إيران بين ضغط الداخل والخارج
سميح صعب
على الخيط الرفيع الذي يفصل بين “المعارضة واعداء الثورة”، وفق تعبير رئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني، يحاول النظام في ايران احتواء الازمة الداخلية التي تفجرت عقب الاعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية قبل ستة أشهر والتي منحت الرئيس محمود أحمدي نجاد الفوز.
لكن كيف السبيل الى التمييز بين المعارضين الذين يمكن النظام أن يستوعبهم وبين “أعداء الثورة” الذين لن يتردد النظام في قمعهم والتعامل معهم بأقصى الشدة؟ الواضح ان تلك مسألة ستكون في منتهى الصعوبة بالنسبة الى النظام، لاسيما ان ما كان يفترض أن يكون رد فعل عابراً أخذ منحى متواصلاً لم يعد في وسع النظام تجاهله.
والمواجهة الداخلية التي تخوضها ايران تعقد ولا شك المواجهة التي تخوضها مع الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة في شأن برنامجها النووي. ويبدو ان الارتباط بات قائماً بين المواجتين.
فالموقف الايراني ينحو الى التشدد أكثر كلما كان هناك تصعيد في الداخل، إيماناً منه بأن الغرب يحرك الداخل الايراني كي يحمل طهران على تقديم تنازلات في الملف النووي، في حين يتخذ الغرب من القسوة التي تمارس في حق الاحتجاجات ذريعة للهجوم على النظام الايراني لإظهاره انه لا يقف الى “جانب التاريخ” كما يقول الرئيس الاميركي باراك أوباما.
هذا الربط بين الضغوط التي تمارس على ايران للتنازل في ملفها النووي وتعاملها مع الاحتجاجات، لا يظهر بالحدة عينها عندما يتعلق الامر بالتعامل مع كوريا الشمالية، التي ليست مطالبة من الغرب بسوى التزام الاتفاقات السابقة في ما يتعلق ببرنامجها النووي والتي تفرض عليها التخلي عن السعي الى انتاج السلاح النووي.
أما في الحالة الايرانية، فإن الغرب يسعى الى أكثر من اغلاق الملف النووي ليطاول ايديولوجية النظام، وذلك انطلاقاً من العداء المطلق بين هذا النظام واسرائيل. فالغرب لا يرى ان السلاح النووي الايراني المحتمل انتاجه أو عدم انتاجه هو الخطر الفعلي على اسرائيل لأن هذا السلاح معروف انه غير قابل للاستخدام، وإنما الخطر الفعلي هو في الرفض المطلق لاسرائيل. وربما هنا تكمن المشكلة التي تتعدى الموضوع النووي.
وهذا أحد الاسباب التي تجعل اسرائيل تعتبر النظام الايراني خطراً وجودياً بالنسبة اليها. ولكن من غير الواضح حتى الآن ما هو الموقف الغربي من حركة الاحتجاج الايرانية التي لم ترفع شعارات تمالئ الغرب او يستشف منها أن أفق التغيير لديها يصل الى حدود التنازل عن المشروع النووي أو عن معاداة اسرائيل. فالخطاب المعارض لا يزال منصباً على الداخل وعلى السياسات التي ينتهجها النظام في الداخل. أي ان المعارضة لا تزال من داخل النظام ولم تصل بعد الى حدود الخروج عنه بالكامل. والمطالبات تقتصر حتى الآن على المطالبة بتغيير السلوك وليس بتغيير النظام.
بيد ان استمرار حركة الاحتجاج باتت تحتم على النظام، الذي يشعر بأنه مستهدف في ذاته، نوعاً آخر من التعامل مع هذه الحركة، اذا كان حريصاً فعلاً على كسب جولتي المواجهة في الداخل والخارج. ولن يؤدي تجاهل الخطاب المعارض بالكامل الا الى مزيد من التعقيد والتصدع في الجبهة الداخلية في الوقت الذي يبدو واضحاً ان ايران ونفوذها الذي توسع في الاعوام الاخيرة، هو في الميزان اذا ما طال الشرخ الداخلي.
لا شك في أن ما يجري اليوم في ايران يشكل تحدياً كبيراً لنظام عرف كيف يتعامل مع أزمات كبرى في المنطقة ويخرج منها رابحاً نظراً الى ما يتمتع به الايرانيون من حس تقليدي بالسياسة وأغوارها.
النهار