مخاطر العقد القادم ابنة العقد الراحل
فلورنس غزلان
ــ مع بداية العام الجديد 2010 ، والذي لاتعرف شعوبنا من جديده ولن تعرف سوى الرقم على ما أعتقد، لكنه سيحمل سوءاً أكثر مما حمل سلفه ، لأن مازرع في تراب أوطاننا خلال العقد المنصرم لايبشر بالكثير من الخير، بقدر مايحمل ملامح خوف ورعب ينذر بأسوأ العواقب، لأن المنتج السابق والفاعل خلال عقد برمته لم يكن إلا تتالي واستمرار لكارثة تتبع أخرى ، ولحلقات من الشرذمة والتردي في سلسلة أنظمة لايهمها من عالمها ولا من واقعها الداخلي سوى استمرارها على رأس كراسي نخرها سوس تصنعه ويوقوظها دون شك أعمال تخريبية وإفسادية عملت على توطيد دعائمها معتقدة أنها الضامن والحامي والرادع لمن يرفع رأسه ويعارض خطوطها الحمراء ويتجاوز تعاليمها المقدسة.
ــ النظام العربي برمته أثبت خلال العقد الماضي هزالة قدراته وضعف مقدراته وتردي اقتصاده وانهيار أوضاعه الاجتماعية وإن تماهى بامساكه زمامها، لكن الظاهر غير المبطن ومن يعيش تحت سياط القمع والمنع والإفقار يدرك تماماً أن نهاية هذا الكون العربي تسير هرولة نحو الانهيار والفوضى..ولن تكون فوضاه خلاقة بقدر ما ستكون قاضية ومفتتة، إن لم تصحو رؤوس أعمتها السلطة ولم الأموال واكتناز الثروات على حساب شعوبها، أو أغراها الدعم من العالم القوي فأركنت وأسندت رأسها، أن لابديل لها لأنها الضامن لأجندات لاتستغني عن خدماتها، ويكفي لمن يملك بصراً وبصيرة أن ينتقل بقراءته للواقع العربي من أقصى شرقه لأقصى غربه ليرى هول المرحلة وهول المخاطر المحدقة بهذا العالم الذي لاتليق به إلا تسميتة ب ” عالم البؤس ” .
ــ ولكي نرى حجم الخطورة يكفي لنا أن نعيد معاً صحوة السيدة الناطقة بلسان القصر الجمهوري “ بثينة شعبان ” حين استيقظت من سباتها على وقع حوافر السلفية وراحت تصرخ ببعثييها ” وابعثاه” أغيثونا فواقعنا مخيف وأنتم المنقذ بفضل مازرعناه فيكم من دجل وكذب وافتراء وفساد وتضليل لشعب ضاق المر على أيديكم منذ منحناكم الحق في أن تكونوا قادة للدولة والمجتمع” حسب المادة الثامنة من الدستور السوري المعدل عام 1973 ” نعم توجهت للمنقذين الأشاوس من حزبها!!، وهي العالم الداري أن المخاطر وقعت على أيديهم!!، لم تسال نفسها سيدة العفاف والدلال مَن أوصل سوريا وكيف لهذه الحال؟ وهل اقترحت أو طرحت برامجاً وحلولاً تثقيفية توعوية على الأقل في المدارس والجامعات؟ هل قامت بجولة تفقدية وزيارة للأحياء الفقيرة وبؤر السلفية؟ هل زارت المعاهد التي تقوم على تخريج المعلمين والمدرسين؟ وماذا يحملون في رؤوسهم من تنوير لأولادنا جيل الغد والمستقبل؟ أو هل قرأت المناهج التعليمية وما تحشو أدمغتهم فيها من تجهيل وتضليل وتسخيف لكل أصول العلم والمعرفة وطرق إيصالها للتلميذ ؟
هل قامت بجولة للوزارات والدوائر لترى بأم عينيها كيف تغيرت معالم ووجوه الموظفات فصارت تعج الدوائر بالمحجبات والداعيات وتلميذاتهن؟ …وحتى تكونوا على بينة اسمعوا هذه القصة التي روتها لي إحدى الموظفات في أكبر المؤسسات الحكومية وأضخم دوائرها الرسمية في العاصمة دمشق، قالت الموظفة: ــ كنت ومجموعة صغيرة من الموظفات لاتكاد تتجاوز أصابع اليد الواحدة السافرات الوحيدات،إنما كنا نعزي النفس أن العقل مازال موجودا لدى بعضنا وأن الحجاب ليس من ضرورات الإسلام ولا من معالم الأخلاق، لكني هذا العام صرت الوحيدة مع أخرى مسيحية فقط ، لدينا في المؤسسة أربع داعيات وماتبقى تابعات لهن، يقمن بخلع مانطو الداعية وغسل يديها والتمسح والتبرك بها والإسراع لخدمتها على مرأى من الجميع وخاصة في المُصلى ودورات المياه ــ انتبهوا هذا المصلى لم يكن له وجود سابقاً في أي دائرة من دوائر الدولة!! ـــ ليتكِ تشاهدين كيف يقمن على خدمة الداعية والتبرك بها، بل وصل الأمر إلى حد أن قَدُمت على غرفتي إحدى الموظفات الجدد وسألتني إن كنت أعرف السيدة ” نون ” فأومأت بنعم فما كان منها إلا أن نهضت ولمست يداي تتبرك بهما لمجرد أني أعرف تلك النون!، علما أن هذه النون لاتعني بالنسبة لي شيئاً ولا أقيم لها وزناً ولا أجد فيها مايوحي بالوعي ولا بالفقه ولا بالفهم والذكاء أو حتى معرفة معنى من معاني الحياة!…من الذي سبب بتوالد وتكاثر هذه المظاهر ياسيدة بثينة شعبان؟ لماذا لم تكن جامعة دمشق أيام كنتي فيها طالبة على ماهي عليه اليوم؟….من السبب ؟ من زرع كل هذه الآفات الاجتماعية في عقول بناتنا، فبتن يتلذذن بالعبودية وينعمن بالطاعة العمياء ويلغين العقل ومنافذ الرؤيا ويتنافسن على التذلل، ويزرعن التخلف ويورثن الحقد على الآخر المختلف، ويدرن الوجه لمن يحمل لوناً مغايراً أو يفرح في يوم غير يوم فرحهن؟ من الذي زرع بذور التفرقة والشقاق في نفوس أبناء سوريا وغَيَّرَ من الانتماء الوطني السوري بحجة الانتماء القومي العربي والإسلامي، فلا هو أفلح قومياً ولا حصد عروبياً، لكنه بكل تأكيد فَرَّقَ وغَرَّرَ وأمعن في غرس السلفية الإسلامية لا الانتماء لإسلام عقلاني وإسلام يقبل بالآخر ويتعايش معه كما تعايش في العصور الغابرة وكما يتعايش إسلام الجارة التي تنفتحون عليها اليوم بعد معاداتها عقوداً ” تركيا” علماً أن سوريا بتاريخها كانت الأقرب للإسلام التركي والوارثة عنه الكثير من ثقافة العقلانية والإصلاح…
ــ لكن السؤال الأهم في خضم محنة هي واحدة من محن يعج فيها الوسط الاجتماعي والسياسي السوري.. ما معنى هذه الصحوة المتأخرة؟ وهل هي سبب التردي الوحيد؟ لم تقل السيدة بثينة كيف يمكن لبلد أن يقوم في وقت نقفل فيه أفواه الناس ونطالبهم بالأكل والنوم فقط؟ وكيف يمكن لبلد أن ينهض في وقت تغلق فيه السجون على أصحاب العقل والثقافة وأصحاب العلم والوعي والصحافة والمنافحين عن الحق الإنساني ، بينما نفسح المجال أمام المحرضين على الطائفية ومن يزرعون الفساد وينهبون لقمة المواطن ودواءه؟ هل تعتقد السيدة بثينة أن تشديد القبضة الأمنية هي السبيل للعمى والتعامي عما يدور في حواري وأزقة وبيوت ومدارس وجامعات ومساجد سورية؟ أم أن اعتقال هؤلاء العلمانيين والإصلاحيين سيقرب من السلطة ويحميها من تغول السلفية وبذور الشرذمة التي مارستها وتمارسها السلطة ورجالات أمنها؟ لم يتعلم هذا النظام وهل تعلم قبله نظام مصر من تاريخها القريب؟! ، وهل الانفتاح على الغرب أو انفتاح الغرب على أنظمة الفساد والاستبداد سيقيها القادم؟ لم يحمِ الغرب الرئيس السادات، ولا حمى نظام حافظ الأسد أيام الثمانينات، ولا نظام صدام حسين في ثورة البصرة وما تلاها ..ولا حمى نظام اليمن مما تعيشه اليوم ومايهدد وحدتها جنوبا وشمالاً، ولا أمن الجزائر والمغرب وتونس…ولا منع لبنان من اعتداء إسرائيلي أو عبسي في نهر البارد وفتح الإسلام، ولن يقف حائلا أبداً أمام تفجير الوضع القابلة فتيلته للاشتعال أمام نقص وتلوث الحياة بكل أبعادها ومعانيها وتردي حالها، فحيث تكبر وتتسع مساحة الفقر تكبر مساحة الإرهاب وتتسع رقعة النكوص نحو تاريخ حمل بعض البطولات ، لأن أنظمتكم لم تحمل لشعوبها سوى عار تلو عار وانحدار تلو الآخر ومجاعة يتكدس على أبوابها ذباب الفقر وحشرات الذل في أحزمة المدن الصفيحية، ماذا حققتم خلال عقود وليس فقط هذا العقد المنصرم ؟ لم تجن شعوبكم سوى الويلات التي جرتها عليهم أنظمتكم الديكتاتورية ــ وإن اختلفت النِسَب ــ فكلكم في القمع والسُوءِ سواء بسواء، فلا على صعيد وطني وقومي أعدتم أرضاً محتلة ولا أنصفتم شعوبكم بعدلٍ أو باقتصاد ونمو يقيهم شبح العوزوالظلم، ولا أنقذتم شعباً يجوع ويضيع بين أيديكم العابثة بمقاديره والمختلفة على تنازع الأدوار والسَبق في المقاومة والسلام والاستسلام لشعب فلسطين الضائع بين تدخلاتكم وأجنداتكم وأجندات إسرائيل وصراع النفوذ في دول تتمدد على حساب انحساركم السياسي والوجودي ومصالح الدول الكبرى، بل إن هذا مايضمن لكم سلطاتكم..بقاءكم مرهون بالاختلاف بين بعضكم ، بقاءكم مرهون ببقاء إسرائيل، وسلامكم ومقاومتكم ماهي إلا شعارات لإلهاء شعوبكم ، وكلما أمعنت القضية في الخسارة وغرقت في وحل التشرذم والانقسام كلما طال عمر هذا النظام أوذاك، وكلما زرعت الخلافات بين حماس وعباس ، كلما زادت تدخلاتكم وانتصر هذا التحالف الممانع على ذاك المعتدل أو العكس، فمَن الرابح في معارك الشد والجذب سواكم؟
ــ هل هناك بينكم دولة لها موقع وموقف عربي أو عالمي يبعث على الفخر والاعتزاز؟ أو هناك نصر ما صغر أو كبر يدغدغ بعض الأحلام وينعش بعض الآمال؟ هل هناك باب أمل في بناء أو اكتشاف يرسل شعاع نور ويحمل طعماً أكثر حلاوة يبشر بغدٍ أفضل؟
ــ وكي لانكون من الناكرين ونغفل بعضاً من انتصاراتكم واختراعاتكم العالمية فلن ننسى أن نذكر شعوبكم المنكوبة بكم أن تفخر بما أنجزتم فللتاريخ نقول أننا فعلا دخلنا موسوعة غينيس في أكبر منسف للكبسة السعودية!، وأكبر صحن حمص وتبولة لبناني!، وأكبر علم وطني في الإمارات!، وكذلك أعلى ناطحة سحاب كلفت ميزانيته دبي انهياراً وخراباً اقتصادياً وماء وجه، حين دخلت معمعة بنوك وبناء أطول من قامتها، ودخلنا موسوعة غينيتس في أعظم صينية كنافة نابلسية وشعب فلسطين يتضور جوعاً.. وأكبر معطم للمأكولات في العالم بمدخل دمشق الجنوبي…وفقراء سوريا يفترشون الخيم وفلاحيها يهجرون قراهم ويعيشون على قمامة أهل المدن الكبرى….فما أعظم شرفنا! وما أروع اكتشافاتنا وإنجازاتنا الثورية!!..وأبشركم بأننا سندخل موسوعة غينيس انشاء الله بأعلى نسبة إرهابيين في العالم، وأعلى نسبة تخلف وأمية وفقر، وأعلى نسبة في الاعتقال والقمع السياسي وارتفاع في عدد السجون والمساجين، فهنيئاً لأنظمتنا الممانعة المقاومة ورافعة راية السلام ، هنيئاً لما بنته وابتكرته من جدران معنوية ومادية تفرق وتفصل بين الشعوب، بين هذه الطائفة وتلك وبين هذه الفئة وتلك ، بين هذه الأقلية وشقيقتها الأكبر!، هنيئاً لسورية بأدنى وأسوأ قانون أحوال شخصية وأردأ قانون عقوبات يقتل نساء سورية يومياً وأطفالها ، ويرمي بهم للشارع ، هنيئاً لكم حين تكتشفوا ــ على الدوام متأخرين ــ ، أن المخاطر جاءت على أيديكم زرعتوها والآن تريدون اقتلاع شوكها!…لن تفلحوا أبداً…لأن مازرعتوه رهيب ومقيت ، فالحقد اليومي الذي رضعته الأسر السورية وغير السورية لايُمحى بقرار ولا باستغاثة أو بجرة قلم، ولا بالاعتقالات المتلاحقة وتشديد القبضة الأمنية، لن تستيقضوا إلا بعد خراب البصرة وبعد أن تعم الفوضى كل أطراف عالمكم، ألم توقظكم حوادث اليمن؟ و ماجرى في العراق ومايجري يومياً؟، ألن تصحو رؤوسكم المغرورة ببقائكم عقوداً معتقدين أنكم دائمون وقائمون إلى يوم القيامة؟ الحُفَر تحت قصوركم والأنفاق تنخر مجتمعاتكم والفوضى يومية وتنشرها صحفكم، لم يعد للقيم ولا للعرف ولا للأخلاق وجود بفضلكم، ولم تعد الهوية الوطنية هي مايجمع بين المواطنين، فأين أنتم ؟ الإصلاح يبدأ بيقظة الضمائر وبسرعة العمل والمبادرة إلى طريق الصواب لا الخراب، وهذا بعيد بعيد عن عيون أعمتها السلطة لأنها قامت أساساً على الخراب والفساد.
ــ خلاصة القول أن مخاطر العقد القادم هي الفوضى العارمة التي بذرتها ورعتها الأنظمة القائمة.
ــ باريس 08/01 / 2010
خاص – صفحات سورية –