حرب وعروض أزياء
حسام عيتاني
اتفق اثنان من المنجمين على الأقل، او «متوقعي» نهاية السنة، على ما يحبون ان يسموا أنفسهم، ان حربا ستقع في لبنان في 2010، بين اسرائيل و»حزب الله».
ومنجمو الشاشات اللبنانية ليلة رأس السنة لا يعوزهم الإدعاء والغرور ليتنطحوا الى رسم مستقبل العالم بتفاصيله السياسية والبيئية وحياة الفانين من البشر كما عن مستقبل الفنانين الخالدين، وسط انجذاب جمهور عريض وواسع، في ظاهرة تتكرر كل عام وتنبئ بالكثير عنا، نحن جمهور المشاهدين المذهولين ذهولا هو الى الخبل أقرب.
ومن جهة ثانية، فإن اتفاق المنجميْن يتعارض مع تأكيدات قادة الحزب على ان ما من حرب في المستقبل القريب التي يعطفونها في العادة مع تحذيرات وتنبيهات موجهة «الى الكيان الصهيوني وشعبه» من مغبة ارتكاب الحماقات وشن الاعتداءات على لبنان. لكن أقوال المنجمين، وهي كاذبة ولو صدقوا، تتماشى مع تضارب شديد في تقديرات السياسيين الغربيين والاسرائيليين. فأكثر المتفائلين لا يستطيع استثناء الحرب من توقعاته، لأسباب تتعلق بالمآزق المنغرسة أمام المفاوضين الايرانيين حول برنامج بلادهم النووي وتفاقم الانقسام الداخلي بين التيارات الايرانية المختلفة، وصولا الى انسداد آفاق التسوية السياسية بين الفلسطينيين والاسرائيليين وما يولده هذا من حاجة اسرائيلية الى تنفيس الاحتقان عن طريق الحرب التي لن يعدم بنيامين نتانياهو و»النابغة العسكري» إيهود باراك (على ما يشيع بين أنصاره) أن يعثرا لها على سبب وذريعة. المفارقة أن الاسباب عينها يقدمها كتّاب آخرون على أنها بالضبط ما يحول دون وقوع الحرب المشؤومة.
لكن، يجوز الاعتقاد أن غياب الاتفاق عن صفوف السياسيين والكتّاب والمعلقين، وحضوره بين المنجمين، يعلن، من بين أمور أخرى هشاشة الواقع الحالي في لبنان والمنطقة. فالمنجمون الذين توقعوا الحرب، أكدوا في ما يشبه تلاوة لتمائم سحرية ان لبنان والمنطقة سيشهدان ازدهارا من علاماته ازدحام البلاد بعروض الازياء والسياح، على رغم الحرب.
وتزاحم الحرب وعروض أزياء على احتلال ايام اللبنانيين ولياليهم، ليس بالأمر الجديد. ولعل تكراره مرة تلو المرة يقول باستحالة الركون الى ما يزيد في الدقة عن هذيان المنجمين وترهاتهم. فلا «الحسابات الاستراتيجية» تجدي ولا تلك المرتكزة الى تغيرات على وشك الحدوث وغالبا ما لا تترك الأثر المتوقع منها ولها. واجتماع النقيضين، الحرب والسلم، الموت الازدهار، «كتل الحديد والنار» – بعبارة أحد «المتوقعين» – واكتظاظ لبنان بالسياح والزوار، اجتماع كل هذا على أرض واحدة، لا يزيد عن كونه من طبيعة الأشياء في لبنان الذي لم يعرف من نشوئه كيانا قبل نيف وثمانين عاما على اي وجه يتدبره أهله ومواطنوه.
ولبنان من الأمثلة الصارخة التي تحض أي محلل على التخلص من مهنة التوقع واستشراف المستقبل، وعلى التسليم بأن الأهل الحقيقيين للعمل هذا هم من ينتظره الحمهور آخر كل سنة وليس غيرهم.
في واقع الحال، إذا تجرأ اي من المحللين على جمع كل المعطيات المتوافرة لديه، تلك التي يطلع عليها من «المصادر المفتوحة» او ما يهمس السياسيون و»العارفون» به في الغرف المغلقة، نقول اذا تجرأ أحد ما على جمع كل ما في حوزته من معطيات فلن يخرج بأكثر من تعادل تنفي فيه المعلومات بعضها بعضا ليعود الى الاعتماد على أراء لا تختلف خلفياتها كثيراً عن خلفيات توقعات المتوقعين.
الحياة