ثلاثة أمثلة تؤكد أن الإعلام السوري بخير
رزان زيتونة
..وأما الإعلان، فأتى في افتتاحية “تشرين” المحلية في عددها الصادر بتاريخ الثالث من كانون الأول الجديد-2010؛ فجاء أن “الإعلام السوري بخير وأنه جزء فاعل ومنفعل بمسيرة الإصلاح..”، وذلك بعد مقدمة تساءلت حول “مفهوم الحرية الإعلامية”، التي يبدو أنها لا تزال غير محددة الملامح ومجهولة الطبيعة بالنسبة لتشرين المحلية الرسمية: “يبقى الالتباس حول مفهوم الحرية الإعلامية طبيعياً ومنطقياً … وقد يتساءل البعض عن مكمن المشكلة في الحرية الإعلامية، هل هي مرتبطة بطبيعة الأنظمة السياسية أو بطبيعة القوانين وما تفرضه من قيود أو ضوابط، وعن ماهية ما يسميه البعض حدود الحرية وبالذات حدود الحرية الإعلامي؟”!!
وبعيدا عن المعضلات الفلسفية التي تطرحها التساؤلات أعلاه! يحضرنا المثال الأول الذي يؤكد “انفعال” الإعلام السوري “بمسيرة الإصلاح”، وانفعال المسيرة المضاد به! وهو التصويت الذي حصل قبل أيام فقط في مجلس الشعب السوري، حول إعفاء رئيسة تحرير تشرين المحلية الرسمية المتفائلة، والصحفي منير الوادي من منصبيهما، على خلفية مقال نشر في الجريدة المذكورة واعتبره المجلس “مسَاً بهيبته”. وتلك سابقة فريدة ومثيرة وطريفة ولا أدري أيضا ما الصفات التي يمكن إصباغها عليها. فقد خبرنا محاكم أمن الدولة، والاعتقال وسواه لمحاكمة الماسين والماسات بهيبات الجهات الرسمية وممثليها، أما التصويت على إعفائهم من مناصبهم، فهو بحق يستحق براءة اختراع ومن ثم تعميمها على برلمانات العالم أجمع ومؤسساته الصحفية.
وتستمر الحكاية، برجوع المجلس عن تصويته بتصويت مضاد بعد نصف ساعة فقط، ما دفع أحد أعضاء المجلس، د.محمد حبش، للتصريح لإحدى المواقع الالكترونية المحلية بالقول :”لم يحدث أن صوت البرلمان على الأمر ونقيضه في جلسة واحدة” مؤكدا على أن التصويت بمجمله غير قانوني؛ لكنه حصل على أية حال، ولا أعرف إن كان التصويت الأول أم التصويت المضاد هو الذي أوحى لتشرين بالخير الذي ينعم به الإعلام السوري!
أما المثال الثاني، فيتمثل في نشر “التوضيح” الصادر عن عائلة المحامي والناشط المعتقل مهند الحسني، حول رسالة نقيب المحامين الفرنسيين شديدة اللهجة التي أدان فيها قيام نقابة المحامين السوريين بشطب الحسني من قيود المحامين.
“فالتوضيح”، نشر على جميع المواقع الالكترونية المحلية شبه الرسمية، التي لا تقترب عادة من قضايا معتقلي الرأي إلا في حالات محددة معروفة الملابسات! وقد نشر في جميع المواقع بالصيغة نفسها من غير كلمة واحدة زيادة أو نقصانا؛ ومن غير خلفية للخبر تشرح ملابسات الرسالة التي جرى “التوضيح” حولها؛ وهذا طريف حقا؛ لأن نص التوضيح لا يمكن لمن لا يعرف خلفية الموضوع أن يستشف منه شيئا؛ فإذا كانت المواقع المحلية غير راغبة- أو قادرة على ذكر خلفية الموضوع التي تتضمن شطب الحسني من نقابته على خلفية نشاطه الحقوقي، ورسالة التأنيب القاسية من النقيب الفرنسي إلى نظيره السوري، فكان الأجدر بها أن تنأى بنفسها عن نشر ذلك “التوضيح”، خاصة مع العنوان الذكي واللماح الذي جاء في نشرة كلنا شركاء للخبر المذكور “اقرأ واضحك على ما تتعرض له عائلات المعتقلين في سوريا؟”.
والمثال الثالث-للآن- يتمثل في موقف نائب رئيس اتحاد الصحافيين السوريين غداة اعتقال الصحفي معن عاقل؛ ولا يتعلق الأمر هنا بحدث الاعتقال بحد ذاته، فلسنا في معرض الحديث عن الحريات الصحفية وحقوق الانسان؛ وإنما في تصريحات المذكور التي أكدت أن عاقل سجين جنائي على خلفيات جنائية، فيما لا يزال معن حتى اللحظة موقوفا في إحدى الفروع الأمنية؛ وكان يمكن لصاحب التصريح أن يكتفي بالصمت، ولن يلومه أحد! جزئيا..آخذين بالاعتبار منصبه وصلاحياته!
في الخلاصة، ليس السؤال اليوم ما إذا كان الإعلام السوري بخير أم أنه يعاني مغصا أو ألما في الأسنان أو ورما خبيثا في الدماغ؛ هذا سؤال سابق لأوانه بكثير؛ السؤال اليوم، هو متى يكفون عن إظهار الإعلام السوري بمظهر المراهق النزق والطائش الذي لا يكف عن إحراج نفسه ..وعائلته؟