ملح هذا البحر
من عروض الدورة الحادية والستين لمهرجان كان السينمائي الدولي الفلسطيني ملح هذا البحر الخطاب الناقص اللبناني بدّي شوف الشريط المفرغ الارجنتيني عَرين الاسد صلابة نسوية
زياد الخزاعي
ما انتقص من جهد المخرجة الفلسطينية الشابة آن ماري جاسر في باكورتها الروائية ملح هذا البحر (عرض ضمن خانة نظرة ما ويتنافس علي جائزة الكاميرا الذهبية) يكمن في لا تبريرية مسالك ابطالها الثلاثة. فالشابان عماد ومروان سينتظران اطلالة البطلة ثريا كي يحققا ما نويا عليه وفشلا دوما في الشروع به طوال فترة احلامهما. الاول ينتظر التأشيرة الكندية ليحسم أمر إلغائه لوطن كقيمة عيش وكينونة وارث شخصيين، والثاني يلوك مشاريع لن تتحقق حول أفلامه المستقبلية التي تدور حول الحب والعواطف من دون ان يحرك ساكنا ليوثق المأساة المستمرة لأناسه من حوله. البطلان نقيض تام لعنفوان ثريا (أداء مقنع من سهير حماد) التي جاءت عبر طريق طويل ومعقد من الهويات والبعاد والهجرة والاجيال كي تقف بعناد نادر امام أسئلة التحقيق الاسرائيلي. انها الكائن المحصن بالهوية المكتسبة (جواز السفر الاميركي) والتي ستري ان ما يتراتب في الدولة الفلسطينية كم من الاعتراف الرسمي بأن الارض ضاعت. ستسمع ثريا المندهشة ـ قبل فورتها الاولي ـ من افواه الرسميين ان الوطن ابتعد، وأن الاتفاقات مع الاسرائيلي كشفت مديات الارتهان الفلسطيني لقانون مرتكبي النكبة.
تري، هل تجد ثريا معانيَ كافية تقنعها بأن المهمة التي جاءت من اجلها يجب ان تتعقد كلما التقت بشخصيات اخري علي شاكلة المدير الانكليزي للبنك البريطاني ـ الفلسطيني وصاحب المطعم في رام الله والمسؤول الفلسطيني، وقبلهم حرس حدود اسرائيل وشرطتها ومراقبو المعابر، واخيرا عماد وعائلته ومروان وفرديته ككائن بلا أحبة وأهل؟ هل علي الشابة التي ولدت في بروكلين نيويورك انتظار فهلوتها للحصول علي تبرير يدفعها الي اختراق أرض المحتل سعياً في الوصول الي بيت سيدها في حيفا؟ مَنْ سيقنع مشاهد شريط جاسر ان عبور المعبر سيكون بالسهولة التي يجب ان تنطلي نكتته علي جندي اسرائيلي خبير في فحص النيات الفلسطينية منذ ستين عاماً؟
ما انتقص من فيلم جاسر هو لا منطقية تراتب احداثه، الامر الذي سيجعل من الاجابة علي السؤالين اعلاه رهناً بتفكيك نصها الذي بدأ قويا ومؤثرا وانتهي عند منتصفه عبثيا، خطابيا ومتشنجاً دراميا. لا بد من الاقرار بأن جهد المخرجة جاسر وفريقها كان بطوليا نظراً للوضعية الاستثنائية التي أنجزت فيها تصوير مشاهدها ما بين رام الله و الداخل الاسرائيلي ، ومثله الاقرار بالعناد السينمائي لصاحبة كأنه عشرون مستحيلاً (2003) في استكماله في كل فلسطين. ملح هذا البحر فيلمان في آن: وصول ثريا ومن ثم رحلتها الضمنية في ذاكرة مكتسبة، في ارض ذهنية لم تعرفها من قبل. فعندما نراها واقفة امام أسئلة التحقيق ستردد أنها ولدت هنا من دون ان تتجاسر علي قول جملة في فلسطين ونفهم خشيتها، بيد أنها في المقطع الثاني حين تدعوهم الفنانة الاسرائيلية للدخول الي بيت جد ثريا ستصرخ الشابة بعنف لتثبت ـ بالكلام ـ ان هذا بيت عائلتها الاصلي، وسترد علي سؤال الشابة الاسرائيلية انت من وين؟ انها من هذه المدينة والبلاد وذاكرتها، قبل ان تسأل بدورها من أي بلد اتي أهلك واستقروا في هذه الارض؟
وهذه المشادات التي تنتهي بكم وافر من أكاذيب ثريا البريئة لن تأتي بثمارها، فلا هي حققت قناعتها بوجوب بقائها علي هذه الارض الي الابد، ولا هي اكتفت بعلاقتها العاطفية مع عماد (أداء صالح بكري) كي تُبقي وشيجتها الوطنية مع أحد الرموز الدرامية لفلسطينيي الحصارات الدائمة، وهو وصف يكرره عماد عن حالته التي فرضت عليه عدم تجاوز الحدود وفشله في الحصول علي تصريح اسرائيلي يجيز له حرية التنقل، من دون ان يقدم الشريط تبريراً لمساعيه في الحصول علي التأشيرة الكندية والهجرة اليها. فكيف سيصل الي اي مطار في اي بقعة وهو ممنوع من التجول هنا وهناك؟
تفلح ثريا في الوصول الي رام الله التي ستُدهش لفوضاها وتكدس أناسها وبشرها، وهدفها الحصول علي مدخرات تركها سيدها في حساب لدي بنك بريطاني قبل ان يُرغم علي النزوح بعد النكبة وقيام الدولة العبرية. الادارة الجديدة سترفض الافراج عن المبلغ الذي يتحول لدي ثريا بمثابة ايصال لاستعادة هوية اغتصبت ومُسحت عنوة، وتقترح عليها قرضاً سيؤدي بها الي القرار المتذاكي: سرقة البنك نفسه من دون قتل احد!. فنموذج بوني وكلايد (1967) للاميركي ارثر بن سيكون الاكثر مقارنة في اقتحام البنك وسرقة ما نوت علي استعادته سابقاً. هذه المغامرة التي صورتها المخرجة جاسر بأسلوبية سينمائية متهافتة ستشكل التبرير الوحيد في نصها كي يقرر الابطال الثلاثة الذهاب الي العمق الفلسطيني المغتصب. يرتدي عماد ومروان القلنسوة اليهودية وتعتمر ثريا الطرحة الخاصة باليهوديات ويخدعون فطنة الجندي المدجج بالسلاح. وما ان يشرعون في تجولهم حتي تسارع المخرجة جاسر الي تلبيسهم رداء الفرسان الصناديد الذين يخترقون الموانع الاسرائيلية بلا حسيب او رقيب، ويستعرضون مراجل فلسطينية غير منطقية، اذ يقطف عماد ومروان برتقال تل ابيب ويافا، ويصرح الاول: مارح نخلي حباية في البلاد ! وحينما يصادفون اول عرقلة اسرائيلية ستكذب ثريا مستفيدة من لكنتها الاميركية أنها متطوعة في كيبوتس لا تعرف اسمه ما زلنا لم نتعود علي الاسماء هنا ! وبما ان ثنائية فلسطين/ اسرائيل غير قابلة للحل الكلامي بين القطبين الغاصب والمغتصِب، فان الثنائي ثريا وعماد يقرران المكوث في أطلال قرية فلسطينية ويحولان غرفة في بيت مهجور الي فلسطينهما ، وهما هنا يتشابهان مع بطلي شريط يسري نصر الله باب الشمس اللذين يحولان مغارتهما الي فلسطين بديلة مع فارق اساسي ان الثنائي المعاصر يتحايلان بالسبل كلها كي يكونا ضمن الحيز الفلسطيني، فيما واقع الحال لن يمدهما بالقوة التي تكفل التصريح بهويتهما الحقيقية. وحده مروان سيجد الفرصة سانحة للتخلي عن الهوية ويقرر البقاء مع الفنانة الاسرائيلية، فحيلته أنطلت الي حين.
القانون ـ حتي في أعراف المغتصب ـ له الحق المطلق في العقاب. وهو لن يستثني ثريا وحبيبها المكلوم بفلسطينيته والذي سبق وان عيره عامل المطعم الذي اصر علي معرفتهما لبعض باعتبارهما من اهالي رام الله، بأنه مثله مخالف وعليه ان لا يخشاه، فمصير الطرد والابعاد معروف وهي مسألة وقت وحسب، ولا علاقة له بالتشاطر. ويتحقق شرط المستعمر اذ يلقي القبض علي عماد لانه دخيل ومتجاوز قوانين، وتبعد ثريا الي المطار كونها اجنبية نفدت الفترة القانونية لتأشيرتها . ويعود الاثنان كل الي منفاه.
خطاب شريط ملح هذا البحر قاصر كونه يفترض رحلة غير منطقية، قدمتها المخرجة جاسر منذ مفتتح الفيلم كمغامرة لأشخاص قاصرين يلقون مواعظ وطنية طنانة لا تمت بصلة الي الحقائق البسيطة للشراسة. وهم في مسعاهم النبيل في كسر الجدار العنصري لن يوصلونا الي البر الحقيقي لـ فلسطين المغيبة ناهيك عن ذلك البحر الذي غمروا أجسادهم بمياهه وهم يرتدون كامل ملابسهم!
الرحلة ذاتها ستكون بطلة الشريط الهجين للمخرجين اللبنانيين المميزين جوانا حاجي توماس وخليل جريج بدّي شوف (عرض ضمن خانة نظرة ما ويتنافس علي جائزة الكاميرا الذهبية) حيث أرغموا مشاهدهما علي مرافقة النجمة الفرنسية كاترين دينوف والممثل الشاب اللبناني ربيع مروة في رحلتهما الفارغة المضمون من الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت وحتي عمق الجنوب اللبناني بعيد حرب تموز (يوليو) 2006. لا ريب ان هذا العمل متأخر في توقيته ومتخلف في بنائه الدرامي ولا يحمل اي تبرير فني لانتاجه. انه هباء سينمائي لا يغني كثيرا في المحاججة السياسية لاسباب الحرب او توابعها او أضرارها، اللهم الا في تزكية الموقف الفرنسي الذي تكثف في لقطات استقبال القادة العسكريين الفرنسيين لدينوف قرب الحدود مع اسرائيل ولاحقا في المشاهد السياحية لحفل الاستقبال الذي نظمته لها السفارة الفرنسية حيث يمدح السفير اللبنانيين بأنهم اقوياء لهم قدرة نادرة علي تجاوز محنهم! وحينما لا تجد دينوف كلاماً مقابلاً وهي كذلك طوال الشريط البالغ زمنه 75 دقيقة، ستستنجد بلسانها الذي سيقول كلمتين أنا في انتظار صديق!! لنعرف لاحقا ان الممثل ومرافق رحلتها مروة هو المعني. وليس مهما ان جالسها مع السفير الفرنسي ام لا، فان الشاب اللبناني كما هو واضح من حجم الحراسات غير مرحب به. يقفل الثنائي حاجي توماس / جريج فيلمهما بلقطة داكنة كإشارة علي المستقبل المظلم للبلاد التي لن تنفعها زيارة دينوف او مناصرتها المتأخرة.
يسأل مروة النجمة عن دافع مجيئها الي لبنان، فتجيب بابهام مدروس انها رأت الصور والتحقيقات التلفزيونية وقررت ان تأتي بنفسها كي تقف علي حقيقة ما جري بعد الحرب، وتردد بدّي شوف بفرنسيتها المحببة. وحسب المشاهد القليلة للنجمة فان حسابنا سيكون أنها لم تر شيئاً حقيقياً. فجلوسها في سيارة فريق الانتاج لا يكفل لها حق ان تقول أريد أن أري فتجوّلها علي الاوتوستراد المتوجه للجنوب يجعلها حبيسة الصندوق الحديدي السائر حسب التصاريح الحكومية اللازمة والتي من دونها لا تكون هناك رحلة ولا فيلم. صاحبا البيت الزهر (1999) و يوم آخر (2006) خانا عزمهما الاساسي في انجاز شريط وثائقي قصير عن ثيمة ما بعد الحرب، وقررا ـ بخبث سينمائي ـ مط شريطهما الي الحد الممكن وجعله متخاتلا بين وثائقية ناقصة ودرامية ميتة منذ اللقطة الاولي.
هذا التهجين اصبح علّة الفيلم ومقتله الدرامي، فحينما تظهر دينوف وهي خارجة من الفندق، سنري فريق العمل وهم يتساجلون حول تفاصيل اللقطات الواجب تصويرها في الضاحية، لنخمن أننا بصدد عمل يوثق الحرب، وان البطلة العالمية ملكت شجاعة نادرة للوقوف مع لبنان ضد عدوان اسرائيلي، وهي النجمة المعروفة في مناوراتها السياسية القليلة التي لا تحمل مواجهات حاسمة تذكر، بيد أن هجمة سريعة من اشخاص لا نراهم علي الكاميرا وتهديد فريق العمل، اضافة الي محيا الرعب الذي طل علي وجه النجمة غير الخبيرة بالشراللبناني (حتي وان جاء بصيغة الاحتراز العسكري الذي كرسه حزب الله بعد انتهاء الحرب علي الضاحية) كشف قرار حاجي توماس وجريج باعادة تصوير المشهد ذاته ان التلفيق السينمائي سيكون الخيار الاخر لهما من اجل تأمين مشاهد كافية تستثمر طلّة النجمة ذائعة الصيت.
ما تبع هذا هو كلام قليل واقل منه أفعال الممثلين اللذين بدا واضحا أنهما اجبرا علي الارتجال. والذي حدث جاء مضحكاً ومحرجاً في آن. فدينوف التي لم تعد ممثلة معنية بخبطة عمر سينمائية بقيت متحجرة في مكانها، فان سارت عرجت وتعثرت خطواتها، وما ان تصل الي طريق مقطوع حتي تسارع الي الالتفات الي مخرجيها باحثة عن نجدة اواقتراح او حل. في حين بقي مروة يؤدي ردود افعال اقل ما يقال فيها انها تعبيرات بلهاء. والاكثر مدعاة للضحك ان مرّوة كان مصراً علي ان يكون تابعا للنجمة الفرنسية، يمدها بمعلومات عبر لغة فرنسية ركيكة ويقودها نحو موطئ قدميها وكأنه حارس شخصي. اذن ما الذي فعله صاحبا رماد (2003) في شريطهما الجديد كي يجدا مكاناً شرفياً ضمن خانة مرموقة لأكبر مهرجان سينمائي دولي؟ الجواب ان بدي شوف هو تحميل مبطن لجهة لبنانية واحدة هي حزب الله من دون ذكر اسمه في ما يخص أوزار الحرب. وهذا الموقف السياسي لا يقال الا قرب نهاية الشريط حيث يصور المخرجان ردم مخلفات التدمير عند شواطيء الجنوب، ونسمع لاحقا صوت الممثل مرّوة وهو ينعي بيروت التي نريد إقصاءها . ويحمل المونولوغ هذا الكثير من التأسي علي حال العاصمة التي سرعان ما دخلت قبل اسابيع في محنة سياسية وعسكرية جديدة، ويزخر ايضا بالكثير من توريات الاتهام الي الحزب الذي جلب الحرب ومن ثم قرر ردم آثارها بسرعة مدهشة.
الي ذلك فان كثرة الملصقات والشعارات ضخمة الحجم الحاملة لصورة امين عام الحزب حسن نصر الله وكلماته ذات النبرات الحماسية، كانت لها اغراض اخري في العمل، اذ كلما تأزم مشهد ما ظهرت تلك اللافتات كواجهات اتهام مبطن، وايضا كإشارات علي خطر داهم.
لا لبنانيون يظهرون في هذا العمل، وكأن لبنان فرغ من بشره وأناسه. ما نراه طوال المشاهد هو تصوير جوليان هارش للمشهديات الطبيعية الاخاذة للبنان والتي جاءت كنعوات حزينة لبلد لا يعيش سوي ازمات متوالية يبدو ان حلولها غير متوافرة علي المدي المنظور. حينما تحاط دينوف بعساكر الامم المتحدة تتحول اللقطات الي صور جماعية ذات انحطاط ورخص فنيين، وهذا ما ستتوافر عليه المشاهد الاخيرة عند وصولها الي حفل الاستقبال الرسمي الذي تحول رغم انف المخرجين الي روبرتاج تلفزيوني بليد البناء، سفيه المغازي يستكمل الخطاب المفرغ لنص بدّي شوف الذي ارغم مشاهده علي ان لا يري شيئا، مثل البطلين، من خراب العدوان الاسرائيلي. لا ريب أن هذه كبوة لجوانا حاج توماس وخليل جريج، كما ان حالة الغضب والخيبة لدي الكثير ممن شاهد الفيلم لا يمكن ان تغفر لهذين الموهوبين زلّة أخري من هذا النوع.
شريط عَرين الاسد (عرض داخل المسابقة الرسمية) هو نص كبير عن صلابة امرأة تواجه محنة الخيانة والتوريط.
موظفة شابة في مكتبة عامة، تستيقظ ذات صباح لتجد نفسها ملطخة بالدماء، فيما ترقد جثة عشيقها في الحمام ورجل يعارك الموت في صالون شقتها الصغيرة وسط العاصمة. ما سيتبع ذلك حياة من جحيم واقصاء لذات بشرية لن تسعفها الظروف لامتحان براءتها. الادهي ان البطلة الشابة جوليا (أداء قدير من مارتينا غوسمان) حامل بوليد بكر، وعليه فان حياته ستكون ارتهاناً مزدوجاً داخل عنبر خاص بالسجينات الامهات. هذه الثيمة الكلاسيكية سيعالجها المخرج الشاب بابلو ترابيرو (ولد في بيونيس ايرس عام 1971) بكثير من الروية السينمائية معتمدا بالكامل علي أداء شديد الطبيعية من غوسمان التي قررت ان تكون حاملا بالحقيقة لبكرها والذي انجبته داخل مستشفي السجن وبقي معها حتي انتهاء التصوير. النتيجة اداء باهر ذو وقع صاعق. فبعيدا عن الكليشيهات التي تتوافر في اي عمل سينمائي حول سجون النساء، فان ترابيرو ركز همه الدرامي علي السؤال الضاغط: ما رد فعل أم يسرق فلذة كبدها منها؟ وماذا ستفعل حينما يكون السارق هو والدتها؟ يصبح هم جوليا التي قررت الاحتفاظ بجنينها كثمرة علاقة حب صافية مع عشيقها ناهويل الذي قضي بطعنات لاتحصي ان تحقق حرية الوليد اولا.
ومع فشل مساعيها في ابعاد شبهة القتل عنها، بعد ان تشرح للقضاة ان ما تعرضت له هو غسيل ذاكرة توقف دماغها عن خزنها بعد المشهد المريع الذي شاهدت فيه عشيقها وصديقه راميرو (روديغو سانتورو) وهما يمارسان شذوذهما علي فراشها. لكن السؤال الذي لم يجد له احد جوابا هو: مَن الشخص القادرعلي توجيه هذه الطعنات الكثيرة العدد ان لم يكن قوي العضل؟ رغم حججها تلك يُقضي بسجنها وتتم تبرئة الشاب الآثم الذي سيعترف لها لاحقا بجريمته. يحول المخرج ترابيرو وجهة نصه نحو الداخل الشخصي لجوليا حيث نشهد العلاقة الملتبسة بينها وزميلتها مارتا التي ستكون الحاضنة الحقيقية للعائلة الصغيرة المغدورة، قبل ان تدخل صوفيا وهي والدة البطلة علي الخط وتقرر رعاية الطفل خارج السجن كثمن مصالحة لنكرانها السابق لابنتها التي تخلت عنها وهي صغيرة.
تتحول جوليا الي وحش نادرالقوة والعزم علي إنهاء الفراق مع ابنها وتعزل نفسها عن الاجواء المريضة داخل العنبر حتي قيام زميلاتها بعصيان جماعي تضامنا معها. هنا يحدث الانقلاب الكبير في خطتها. ففي احد الزيارات الي دارة والدتها تهرب جوليا بطفلها وتعبر الحدود الي حريتها التي انتزعتها بفعل غير قانوني هذه المرّة. شريط عَرين الاسد يشكل نموذجاً باهرا للساغا العائلية في ارقي حالاتها الدرامية، صاغها صاحب عالم الرافعات (1999) بتأن نادرغلّب عليه درايته في التفاصيل الاجتماعية لعالم المعتقلات ومفاهيم العقاب والعزلات.
سينمائي من العراق يقيم في لندن