المعارضة السورية: لملمة جراح العزلة الشعبية والطموحات السياسية
بشار العيسى
“عقد المجلس الوطني الموسع لإعلان دمشق دورته الأولى يوم السبت في 1/12/2007، وشارك فيها 163 عضواً من أعضائه المنتخبين والمنتدبين من مختلف القوى والهيئات ومن الشخصيات الوطنية المستقلة المنضوية في إطار إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي“.
بهذه الكلمات توافقت (أطياف) إعلان دمشق على الإعلان عن انعقاد مجلسهم الوطني هادفين أن يكون رافعة للعمل الوطني السوري باتجاه التغيير الوطني الديمقراطي السلمي.
منذ أن صدر هذا الإعلان وبدل انطلاق ورشة العمل من اجل وضع أسس عملية التغيير غرقت أطياف وأطراف الإعلان وأتباعهم المنافي في وحول الخلافات/ الخصومات المتجددة التي لا زالت تكبح دواليب عربة الانطلاق، يكاد لا يمر يوم دون أن يشهر سيف أو خنجر مزنجر من تحت التراب، أو تدبج مقالة في التخوين أو تساق تهمة بين رفاق الأمس وحلفاء كل الأيام وخصوم تحت المائدة. والمواطن السوري المهان، بكل ما للكلمة من معنى، والمقموع المحروم، في كرامته وحريته ولقمة عيشه، في فصل البرد الشرق أوسطي هذا حيث تنتظر كل يوم مئات آلاف الأسر في محطات الوقود، صفيحة مازوت يتدفأ بها الأولاد قبل أن يذهبوا إلى المدرسة أو حين العودة منها، ولا يهمهم الناس ـ حسبما نعتقد ـ شدة ونقاوة المعايير الديمقراطية في دم هذا أو الوطنية القوموية في دم ذاك، ولا ما إذا كان هذا المنتفض في وطنيته المشبوهة ( على ذمة البعض) على حق، أو ليبيرالية ذاك الإعلامي، الحزبي، الباحث ( حسب ذمم أخرى) على باطل. ولا يهم السواد الأعظم من المواطنين السوريين درجة حساسية الخيط الفاصل بين رمادية المصطلح ونصاعته في الصياغات التي تتبارى بها (النخب) ونضعها بين قوسين، في الحشد لأفكارها البرنامجية المقدسة، التي يترصدها جهابذة المؤتمر القومي العربي من أمريكا، التي يحاربونها في عقر دارها، وهم (السواد الأعظم) يستشعرون باليقين المؤكد أن هذه السلطة باقية مادامت أجهزة القمع والفساد والسلبطة تقيم معاقلها على مسافة شعرة من مراكز استشعارهم.
كنا نتمنى لو أفصح المنتصرون بالمجاز الديمقراطي في هيئات الإعلان الجدد، لجمهورهم وللمراقبين على أساس أية لوائح تنظيمية تمت الانتخابات والانتدابات وكنا نتمنى لو أن القائمين بالأمر، للشفافية واحترام الرأي العام، كشفوا متوسط أعمار المندوبين وكذلك المنتخبين هكذا بدافع حب الفضول، والله.
للأسف يفضح الواقع البلاغة، واقع المعارضة أو المعارضات( بخيرها وشرها)، وواقع السلطة بطغيانها واحتقارها للوطن والمواطن ومفهوم الدولة، فالمعارضة أبعد ما تكون عن هموم الناس ومعاناتهم ـ برأينا المتواضع جدا ـ ولذا فأنها تبقى تتلهى بما يبقيها معزولة وبمنأى عن آلام الناس وأحاسيسهم بالغرق في معاركها الوهمية كالمدمن ولوفي قراءة الأناشيد ودلائل الخيرات.
منذ أكثر من سبع سنوات ونحن جميعا، وفي المقدمة منا، القائمون بأمر إعلان دمشق نتوارى خلف الشجرة كي لا نرى الغابة بالتهرب من العمل الميداني إلى آفاق النظرية الرمادية والبحث في اصل الملائكة ، وترياق الديمقراطية، من الهموم والمهمات الداخلية للوطن والمواطن إلى عمليات قيصرية خارجية لا وجود لها في الواقع. هذه حالة سورية مزمنة وهي نتاج تداخل نظري بين آمال وأحوال وضعف حيلة معارضة حزبوية غير شعبية مع سلطة قمعية مافيوزية. فنراها تعمل خبط عشواء في تيه المصطلح والأحداث: سياسات كامب ديفيد، التسـوية، وتداعيات الاحتلال الأمريكي للعراق والمتواتر اليومي الفلسطيني بين اوسلو والجدار العازل، وأوهام ومخاطر وفوائد احتمالات الديمقراطية على ظهر الدبابة الأمريكية واستطالات الديمقراطية في السياسة الأوربية والآمال المعلقة على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. ببساطة أكثر تستسهل (نخب) أن تحصر مهماتها في التخندق بمواجهة أمريكا والصهيونية بالالتفاف على غضب السلطة وعصاها والاكتفاء بين فترة وأخرى بالتنزه الحقوقي في شاحنات الدرك في جولة سيران على طريق ضمير وآخرين يضاعفون الدوز اللفظي في احتمالات، ربما وعل وعسى؟ تأثير الخارجي على الداخلي المتأزم، يوفرون على القابعين في خنادق الممانعة( الإلهية) تهمة المراهنة على الدبابة الأمريكية المعطوبة.
لقد أثبتت المعارضة، مع احترامنا لتضحياتها المجانية وتضامننا مع معتقليها في لياليهم المعتمة الموصدة الأبواب، في تعاطيها مع الأحداث السياسية، افتقاد نباهة التزود بالحس الشعبي الداخلي وهي تظل أسيرة الحدث الخارجي المحيط مما يوفر لسلطة الاستبداد الغرف من أخطائها. فشكل التعاطي مع الحدث اللبناني على تعقيداته ومع قوى 14 آذار يستفز قطاعا واسعا من الشباب السوري المهيج بتداعيات حرب تموز 2006 وواقع المشهد العراقي وفاحشة المجازر الفلسطينية فضلا عن القرف الذي يشعر به قطاع كبير من المواطنين السوريين وهم يرون خدام ضيفا، دائما، على قناة المستقبل يبيع الماء في حارة السقائين. في حين لم يوفر خصوم الفائزين في الانتخابات الأخيرة لإعلان دمشق بكيدية لئيمة إضفاء كل المصداقية على سلوك السلطة المعادي أكثر مما تفعل أجهزة السلطة وأبواقها الإعلامية فما الفرق للمراقب الحصيف، بين خطاب ومبررات خالد السفياني ومنذر سليمان من جهة ومحاججات بعض قادة تيار الممانعة وأتباعهم من لجنة نصرة العراق ـ وبينهم وبين محسن بلال أو نعسان آغا من جهة أخرى؟
نقول مقتنعين، لم يختر عارف دليلة ولا ميشيل كيلو أوأنور البني أو كمال لبواني وغيرهم الذهاب إلى المعتقلات كي ينشغل بالدفاع عنهم، كامل الوقت، حتى الضائع، رفاقهم ونشطاء العمل الوطني والتغني بهم ورفع المآذن لهم أو رسم خطوط وطنية حمراء لاعتقالهم، وإلا لكانوا مازوشيين نرجسيين غارقين في أوهام الفروسية.
أن خير تكريم ودفاع عنهم، هؤلاء وغيرهم من المواطنين العاديين المعتقلين في جلودهم ولقمة عيشهم، هو تحويل المهمات الكلامية ومجالس العاشوراء الحقوقية إلى فعل سياسي لإنجاز المهمة التي انتصروا لها بالحشد لمهمة سياسية ببرنامج واضح تفهمه وتتفهمه العامة، حتى تصبح مهاماتهم قضية وطنية أي شعبية محاطة بحرارة الناس، البشر العاديين ولا يتم هذا إلا بالوصول إلى نبض الناس بتبني قضاياهم وليس التغني بمآثر المظلومين المعتقلين ومثلهم في الشعب ملايين أكثر تظلما وتألما. أن قضايا: الغلاء وتفشي الفقر والنهب من المال العام وافتقاد الخدمات الضرورية للحياة وتدهور التعليم وتحول المدرسة إلى سيرك سلطوي لإنتاج الأمية، فضلا عن ظاهرة التشيع التي افقأ العيون والحضور الإيراني الفاحش تحت سمع وبصر الناس وفي أماكنهم المقدسة في استقواء وقح بخلطة السلطة وتفاهماتها الإقليمية الإلهية، حتى في الأرياف العلوية، وانتشار الحسينيات الغريبة عن المجتمع السوري والتوترات الطائفية والمذهبية التي ما تفتأالسلطة تغذيها في السر والعلن لهي مهمات تقتضي من المعارضة ألا تترفع عن الخوض فيها مع الناس تحت أية ذريعة أتت. ناهيكم عن الممارسات العنصرية المتزايدة ضد الكرد والتي تشنف آذان البعض في أطياف بائسة من المعارضة وفي الجوار الإقليمي مثل الاعتداءات اليومية المتكررة من إيران وتركيا على كرد الدولتين.
أين يكمن مرض وخلل عمل هذه المعارضة إذاً؟ ولماذا تذهب كل التضحيات هباء تذروها الرياح؟ و الأعمى يرى بحدس ضميره أن قسما كبيرا منها ما زال يقدم منذ ثلاثين سنة تضحيات من لحم قياداتها وكوادرها، وهي لم تبخل على ضعف قدراتها وهي تتقدم إلى مهمتها بنكران تتواجه وسلطة طغيانية بامتياز؟ أهو الإدمان على التعود ؟ أم الانعزال بغير قصد لقلة خبرة أو ضعف تواصل مع جسد الشعب؟ أم أن الثقافي/ الشعري فيها يطغى على السياسي/ العملي( على ما للاثنين من ايجابيات وسلبيات) إن لم تتكامل أدوارهم ؟ أم أن قيادات العمل الوطني ترهلت وصار من اللازم أن تجدد القوى شبابها بالفعل لا بالكلام المخدر أي برفد الساحةـ ساحة القيادة ـ بجيل شاب أكثر ديناميكية وعقلانية وحيوية ميدانية؟ لا أن نبقى نبكي ونحمل السلطة وزر عدم انخراط الناس في السياسة كما عودتنا الأدبيات الحزبية المكرورة
الحروب الصغيــرة
في سنوات الجمر بداية الثمانينات كانت المعارضة الوطنية شيوعيين ويساريين قوميين، نقابيين ونشطاء سياسيين أسرى السجون و الاختفاء القسري والملاحقات بالآلاف، فضلا عن عشرات آلاف الإسلاميين ناهيكم عن المدن المحاصرة والشوارع المزنرة بالكولبات الأمنية والبنادق الخارجة من مؤخرات سيارات الرانج التي كانت توزع الرعب والهلع في دمشق وحلب وحمص وحماة ودير الزور وجسر الشغور واللاذقية.
في تلك الأيام لم نستغرب ولم نستهجن، رغم الآلام القاسية، أن نخبة ثقافية وأخرى سياسية ـ ممن شكلوا لاحقا، بعد عشرين سنة، نواة وجمهرة ربيع دمشق ـ بقيت تمارس حياتها اليومية والمهنية وحتى السياسية في أمان بمنأى عن الرعب والظلام لا بل كان البعض منهم يمارس بحقنا، ضحايا تلك الأيام، نقدا قاسيا ودروسا في الوطنية والتقدم.
كنا ننظر للأمر بطريقة لا ترى ضرورة أن يوقف الآخرون حياتهم بمجرد أننا في الموقع الذي اخترناه بإرادتنا وزاوية رؤيتنا: ما يشبه المغامرة في مواجهة سلطة دموية فاشية إلى جانب شعبنا الأعزل تحت يافطة وشعارات وطنية وقومية، ربما لم تثبت الحياة صحتها أو بينت خلل بعضها، مثل رفع شعار إسقاط السلطة تضامنا مع الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية منتصف السبعينات، على سبيل المثال لا الحصر، التي لم تنتبه أقسام كبيرة وأساسية منها حتى إلى تضحياتنا ولا مواقفنا.
مع ذلك، رفعنا شعار الجبهة الوطنية العريضة من أجل التغيير الوطني الديمقراطي وعيننا على قسم كبير من المتعاونين مع السلطة، رغم الآلام لم نخوٌن أحدا ولم نلعن الظلام ولا المخالفين لرأينا ومواقفنا بل على العكس كنا مقتنعين أن هؤلاء لن يكونوا إلا احتياطي العمل الوطني المعارض في الوقت المناسب وهذا ما صار وحدث في ربيع دمشق صار قسم كبير من هؤلاء نشطاء حركة إحياء المجتمع المدني وبعضهم اليوم أسرى المعتقل بشجاعة ونبل وطنيين ويحتل آخرون غيرهم مكانهم في قيادات الإعلان.
في مستوى آخر ظلت دمشق تستقبل على مدى عشرين سنة الأخيرة من سلطة الأسد الأب، قوافل القيادات اللبنانية التي أصبحت فيما بعد قيادات 14 آذار( المغدور رفيق الحريري ووليد جنبلاط وأتباعهم الكثر، خاصة المغدور جورج حاوي الذي نزل ضيفا على آل الأسد أكثر من عشر سنوات). طبعا كان يحز في قلوبنا حينما كان الأخوة اللبنانيون يتهموننا بالانحياز إلى الشيطان في معارضتنا للسلطة في دمشق التي كانوا ينظرون إليها باعتبارها قلعة الصمود والتقدم العربي، لم نيأس لمنطق التحالفات والاستقطابات تلك، في بلد كان محتلا من سلطتنا بغطاء دولي وعربي فكان علينا واجب جبر الخاطر ولم نزل.
نسوق هذا الكلام الآن، بمناسبة المواقف الهيجانية التي تتبدى هنا وهناك عن وحول وفي احتفالية دمشق برسمها عاصمة للثقافة العربية. صحيح أن دمشق مثلها مثل كل الوطن السوري، محتلة من سلطة طاغية فاجرة بأكثر المصطلحات دبلوماسية، وصحيح أن الاعتقالات الأخيرة لقيادات في إعلان دمشق والمشاحنات التي رافقت الخلافات بين أهله، جعلت من الألم الذاتي سلاحا في الكيد للخصوم الذين لم يوفروا تهمة تفيد السلطة ولا تحتاجها إلا واشهروها في وجههم لكن الأحقاد تصبح موجها سيئا في السياسة، حسب تعبير ياسين الحافظ، والخصومات الوقتية لا تدوم حتى وأن تناقضت الإجتهادات، وهذا حال المعارضة الوطنية السورية منذ أكثر من ثلاثين سنة.
خاصة وأن هذه المعارضة أصبح لبعض أطرافها ورموزها السياسية والثقافية أكثر من أربعين سنة وهي تجتهد لتتعايش مع هذا النظام/ السلطة، ويا ما راهنت قوى منها على مدار السنين على احتمال تحولات لا بد أن تطرأ على هذه السلطة وعلى تحول التناقضات من ثانوي إلى رئيسي ورئيسي إلى ثانوي، كما فعل حزب/ رابطة العمل الشيوعي مطلع الثمانينات حين جمد شعار إسقاط السلطة، لأولوية معركة القضاء على الرجعية الدينية الإسلامية على معركة إسقاط السلطة، كما أن قوى “التجمع الوطني الديمقراطي” راهنت مع نهاية الثمانينات على مصالحة وطنية ما، مع النظام في ضوء رياح التغيير الدولية، ولا نأتي بجديد: أن نخب ربيع دمشق طمحت رموز أساسية فيها على دور ما، تسديها السلطة الجديدة الوريثة، لها، دور يسمح بالمشاركة في تبادل خدمات تسهل التغيير الوطني الديمقراطي بالانتقال التدريجي من الاستبداد إلى حالة ديمقراطية ما، ويمكننا إيراد العديد من الأمثلة على طروحات المصالحة الوطنية هذه و التي لم يبق احد إلا وغرف من شوربتها فما عدا مما بدا اليوم؟
أن الآلية التي ترد بها قوى إعلان دمشق وخصومهم على بعضها البعض وفي طريقة ردود الأفعال اللفظية التي تتواجه والشحن العدائي التخويني التكفيري توحي وكأن حدثا جللا يحدث لأول مرة متناغمة مع أصوات من داخل لبنان وصلت إلى حد تجريم الفنانة اللبنانية فيروز وتحميل مثقفين سوريين وعرب وزر أخلاقيا لمشاركتهم احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية وكأنها معركة مصيرية. ولا يشفع لقائل أن المواقف تلك مسؤول عنها كتابها حين تنشر على مواقع ذات مصداقية ومسؤولة.
لا يجوز للمعارضة أن تطالب بتوقف الحياة والفرح في البلد لأنها تتألم على معتقليها على أهميتهم ولا يجوز لنا أن نستغرب أن تبادر هكذا سلطة نسعى إلى تغييرها أي القضاء على مصالح المنتفعين بها وما أكثرها في ألا تمارس الاعتقال بحق من يريد رأسها إذا كنا نصدق جادين ما نقوله في برامجنا على خفتها وضعف فاعليتها إذ من الطبيعي جدا أن تمارس سلطة قمعية فاسدة عائلية القمع والإرهاب، أما غير الطبيعي هو أن نقدم لها على طبق وبغباء خلافات و مبررات لا تحتاج إليها.
ونعتقد أن هذا لم يغب عن بال قيادات إعلان دمشق أو دمشق بيروت ـ بيروت دمشق وخصومهم /حلفائهم
في آن، كما لا يجوز لهذا السبب أو لغيره تكفير نخب ثقافية سورية تعمل ( غير متورطة بجرائم السلطة وغير مشكوك في وطنيتها البتة) في أطر مؤسسات الدولة ودوائر أنشطتها سواء أكانت احتفالية دمشق عاصمة للثقافة أو مهرجان السينما أو معارض الكتاب أو الفنون أو مؤسسة السينما أو اتحاد الكتاب، ففي بلد مثل سوريا، يعمل البشر بغير خيارهم في مؤسسات دولة أصبحت ملكية مؤممة لسلطة مستبدة في صيغة رب عمل وحيد، فأين يعمل الناس وكيف يعيشون في بلد كله ملكية خاصة للدولة والدولة ملك للسلطة والسلطة والحزب مملوكان للعائلة والعشيرة.
إذا لا يجوز تخوين ولا تسفيه ولا حتى مؤاخذة بالأملية أو بغيرها (حنان قصاب حسن أو نائلة الأطرش أو جمال سليمان أو تيم حسن أو ناديا خوست أو سهام ترجمان أوبندر عبد الحميد، حسن م يوسف أو حسن يوسف أو يوسف سلامة أو وليد معماري أو لقمان ديركي أو مروان قصاب باشي او شريف خزندار، عابد عازرية أو المئات من الشرفاء الذين تزخر بهم مؤسسات الثقافة في سوريا على قلة حيلتهم ….. ممن لا يمكن بسبب قدراتهم الإبداعية أن يكونوا مبتذلين بمعايير السلطة بالعكس يمكن لأمثال هؤلاء أن يشكلوا روافع تليق بقيمة دمشق السورية بامتياز، سوريا الشعب والوطن إذا كنا صادقين في تباكينا على ما تبقى من البلد ومن الحواري والأحياء ولا زالت النخب الثقافية المبدعة واضعين خطين تحت مبدعة في سورية من أقل النخب العربية تلوثا بسلطات بلدها وربما لهذا السبب فأن معارضتنا العرجاء هذه التي نحن منها لم تستطع بعد مد جسور التوافق معهم لعجز أو لضلالة.
أن الشعب السوري المنكوب على مدى أربعين سنة بسلطة البعث ونظام الأسد يليق به أن يتمرى روحه كما تعود في صدى صوت فيروز فلماذا تحرمونه هذا الحق وبأي حق؟
يحق لدمشق أن تحتفل وأن تزهو وتتباهى وأن تستمتع “أمة فيروز”، حسب تسمية لقمان ديركي، بصوت فيروزهم وهي تغرد أو تغني أو ترفع الحنين إلى الحنين ودمشق ضاقت بها الفضاءات الملتاعة بقاسيون والدروب القادمة من طلوع الثنايا والغفوات المنقطعة عن الرياح البنفسجية والغوطة الشرقية تسهر على تسرب الصحراء. واعتبروها قادمة في سرفيس إعلان دمشق بيروت ـ بيروت دمشق.
لتحتفل دمشق بسطوتها التاريخية في مواجهة سطوة الطاغية الخلبية الذاهبة إلى النسيان كما تذهب رياح الزوابع الخريفية إلى الغبار. من يتذكر اليوم سوموزا وبينوشيه وفرانكو وشاوشيسكو وبول بوت؟ فالطغاة هم من يخافون المدن العصية على التدجين والترييف فلا خوف على المدن التي تستوعب الطغاة وترميهم بصبر وجلد إلى النسيان.
أن التنديد بتشويه دمشق والتضامن مع المعتقلين لا يعطينا الحق في احتكار هذا الحق وتطويبه لاسم ثلة تفتي بتخوين الآخرين، ولئن خوننا الآخرون فلهم سوء العاقبة، مهما صفت النيات فلدمشق من بنيها ممن يدافعون عنها بالحفاظ عليها ورفعتها وصيانتها جنود مجهولون لا نعرفهم، بالآلاف، يوقتون نبض قلوبهم على إيقاع ضجيج حواريها ويتمرون ذاكرة أجيال وأجيال صباح مساء في مرايا مطعمة بالصدف والنحاس المحفور وأطياب الياسمين و الحمامات الشعبية واللكنة الدمشقية، لكن على طريقتهم وضعف حيلتهم، وهم يخوضون فعلا معركة غير مترفة في مواجهة سلطة همجية متقزمة أمام عظمة المدينة وحضارتها. كما أن لسوريا جنود مجهولون غيرنا، شباب معتق بالقهر والحرمان ممن يحافظون على مسافة منا، ومن السلطة، لهم رؤيتهم الخاصة وأساليبهم الأكثر نجاعة ولذا فـأن السلطة تترصدهم أكثر بكثير مما تترصد القيادات المترهلة مع كبير احترامنا لها، ويكفي إلقاء نظرة على مدد الأحكام الصادرة بحق الطلبة وطبيعة التهم قياسا لغيرهم، لنقف على درجة فهم وخوف السلطة من الخصم الحقيقي.
لذا أن ما نتعشمه في قيادة إعلان دمشق وضع حد لمهزلة المهاترات واستيلاد الخصومات من جانبها على الأقل قبل إصدار التعليمات إلى مزاميرها الخارجية الدفع باتجاه التوتير، أن هذه من مسؤولية القادة المجربين للإعلان للخبرة التاريخية التي اكتسبوها في معترك الحياة السياسية ومن ظلمة الزنازين. فالتحالفات الواسعة ضرورية لاستنهاض الشعب وليس للحصول على كراسي متهالكة’ وهي ليست حميا استنهاض خناقات قبضايات الحارات القديمة، فالتحالفات تكون لخلق جبهات شعبية وسياسية واجتماعية لا يمكن بغيرها الوقوف بوجه هكذا سلطة استبدادية، ونحن نرى الجماهير تنزل بمئات الآلاف الشارع من باكستان إلى المغرب ولا تسقط جنرالا عاديا فكيف بسلطة بلدنا المركبة؟ نكون واهمين إن فكرنا أن بيانا سيسقطها.
نرى ضرورة الإلتفات الجدي إلى هموم الشعب وحياته المعيشية ويكون ذلك بتشكيل لجان ميدانية تقترب من الناس في لقمتهم ودوائهم وهمهم اليومي وهذه مسؤولية الكوادر الحزبية لقوى إعلان دمشق، فالناس تأتي إلى السياسة حين نصل اليهم في مطابخهم وفيغرف الجلوس والمقاهي الشعبية والحارات المعتمة البائسة، حيث الضحايا الأكثر تضررا من الفساد والنهب والتهميش، بالتعرف إليهم قبل التحدث إليهم عن نعم الديمقراطية النبيلة.
خاص – صفحات سورية –