صفحات سورية

الافتراق بين القول و الفعل: حزب الوحدة مثالاً

null
فرزند عمر
في مقالة لي بعنوان «شكراً لجميع السوريين أعدتم لي شيئاً من الأمل» نشرت في جدار ومن ثم في أكثر من موقع؛ نوهت بالتفاؤل الذي كان مصدره إعادة ترتيب العقلية السورية من خلال التشبث بالواقع و نبذ الأوهام على أرضية الحوار الذي من شأنه إيصال السوريين لبر الأمان ومن جملة ما أثار دهشتي حينها التركيز على عدم التدخل الأجنبي و اعتباره خطاً أحمراً لا يجوز المساس به و للتنويه فقط كان الاجتماع بصدد إعلان مرجعية كردية و الدعوة كانت موجهة من قبل التحالف الكردي و الذي يضم الحزبين التقدمي الديمقراطي و حزب الوحدة و بعضاَ من المستقلين .
و هنا لن أحاول الدفاع عن الفكرة و التي مفادها عدم السماح للتدخل الخارجي مع أهميتها من الناحية الوطنية لكن سأناقش الافتراق السلوكي القيمي من خلال هذه الفكرة و الذي يعبر عن الافتراق بين القول و الفعل
إن حزب الوحدة يتبنى القيمة المعينة بعدم التدخل الخارجي و يتبنى هذه الفكرة و ذلك من خلال بياناتها و آرائها و حواراتها و آخر دليل ما لمسته من خلال المداخلات التي تمت في الاجتماع الذي نوهت إليه سابقاً و الذي دعيت إليه كأحد المستقلين المهتمين بالشأن العام السوري
إن هذا التبني لفكرة أو قيمة يفقد صلاحيته في حال عدم اقترانه بالسلوك ففي تاريخ 11/12/2009 نشرت أغلب الوسائل الاليكترونية خبراً تحت عنوان ” وزارة الخارجية الألمانية ترد على رسالة حزب الوحدة الديموقراطي الكردي في سوريا –يكيتي- و تؤكد متابعة مراقبتها لوضع حقوق الانسان و القضية الكردية في سوريا ” كذلك قامت تلك الوسائل بتأكيد ذلك بتاريخ 21/12/2009 تحت عنوان ” حزب الوحدة: تقرير شامل بخصوص نشاط فرعنا في وسط وجنوب ألمانيا حول مقتل المجندين الكورد في الجيش السوري في ظروف غامضة ”
إن كلتا النموذجين تؤكدان على بعث رسالة واضحة للطرف الآخر و الذي هو ( السلطة الألمانية ) لما يجري في سوريا من انتهاكات لحقوق الأكراد و لست هنا بصدد مناقشة تلك الانتهاكات إنما بصدد مناقشة فكرة عدم التدخل الخارجي و التي يتبناها حزب الوحدة في أرائه الكتابية و الشفوية .
إن مفهوم عدم التدخل الخارجي ملتبس خاصة ضمن الأوساط السياسية السورية و يعود ذلك بالدرجة الأولى إلى ضبابية مفهوم الخارج و كنت قد نوهت عن ذلك في عدة مناسبات هذه الضبابية ناجمة في الأساس عن تبني الرؤية الأيديولجية بدلاً من الرؤية الواقعية و التي هي أساساً تشكل اللبنة الأم لمسألة ضياع الهوية السورية فالجزائر ليس خارجاً بالنسبة للقومين العرب و أكراد تركيا و العراق و إيران ليسو خارجاً بالنسبة للقوميين الأكراد و المسلمين ليسو خارجاً بالنسبة للإسلاميين و هكذا فمشكلة العربي في الجزائر بالنسبة للمواطنين العرب السوريين المؤدلجين هي أهم بكثير من مشكلة يعانيها مواطن كردي من سوريا و بالعكس مشكلة كردي في تركيا هي أهم بكثير من مشكلة مواطن عربي سوري من السويداء لدى المواطنين الأكراد السورين المؤدلجين و هذه الآلية الأيديولجية التي بقرت الواقع السوري منذ سنوات مازالت تلقي بظلالها إلى يومنا هذا لذلك كان من العسير تحديد الخارج من الداخل ضمن الأوساط السياسية السورية كما هو الحال في باقي الدول العربية و الشرق أوسطية بشكل عام نتيجة سيطرة الأيديولوجية على الواقع .
يضاف إلى ذلك مفهوم المجتمع المدني و تنحيته جانباً على أنه يشكل دائرة متخارجة عن السلطة فالخارج يعني بالضرورة الدولة ككيان سياسي يمتلك مفاتيح الأقاليم السلطوية مع أن ميشل فوكو قام بتوسيع فكرة السلطة لتشمل حتى أدنى الفعاليات المجتمعية إنما سوف نتغاضى عن أفكاره على الأقل في هذا المقال .
و لذلك كله نقول :
1 – إن ألمانيا كدولة لها استقلاليتها و غير منتمية لأي من الأيديولوجيات السورية المتضاربة فهي ليست ببلد عربي و ليست كردية و هي مسيحية و ليست شيوعية أتساءل كيف يمكن إخراج ألمانية من دائرة الخارج عن سوريا ؟ ( فهي على ما أظن أنها تمثل الخارج على حسب إدراكاتي الفكرية )
2 – المستشارة الألمانية – وزارة الداخلية الألمانية – وزارة الخارجية الألمانية و يضاف لها الطغمة الكبرى وزارة الدفاع أتساءل أليست هي أعمدة السلطة في الدولة الألمانية ؟
3 – جاء في نص الرسالة الموجهة ما يلي ” وبهذه المناسبة نطلعكم على نوع جديد من انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها الشعب الكردي في سوريا ونرجو من جميع الديموقراطيين ومحبي السلام و حقوق الإنسان الدعم والمؤازرة” . أتساءل هل الدعم و المؤازرة المطلوبتين هنا هي خارجة عن مفهوم الاعتماد على الخارج ؟
أخيراً و ليس آخراً
إن بعث رسالة إلى أي جهة في العالم ليست بالأمر الجلل فهي تتم بضغطة زر خاصة مع التطور الهائل في وسائل الاتصالات و الرد على الرسالة من أي جهة تأتي بشكل روتيني لكن يجدر بنا إن كنا فعلاً نعتبر أنفسنا مسئولين عن أحلام و آمال مواطنين يسعون للعيش بكرامة فقط و كنا فعلاً ندرك أن تصرفاتنا ربما تعود بالكوارث لا بالحلول و أن نعد للعشرة كما يقولون في المثل الشعبي و أن نكون على الأقل أوفياء لآرائنا من خلال ملازمتها بالسلوك لا من خلال جعلها شعارات لكسب بعض المكاسب الحزبية الضيقة باستثارة العواطف لدى الشعوب المغلوبة على أمرها و بيعهم مزيداً من الأوهام و الأحلام المزيفة و أتساءل سؤالاً أخيراً أما كان الأجدر بهذا الحزب أو ذاك أن يقوم برفع كتاب إلى وزارة الدفاع السورية و تبيان حالة الوفيات المتكررة في الجيش ؟ و ربما لن تنفع أكثر من تلك التي رفعت إلى الحكومة الألمانية لكنها بالتأكيد لن تزيد الشرخ بين فئات الشعب السوري

عفرين 28/12/2009
موقع جدار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى