حكومة الله المختارة!
فلورنس غزلان
ــ حكومةجاءت من الحِكمَة، وليس في حكومات الأرض من وهبه الباري وأنعم عليه بحكمة أكبر مما أنعم على حكومة ابتلي بها الشعب السوري، عفوا اختارها الله لهذا الشعب المسكين ، أهو غضب يستحقه؟ أم نعمة أُسبغت عليه ويحسده العالم عليها؟!
ومن باب الحكمة والرشاد والترشيد ، صدر مرسوم رئاسي منذ يومين يقضي بإقالة السيد ” تيسير سليمان الرداوي” رئيس هيئة تخطيط الدولة” من منصبه بالمرسوم التشريعي حامل الرقم ” 19″ وتسألون لماذا؟ وهل ارتكب جنحة أو جناية يعاقب عليها القانون؟ أم صدر عنه تخطيطاً ومشروعاً يوهن عزيمة الأمة ويضعف شعورها القومي، أوينال من هيبة الدولة؟ وربما ــ والله أعلم وهذا ما أعتقده أقرب للحقيقة ــ أنه مرر في محاضرته الاقتصادية وخططه الخمسية ماينشر أبناء كاذبة، فصرح ونشر عرض الحكومة ودجل خططها في ضحكها على ذقن الوطن والمواطن؟، لكن الحقيقة الأكثر مرارة أنه نطق كُفراً ، والكفر هو نقد واضح وصريح للخطط الرسمية وخاصة الخمسية العاشرة المعمول بها حالياً وذلك في محاضرة جرت في ندوة من ندوات ” الثلاثاء الاقتصادي ” التي افتتحها المُقال بسلسلة من المحاضرات حول الخطط القادمة، نقد فيها الخطة الخمسية الحالية ورأى في محاضرته أن:ــ
(عائدات النمو تمركزت في أيدي فئات قليلة من السكان كان لها ممارسات استهلاكية وبذخية وادخارية أعاقت عملية النمو ووجهت الطلب على سلع وخدمات خارجية ووجهت الإدخار إلى الخارج إلى قطاعات ليست إنتاجية، وأوضح الرداوي أن فترات النمو السورية السابقة تميزت بعدم الاستدامة لأن قطاعات كبيرة من السكان لم تشارك بالعمل وبالتالي لم يتحسن دخلها ويزداد طلبها على السلع والخدمات وبالتالي تساهم في زيادة الانتاج) ــ عن موقع كلنا شركاء .
هذا السيد الأستاذ في كلية الاقتصاد جامعة حلب، والمتخرج بدكتوراة في الاقتصاد من جامعة السوربون والموفد للولايات المتحدة والمحاضر في جامعة قطر، ثم العائد لمركزه كأستاذ في نفس الجامعة ، ومن بعد تم تعيينه كمسؤول للهيئة التخطيطية السورية ، قدأقيل بمرسوم رئاسي وعلى الفور ودون اعتراض، بل بصم وتنفيذ قام السيد محمد ناجي العطري بتكليف السيد الدردري للقيام بمهام السيد المُقال من منصبه، لما للدردري من سمعة طيبة ومنهج لايحتمل النقد!! ..هكذا تتم الأمور في حكومتنا الميمونة، وهكذا تحاك القصص وتنفذ المشاريع التنموية بالهمس واللمس وكتم النفس وعدم النبس ببنت شفة والتطرق للفئات الناهبة والمرتشية ،التي تبيع وتشتري بالمال العام وقطاعه وتتصرف بخططه الخمسية والعشرية بما يصب في مصلحة جيوبها وحساباتها البنكية ،حرام ومحرم على فئات الشعب وعلى رؤساء الهيئات التخطيطية وعلى كل من تسول له نفسه الوصول للهيئات العليا الأضيق حلقة والأوسع حلقاً، وويل لمنتقد أو مُصلِح يعتقد أنه يملك ذمة وضميراً ويريد تَحسنا تنموياً أو يعمل على تخفيض سقف البطالة ويهتم بالفقير، والأهم يتذكر الناس والفئات الأخرى غير المتنفذة من السكان ويريد إشراكها في خطط الدولة؟؟!! غريب أمر هذا السيد الاقتصادي ألم يتعلم من معلمه السابق وماجرى له ؟ ألم يقرأ ماجرى لعارف دليلة؟ …(إصلاح الاقتصاد أولا وتأتي أهميته قبل السياسة، لأن الخبز أهم من الديمقراطية والحرية) ـ حسب لسان حال الناطقين بالحكمة من مسؤولينا المُختارين لنا …لكن لسانها لايعني ما يريده هذا التيسير بن سليمان…ولا يعني ما وضعه قبله عارف دليلة، والذي نال عقابه نتيجة لتطاوله على أصحاب النعمة والنِعم السورية … ولا يهم مركزه ولا مكانته عندما يعتقد أنه يستطيع أن ينتقد الحلقة الأعلى والأصغر القابضة على زمام الأمور الاقتصادية في البلد والقابضة على زمار رقبة وروح الوطن الاقتصادية والتنموية …هذا يعني بكل بساطة أنه ليس فقط تجاوز خطاً أحمراً خطراً وكبيراً وبعيداً على عينيه….بل نطق كفراً:ـــ
كــــفــــراً…نعم يادكتور الاقتصاد إنك تكفر.. تكفر، وتريدنا أن نصل للفئات العليا صاحبة الحق في الخطط والتخطيط والتسييس والتخصيص والوكالات والمناقصات وشراء واستملاك أراضي الدولة وعقاراتها ومطاراتها وغاباتها وشواطئها…وحتى كل ماعليها من رعايا هم حق ومُلك لأصحاب المعالي من الأسرة الشريفة، التي أنزلها الرب خصيصاً واختارها وانتقاها كما اختار( شعب الله المختار ) لنكون لها إرثاً ولتكون سوريا لها مزرعة، فمابالك لازلت تعتقد أن الإصلاح جائز وممكن؟ مازلت تعتقد أن رأيا ورأساً نشازاً مثل رأسك يمكنه أن يُخطط ويُشرك الناس! أي ناس تقصد ومن هم هؤلاء ؟ هل ستأتي بهم من كوكب آخر؟…الشعب السوري غير معني بخطط الدولة ولا يدخل ضمن أطرها ولا يهتم لشأنه من قام ويقيم على رأسه…لأن رأسه معصوم بالضبط (كالفقيه )..ومانحن إلا عوام ورعايا نقترف الخطأ ولا نحسن التصرف والصواب، لهذا تبنى وتعد خصيصاً لنا فروعاً متعددة الاختصاص ــ وهذا بحد ذاته رفقا بنا حتى لاتتوه الجنح والجرائم حين تتشعب الذنوب والخطايا ، و حين نرتكب حماقات تعكر صفو وهناء العقول المُخَطِطه والساهرة على أمننا، وكل من يرتكب مثل هذه الحماقات أو يتصور نفسه أسوة بالقيادة الرائدة وحلقتها الأضيق فيحلم بنقد ماهو أكبر من النقد ذاته، أو يتصور أن خللاً منطقياً وحسابياً يمكن أن تقع به آلهة الحكمة والصواب لاعتقاده أنه ” جل من لايخطيء” وما هم سوى بشر مثلنا ولا يسوع بينهم !…مصيره الأسلم هو ماطالك يادكتور، وهذا يعني أن رأسك سلمت وما هكذا تورد الإبل ولا الغنم في بلدك سوريا! ، مشكلتك ومشكلة كثيرين غيرك أنهم مازالوا يلجأون للعقل والمنطق والقانون والصواب والحق الإنساني وشرعة الأمم! ،معتقدين أن هناك مَن يسمع ويعرف ماتعنيه هذه المفردات …وينسى أننا نعيش في قفص ، وأننا مُتهمون حتى يأتينا العفو الرئاسي، أو نطلب الاسترحام والعفو ونتوب ، ويمكن أن تتكرم سيادة الحكومة ورؤوسها أن تمنحنا شرف عفوها، وأن مايحكم سلطانها العقلي هو منطقها لامنطق القوانين ولا منطق الشرعة الدولية، ولا الحق الإنساني ولا حرية الشعوب ولا …ولا …ولا..إنه قانونها الذي لانعرف له وجهاً ولا قفا…ولا نرى خطوطه الوهمية الحمراء والصفراء حتى نستعد لما ينتظرنا، وعلينا على الدوام أن نكون متأهبين وفي وضعية الاستعداد ، أن ننام بكامل عدتنا وأن نغلق عيناً واحدة فقط، وأن نشكر أصحاب الحكمة و بركاتهم علينا حين يمضي يومنا بسلام، وألا نتفاجأ حين نُمنع من القراءة والكتابة ومن الحكي بالسياسة ، ومن التجمع لأكثر من اثنين إلا في المآتم ، وأن الفرح ممنوع ومشكوك بأمره ، وألا نتفاجأ حين نقرأ ونسمع عن ازدياد حالات الانتحار ، ونقص الخبز وانعدام المازوت رغم قلة الخشب والشجر سواء للتدفئة أم للاستظلال واستطياب الخضرة ودرء التصحر، وألا نستغرب انفجارنا السكاني ونحيله على فشة خلق المواطن بزوجته وفشة خلقها بزوجها فيكثرون من التبزير لا من التبذير…وربما ينفع الأول الثاني في التدبير وفي عمليات الغزو لبلاد الخير والبترول والدولار واليورو…إما باسم الله ودينه، أو باسم آلهتنا الصغار وديدنهم…لهذا سنشكر الاثنين معاً لما لهم علينا من فضائل ومحاسن…وهل هناك أفضل من محاسن الصُدف هذه حين جعلتنا نفهم المغزى والحكمة من إقالة رئيس تخطيط وفهيم اقتصاد؟…تعلموا مما يجري عندنا وأدعوا الله ألا يصيبكم بما أصابنا وألا تشبه حِكمَة حكوماتكم حِكمَة حكومتنا.
ــ باريس 13/ 01 / 2010
خاص – صفحات سورية –