صفحات العالممحمد الحاج صالح

مسلمو الغرب يهدّدون باللغة الثأرية لإعلامهم

محمد الحاج صالح ()
لم يعد غريباً أن يسمع المرء آراء، أو يعايش حوادث، أو يرى ظواهر تدلل على أصولية متشدة بين المسلمين المقيمين في أوروبا. ولم يعد غريباً أن يلمس المرء في الميديا والسينما الغربية ولاحتى في العمل والشارع مظاهر عداء صريحة للإسلام وللمسلمين. يمكن للمرء أن يلتقي بمسلمين يرغبون في تطبيق الشريعة في السويد مثلاً، ويمكن أن يصطدم بمسلمين يؤيدون بن لادن والظواهري ويسمونهما بالشيخين تيمّنا بأبي بكر وعمر. لا شك أن أولاء قلة، بين 6 و8% حسب إحصائيتين ألمانية ونرويجية. لكن نسبة عالية، وهي الأهم، من المسلمين هنا تؤمن بقوة بشيئين أولهما تفسير متشدد للإسلام، أو بعبارة أخرى ترجمة أكثر تشدداً للنصوص القرآنية وللسنة النبوية، وثانيهما عداءٌ صريح أو مُبطنٌ للغرب.
بالمقابل هناك تنميط ونمذجةٌ ظالمة للمسلم في الغرب. المسلم إن لم يكن إرهابياً، فإنه شخصٌ مريب من الأفضل ألا تتعامل معه. المرأة في الإسلام مضطهدة، وهي تضع الحجاب لإرضاء الرجال، وليس أبداً اختياراً شخصياً. المسلم كسول. والمسلم غير صادق. وطبعاً أولاء قلة في المجتمعات الغربية، ولكن هنا أكثرية تؤمن إيماناً راسخاً بأن المسلم “مختلفٌ” عنا، وهو عنيفٌ، لا يؤمن بالمساواة بين الرجل والمرأة، وصعب الاندماج، ولا يتحمل الرأي الآخر.
الطرفان المتطرفان (من الغربيين ومن المسلمين) يلتقيان عند نقطة جد واضحة، إنهما يلتقيان عند أن المسلم مختلف وأنه يجب أن يُعزل أو ينْعزل. أما الطرفان “المعتدلان” فيسودهما سوء التفاهم وتبادل الاتهامات عن المسؤولية في فشل سياسة الاندماج التي ترعاها كل الحكومات الغربية دون استثناء. وسياسة الاندماج هذه تتدرّج بدءاً من اندماج سلس مع الحفاظ على كامل للهوية الأصلية، إلى الانصهار التام ونسيان كل ما يمتّ للهوية الأصلية بصلة.
الوضع مشحون ومتعب للمسلمين الغربيين، وهو قبل كل شيء معيقٌ لأعمالهم وضد مصالحهم، فوق أنه يخلقُ تراكمات من سوء الفَهْم والتشويه المتبادل.
ولهذا فإن مبادرة الجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي لتحسين صورة المسلمين في الغرب ضرورية، وإن جاءت متأخرة. الأهم في المبادرة الصادرة عن اجتماع الجمعة 25/12/2009 أنها وضعتْ خطّةَ عمل، متجاوزة بذلك البيانات. سيكون ميدان تنفيذ الخطة هو الولايات المتحدة، وسيؤجّل التّحرك في أوروبا إلى مرحلة تالية.
وفق الخطة حُددت المجموعات المستهدفة كما يلي: الإدارة الأميركية، والكونغرس، ومراكز الفكر والأبحاث، والجامعات، والمجتمع المدني، وأجهزة الإعلام الأميركية، والمؤسسات الاقتصادية، وبعض الشخصيات المؤثرة في المجتمع الأميركي، فضلاً عن الجاليات العربية والإسلامية، والمؤسسات الدينية الأميركية، والمنظمات العربية والإسلامية الأميركية، والمواقع الإلكترونية.
إن وقوف هذه المؤسسات الكبرى خلف هذه المبادرة يوحي بالأهمية، ويوحى بالأمل المرتجى من تنفيذ الخطة. فجامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والبنك الإسلامي للتنمية، والمنظمة العربية للتربية والثقافة العلوم، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، الجهات المولجة في المبادرة/ الخطة، كلها لديها إمكانيات كبيرة.
إذن ليس من المستحيل أن تنجح الخطّةُ وتبلغ أهدافها، ولكن أيضاً من السهل أن تفشل ولا تؤدي إلى نتائج ملموسة مثلها مثل محاولات سابقة.
أولى الملاحظات على الخطة أنها استثنتْ أوروبا أو أجّلت التحرك فيها، وهذا أمر غير مفهوم، خصوصاً إذا ما وضعنا في الاعتبار حجم المؤسسات الراعية وإمكاناتها على الأقل المادية، وإذا ما أخذنا في الأعتبار أهمية أوربا في صوغ الاتجاه الثقافي في الغرب. ولا أدل على هذه الأهمية المناسبات المتلاحقة للانتخبات العامة، حيث يظهر بند الهجرة والموقف من المهاجرين في رأس البرامج والاهتمامات. وضمنا أو تصريحاً فإن المسلمين هم المقصودون بالدرجة الرئيسية.
ثانية الملاحظات تتعلق بالمجموعات المستهدفة (الإدارة الأميركية والكونغرس… إلخ) وهي مؤسسات قارّة لا يمكن تغيير رأيها بسهولة. كلّ ما يمكن أن يستخلص من هذه المؤسسات هو فتح حوار، وبالتالي تجري جلسةٌ أو جلستان أوثلاثٌ مع أفراد من هذه المؤسسات… ثم ماذا؟ إن لم تكن هناك استمرارية مؤسسية مقابلة ودائمة الحضور في الساحة الأميركية فإن الجهد سيتلاشى ويضيع. أنجع طريقة هنا هي أن تُقلد مجموعات الضغط اليهودية. وتبرز منظمة “كير” الاسلامية كجماعة ضغط مهمة في هذا المجال.
ثالثة الملاحظات؛ فيما مضى قيل الكثير عن تعميق التحرك بعيداً عن المؤسسات الكبرى، إنما من غير ترجمة عملية. فلتحسين الصورة يتوجب الاقتراب من الفرد الأميركي. وهذا يلزمه فرد مسلم بالمقابل. وأعني فرداً مسلماً محاوراً، صادقاً ومتفهماً، ولا يحمل رسالة تبشيرٍ وهداية تضع الآخر في موقع الضلالة، ولا يزحف على الركبتين.
رابعة الملاحظات؛ دون أساس من معرفة الذات، ونقد الذات الذاهبة إلى الحوار لن تكون هناك ثمرة. والحال أن استسلاماً قدريا لمفاهيم مستقرّة عندنا لن ينفعَ بل سيضرّ. فإيماننا القويّ بأننا على حقّ وأن الآخر على باطل، وأن الأمر لا يعدو كونه تعديل وتصحيح زاوية نظر الآخر، فإذا هو يُبصر صورتَنا الصحيحة الوردية؛ إن تصوراً كهذا هو عين العمى. فالآخر ينظر إلى المجموعات الجهادية والأصوليين على أنها جزء أساسٌ من الإسلام، وهو يرى ويلمس أن بعض الجاليات المسلمة في الغرب لديها التوجهات الأصولية ذاتها ثقافياً وسياسياً بدءاً من لباس المرأة إلى العداء الخفي أو الظاهر للغرب. الغربيون ليس أغبياءً على كل حال!
خامسة الملاحظات تتعلق بظاهرة مزمنة جرى عبرها ترسيخ صورة القدوة في الجالية المسلمة، إنها شخصية الناشط أو الوجيه ذي الصلة بالإسلام السياسي، وهذا مما يدفع بأي حوار أو نقاش يحمل في طياته حلولاً وأفكاراً وسطى وتسووية، إلى كفاح بين حق وباطل. كما هو الوضع في البلاد العربية والإسلامية، يتصدر أولاء النشاط الاجتماعي والسياسي والإعلامي لأسباب تاريخية لا مجال لذكرها هنا. ويغيب عن الشأن العام هنا وبشكل شبه تام الروّاد والقدوات غير “الإسلاميين” أعني العلماء والدارسون والطلاب والعمال. إن أي راصد لتوجهات التفكير الغربي سيجد أن الشخصيات المهتمة بالشؤون الانسانية والعلمية والثقافية لها تأثير وصدى لا يتمتع به رجل الدين حتى لو كان البابا، فكيف إذا كان المتصدي لمحاولة تغيير الصورة إسلامياً أصولياً متوتّرَ الكلمات والجمل والأعصاب معاً. إنه العبث بعينه.
سادسة الملاحظات: الميل المستمرّ بين الجاليات المسلمة للاستنكاف عن تأسيس الجماعات والمنظمات والجمعيات ذات النفع العام، إن لم يكن في صلبها تنظيم إسلاميّ. ليس من شك أن أكثرية الجالية المسلمة تتميز بتدين عادي ، نعني أنه ليس تديناً مسيّساً. وهذه الأكثرية لها مصلحة في العمل وكسب المال وتحسين أوضاعها وتنظيم نفسها، وبالتالي شكلاً من أشكال الاندماج. لكنها لم تفرز قادتها، وليس من المؤمل أن تفرز قادتها دون تشجيع من الدول المضيفة، ومن مرجعية في بلدانها كالجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي. إنها كمّ ضائع، أو إنها كمّ يسلس قياده للإسلاميين. وهكذا نعود إلى الدائرة المعيبة ذاتها.
عموماً لا يقدر المسلمون المقيمون في بلدانهم الأصلية إلى أي مدى هو الوضع حرج بالنسبة لإخوانهم المقيمين في الغرب. لذا فإن أحد أهم أسباب نجاح الخطة، يقع في تغيير ذاك الجزء من الخطاب الاعلامي العربي ذي التوتر العالي وذي النبرة الثأرية المهددة، فالآخرون يرقبون ويحللون ويضعون خططاً أيضاً.

() كاتب وطبيب سوري يقيم في النرويج
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى