القاعدة 2010: حروب أهلية في الشرق وإخفاق في الغرب لا يجمعها التنظيم المُتخيل
حازم الأمين
أقفل العام المنصرم على استيقاظ مفاجئ لتنظيم «القاعدة» في أكثر من مكان في العالم. ففجأة احتشدت وقائع مقلقة في حقبة لا تزيد عن خمسة أيام، أوحت ان حكاية الحد من الخطر الذي يشكله التنظيم ما زالت افتراضاً غير دقيق! الحدث الأبرز على هذا الصعيد كان محاولة تفجير الطائرة الأميركية المتجهة من امستردام الى ولاية ديترويت الأميركية من جانب نيجيري كان والده حذّر السلطات الأميركية من تطرفه.
ولكن هذا الحدث كان الأقل دموية بين وقائع الأسبوع الأخير من العام المنصرم، فتفجير مدينة كراتشي الباكستانية الذي استهدف مسجداً للشيعة وقتل أكثر من ثلاثين شخصاً كان الأبرز على هذا الصعيد، ثم أعقبته تفجيرات مدينة الرمادي في غرب العراق وأودت بحياة نحو 23 شخصاً هناك.
وشهد اليمن اشتباكات ومواجهات بين القوى الأمنية وعناصر من «القاعدة» قالت السلطات انها دهمت معسكر تدريب لهم وسط اليمن. ومن أكثر أخبار «القاعدة» إثارة في الأسبوع الأخير من العام 2009، ما أوردته صحيفة الصنداي تايمز الإنكليزية نقلاً عن مصادر في الشرطة البريطانية من ان 20 مواطناً بريطانياً من أصول باكستانية يتدربون في اليمن على تنفيذ عمليات خطف طائرات وتفجيرها أثناء طيرانها.
إذاً، أقفل العام على كل هذه الوقائع، بعد نحو سنتين من انحسار نشاط «القاعدة» في معظم مناطق انتشارها. ويبدو من الصعب تقدير ظروف احتشاد هذه الوقائع في أقل من أسبوع، إذ وللوهلة الأولى يبدو الرابط ضعيفاً بين الكثير من هذه الوقائع. ولكن من الممكن إجراء فرز أولي لنشاط «القاعدة» في الأسبوع الأخير من عام 2009 وفقاً لطبيعتها:
العمليات التي شهدها كل من اليمن والعراق وباكستان يجمع بينها ضعف السلطات المركزية في الدول الثلاث، كما يجمع بينها تعرض هذه الدول لأزمات أهلية بعضها غائر وبارد، وبعضها مكشوف ويعبر عن نفسه بحروب ومآزق. الحرب في صعدة في اليمن، واقتراب استحقاق الانتخابات النيابية في العراق، ومشكلة سنية – شيعية غير معلن عنها في باكستان، علماً أن الأخيرة تعصف بها أزمات أخرى تُمكن «القاعدة» من النشاط على أكثر من صعيد.
الصنف الثاني من نشاط «القاعدة»، أي المحاولة الفاشلة لتفجير الطائرة الأميركية بين أمستردام وديترويت، والخلية «الإنكليزية – الباكستانية» في اليمن، يغلب عليه الطابع الافتراضي، أي الى اقتصار دلالاته على ما سبقه من تحضير، والذي يؤشر وفقاً لما أعلنه الرئيس الأميركي باراك اوباما الى خلل في نظام المراقبة الغربي لحركة «القاعدة»، إذ إن تمكّن مسافر على متن طائرة أميركية من اجتياز اجراءات التفتيش والوصول الى الطائرة محمّلاً بمتفجرات يكشف من دون شك خللاً مقلقاً في إجراءات المطارات في عواصم من المفترض أنها قطعت أشواطاً في مجال الخبرة بالكشف على المتفجرات. ثم ان وصول 20 بريطانياً الى معسكرات تدريب في اليمن يطرح تساؤلاً عن جدوى الاجراءات التي أعقبت الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) في كل أوروبا!
في المستوى الأول من النشاط «القاعدي»، أي اليمن وباكستان والعراق، يُدرك جميع المراقبين ان «القاعدة» هناك هي جزء من انقسام أهلي يضرب جذوره في عمق التجارب في تلك الدول. مساحات كبيرة من هذه الدول خارج سيطرة الحكومات المركزية، واضطراب واضح بين السلطات وبين شرائح واسعة من السكان، ودول مجاورة تُغذي بإرادة سلطاتها أو بعدم إرادتها المآزق والحروب.
وإذا كان تنظيم «القاعدة» قد صوّر طوال سنوات العقد الفائت بصفته تنظيماً «مستقلاً» عن التراكيب الاجتماعية والسياسية للمجتمعات التي استقر فيها، فإن هذه الصورة ضعفت وتصدعت بفعل المعطيات الجديدة، إذ لم يعد من الممكن استبعاد عناصر الأزمة المحلية في تقصي أسباب صعود نشاط الجماعات «القاعدية». كما انه صار من الصعب الاعتقاد باتصال هذه النشاطات بالبنية المتخيلة «الأولى» للتنظيم والتي يُعتقد أنها تتخذ من إقليم الحدود الباكستاني مقراً لها. ففي العراق يُرجح ان يكون الانتحاريون الجدد مختلطي الولاء بين البعث و«القاعدة»، وفي باكستان معظم المنفذين من بشتون الأقليم الحدودي، أما في اليمن فتجرى المطاردات على وقع أحداث صعدة وفي ظل تصاعد نشاط «الحراك الجنوبي».
إذاً، نحن حيال حروب أهلية مقنعة استعارت، بمعنى ما، المضمون «القاعدي» لنشاطها، واستعانت بهائمين على وجوههم، خلفتهم «القاعدة» أحياناً وخلفتهم مآزق بلدانهم في أحيان أخرى. وبهذا المعنى، لن يشهد عام 2010 مزيداً من التداعي في أوضاع التنظيم العالمي بعدما أصبح الأخير اسماً لنمط مختلف من النزاعات، وستستعمله دول كثيرة في تظهير مآزقها، فيما ستتولى دول أخرى دفعه باتجاه جوارها من دون أن يكون منفصلاً عن أزمات العلاقة بين الدول الكبيرة وجاراتها الصغيرة، أو عن نيات الاستثمار في الأقليات المضطهدة أصلاً في معظم دول المنطقة.
ثم ان ما يصل بين الدول الثلاث المعنية بوقائع الأسبوع الأخير من عام 2009 هو وجودها على خط النزاع «الشيعي – السنّي» والذي يبدو انه سيشكل جوهر نشاط «القاعدة» في الأعوام المقبلة.
هذا على المستوى الأول من النشاط «القاعدي» المستجد، أما على المستوى الثاني، أي الاختراقات الجوهرية لنظام الوقاية «المحكم» بعد 11 أيلول، فما أوحت به التصريحات التي أعقبت الحدثين، في ديترويت وبريطانيا، يؤشر الى اقتصار التفكير بالخلل على إجراءات المطارات، أو تعقب المعلومات ومتابعتها! فمن غير المؤكد حتى الآن ان يكون الشاب النيجيري عمر فاروق عبدالمطلب مرتبطاً بتنظيم أو جماعة، واحتمال أن يكون عمله فردياً أو شبه فردي كبير، وهذا الأمر يطرح تساؤلاً سياسياً وربما نفسياً قبل ان يطرح تساؤلاً أمنياً. أما في ما يعود الى توجه 20 بريطانياً من أصل باكستاني الى معسكرات «القاعدة» في اليمن، فمن المفترض ان يسبق نجاح الشرطة البريطانية في رصدهم نجاحها في الحد من أسباب ذهابهم، وكلا الاعتبارين لا يقل أهمية عن الآخر.
التوقف عن تقديم الارهاب في العالم بصفته ظاهرة واحدة لا تتجزأ صار ضرورياً لمكافحة الظاهرة، فاللاعبون لم يعودوا مقتصرين على تلك النواة المقيمة في اقليم الحدود الباكستاني. انهم الآن دول وأنظمة ومجتمعات، إضافة الى جماعات، يمكن المرء ان يُغامر بالقول ان أضعفها هي تلك المختبئة في كويتا الباكستانية.
الإرهاب المقبل سيكون على صورتي المستويين اللذين لخصتهما الأيام الأخيرة من عام 2009. صورة الحروب الأهلية المقنعة، وصورة الخلل في العلاقة بين الغرب ومسلميه. والأرجح ان يشهد المستوى الأول صعوداً، فيما قد تُثمر المحاولات في المستوى الثاني انحساراً. ومرد التشاؤم واضح وكذلك التفاؤل، فعلى المستوى الأول يُتوقع ارتفاع منسوب الأزمات الأهلية، أما على المستوى الثاني فهناك من يُفكر ويحاول… وربما ينجح.
الحياة