إيران: «الصواب الذاتي»
حسام عيتاني
كثيرة هي المتوازيات بين المواقف الإيرانية حيال أزمة البرنامج النووي والأسلوب الذي تتصرف السلطة بموجبه في الأزمة الداخلية المستمرة منذ انتخابات حزيران (يونيو) الماضي.
تصدر المتوازيات تلك من عقلية «الصواب الذاتي» المتحكمة، على ما يبدو، في أجهزة المؤسسة الحاكمة. تتلخص العلامات المميزة للعقلية تلك بتشديد على احتكار الذات كل القيم وادعاء المعرفة والحكمة وملازمة الصواب «ملازمة الخاتم للإصبع»، ما يضع الخصوم، حُكماً، في موقع الجاهل والمقصر وعديم الدراية وترميه في خانة الأعداء والعملاء والخونة.
من يقرأ البيان الصادر عن الحرس الثوري الإيراني أمس، يلمس من دون عناء، أن المؤسسة هذه والتي حلّت مكان الحوزة في قم كموجه أساسي للبلاد وشعبها، باتت أسيرة حالة من «الصواب الذاتي» تمنعها من رؤية المشكلات التي تطوق النظام الإيراني والتي يتحمل هو وسياساته مسؤولية الوقوع فيها.
صحيح أن الاضطرابات الأخيرة في طهران لا تعني حتمية سقوط النظام غداً صباحاً، لكن الصحيح أيضاً أن النظام بحصره علاج المشكلة السياسية مع المعارضة التي ما زالت تصر على انتمائها الى الثورة الإسلامية وقيمها وما زالت تعتبر آية الله الخميني رمزها وقدوتها، حصره العلاج بالوسائل الأمنية والانتقال الى توجيه الرسائل الى المعارضة عن طريق الاغتيال على نحو ما يفهم من الأسلوب الذي قُتل فيه ابن شقيقة زعيمها مير حسين موسوي، يلقي من يد الحكم ورقة الحوار السياسي مع عدد من القوى الإيرانية التي لا تريد نحر التجربة الثورية والتي لا تقلُّ عن الحكم الحالي تمسكاً بالبرنامج النووي وحقوق إيران في الاستخدام السلمي للطاقة الذرية.
التشبث برفض الحوار السياسي ووسم الخصوم المحليين بالعمالة والتلويح بتصفيتهم، على ما يفهم من بيان الباسدران، وبعض المحاكمات الصورية المشينة في الشهور الماضية، ممارسات تعطي انطباعاً بأن الحكومة الحالية التي يديرها الحرس الثوري، لا تقيم وزناً للاعتراضات الداخلية، من جهة، ولم تعد تلقي بالاً الى مواقف المرجعيات الدينية بعدما انحاز المرشد آية الله علي خامنئي الى صفها انحيازاً كاملاً. قد ينهض السؤال هنا عن مستقبل موقع مرشد الجمهورية وبالتالي عن شكل النظام في حال اختفى خامنئي لعلة من العلل. استعراض البدائل المتاحة أمام الرئيس محمود أحمدي نجاد وحلفائه، يدفع الى الظن أن موقع المرشد سيكون نقطة صدام أخرى بين التيارات المتباينة داخل النظام.
مقاربة أحمدي نجاد ورهطه لقضية البرنامج النووي تبدو مستلة من كتاب التعليمات السياسية ذاته المتمحور حول الصواب الذاتي. فقد ناورت السلطة الإيرانية في هذا المجال الى ما بعد الحدود المقبولة للمناورة وتذاكت الى ما يزيد كثيراً عن قدرتها على تقديم تفسيرات مناقضة للوقائع الدامغة.
وأسفر الإصرار على رفض كل المبادرات و «حزمات العروض» التي طرحها الاتحاد الأوروبي والوكالة الدولية للطاقة الذرية وغيرهما، الى إحراج الحلفاء، خصوصاً روسيا والصين، الذين خرجوا عن صمتهم وأعلنوا برمهم من السلوك الإيراني ودعمهم لأي عقوبات جديدة قد تفرض على طهران.
ربما يندرج السلوك المذكور في باب الإحساس المفرط بالقوة خصوصاً أمام التردد الغربي والغياب العربي (في العراق، مثلاً) من ناحية، لكن إغلاق الأبواب أمام التسويات والحلول والمفاوضات، من الناحية الثانية، يشجع على إعادة النظر في الصفات التي أطلقت على السياسة الإيرانية «الذكية» و «الحصيفة» و «الحذرة» وعن مهارات تاجر البازار وحائك السجاد التي لا تُجارى…
الحياة