ هل أسفرت الانتخابات عن تصعيد الدكتور، عصام العريان، لعضوية مكتب الإرشاد؟
– ربما.
فهل يعقل أن يغيب نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين بهذه الطريقة عن مسار انتخابات ستجرى فى داخل جماعة كان هو يقوم بمهام الرجل الأول فيها حين يغيب مرشدها مهدى عاكف؟! إلا إذا كانت هناك شلة أخرى تدير الجماعة من خلف ظهر نائب المرشد وتتربص به وبآخرين.
من المؤكد أن الانتخابات تم تربيطها وتمريرها وفق أوامر محمود عزت وباقى مجموعة التنظيم الخاص، ودلت على تجذر العقلية الاستئصالية لهذه المجموعة، التى تمثل امتداداً لفكر التنظيم الخاص الذى اغتال بالسلاح، قبل ثورة يوليو، القاضى المصرى، أحمد الخزندار، ومن قبله، رئيس الوزراء، محمود فهمى النقراشى،
ومن بعده، حاول اغتيال جمال عبدالناصر عام ١٩٥٤، ثم عاد سيد قطب، رفيق محمد بديع أحد أبرز المرشحين لتولى منصب المرشد العام، (يمكن الاطلاع على جانب من طريقة تفكيره فى الحوار الذى أجراه معه موقع «اليوم السابع»، الأسبوع الماضى) وحاول نسف القناطر الخيرية عام ١٩٦٥ وقلب نظام الحكم بالقوة المسلحة.
إن هذه المجموعة التى واجهت خصومها منذ أكثر من نصف قرن بالقتل وبالسلاح عادت وواجهتهم بسلاح الاستئصال الفكرى والدينى ومارست بحقهم حملة تشهير فى غاية السوء استفزت كثيراً من شباب الإخوان ودفعتهم إلى الاحتجاج والرفض، ليؤكدوا أن مشاريع «غسل الدماغ» المنظم التى مارسها حكام الإخوان على شبابهم من أجل الطاعة العمياء لم تنجح بصورة كاملة.
ومهما كانت الظروف والضغوط الأمنية الواقعة على الإخوان وأدت إلى تعميق رؤاهم المتشددة، إلا أن مسؤوليتهم عن الفشل التاريخى الممتد أكثر من ٨٠ عاما، والمرحلى الممتد منذ حراك ٢٠٠٤، مؤكدة، تحت أى ظرف.
صحيح أن أزمة الإخوان المسلمين هى جزء من أزمة المجتمع المصرى، وأن غيبوبة الإخوان وفشلهم هما جزء من غيبوبة المجتمع وفشله، ولكن من المؤكد أن صحوة المجتمع ستكون على حساب الإخوان بعد أن أهدروا فرصا متتالية من أجل الإصلاح، مثلما ستكون على حساب إخوان الحزب الوطنى، وكل قوى الجمود والاستبداد والتخلف فى مصر.
تحتاج مصر لجهود كل الإصلاحيين داخل الإخوان وخارجها، وداخل الدولة وخارجها، ولكن هؤلاء الذين اختاروا أن يديروا انتخابات جماعة بهذه الطريقة المخجلة لا يؤتمنون على قيادة بلد ولا أمة، ونحمد الله أن الظروف لم تتح لهم لكى ينتقلوا من حكم جماعة إلى حكم وطن لأنهم عندها كانوا سيضعون خصومهم فى السجون وليس فقط خارج مكتب الإرشاد.
عن جريدة المصري اليوم