صفحات العالم

عمليات ناجحة في دول فاشلة

محمد ابرهيم
العمليات التي نفذتها “طالبان” في قلب كابول اول من امس تشبه العمليات التي نُفّذت في بغداد في الاشهر الاخيرة.
في الحالتين مجموعة من الانتحاريين تستهدف مراكز للدولة في عمليات “رمزية” تشكك في مدى سيطرة الحكومة على قلب عاصمتها.
والتشابه بين العمليات الدورية التي يخضع لها كل من العراق وافغانستان يقابله تشابه في الاضطراب الذي يشهده تركيب السلطة في البلدين.
افغانستان بعد انتخابات شابها التزوير، ودورة ثانية لم تحصل لانسحاب منافس الرئيس حميد كرزاي، كانت في الاسابيع السابقة تعاني من عدم ثقة البرلمان المنتخب بالطواقم الوزارية التي يعرضها كرزاي، وكأننا بإزاء مناقشات تتم في الكونغرس الاميركي لقبول تعيينات ادارة جديدة.
والحكومة الافغانية التي بالكاد تسيطر على كابول، تعرضت خلال اشهر طويلة لحملات غربية تتهمها بأنها مرتع للفساد وبأنها لم تقطع شوطا على طريق بناء المؤسسات، وكأن الجذور القصيرة لحكومات كرزاي في افغانستان لا تشكو سوى من قلة النزاهة حتى تضرب عميقا في المجتمع الافغاني.
اما واقع التفتت الافغاني الذي يشكل نقطة القوة الرئيسية لـ”طالبان”، مما اقتضى ضرورة تعزيز القوات الاميركية بعد تسع سنوات على الاجتياح الاميركي للبلاد، فلا يدخل في الحساب، مع ان القوات الاميركية تتطلع الى بدء الانسحاب في مستقبل منظور.
في المقابل وبعد حوالى سبع سنوات على غزو العراق، ورغم عدد من الدورات الانتخابية “الناجحة”، امنيا، فان العراق يتطلع الى الانتخابات العامة في آذار المقبل وهو يخشى نتائج “نجاح” آخر.
ليس ما يوحي في تكوين التيارات السياسية ولا في ائتلافاتها اننا سنكون غداة الانتخابات امام قاعدة لسلطة مستقرة. فالاشهر الماضية لم تحمل انباء سارة لمن كانوا ينتظرون ولادة اتجاهات سياسية يمكنها ان تتجاوز انقسامات ما بعد الغزو الاميركي.
لا بل اننا نشهد انتكاسة كبيرة في العلاقات بين المكونات الطائفية والعرقية في العراق، والقوى التي ادعت ان بامكانها تجاوز منبتها الطائفي لتتحول محورا وطنيا عادت الى لغة ما بعد الغزو مباشرة. فباسم هيئة اجتثاث البعث عاد السنة الى الشعور بأنهم مستهدفون وبأن العملية الانتخابية لن تعطيهم ما يعتبرونه وزنهم “الطبيعي” في البلاد.
“القاعدة” التي كادت تختنق عندما تشكلت مجالس “الصحوات” السنية بالتعاون مع القوات الاميركية تجد الاوضاع الحالية اكثر ملاءمة لاستراتيجيتها الجديدة في العراق، استراتيجية العمليات الرمزية.
ما يجمع بين افغانستان والعراق، هو ان احتلالا اميركيا طويلا نسبيا لم ينجح في لملمة صيغة يمكن تسليمها السلطة، ويمكن الاستناد الى سطوتها الامنية لممارسة نفوذ لا يتطلب بقاء عشرات ألوف الجنود الاميركيين.
كل الخطط الاميركية للبلدين لا تضع في حسابها امكان الانسحاب الكامل فيما السلطة غير مستقرة، وفيما مخاطر اندلاع حرب اهلية، او حروب اهلية يمكن ان تشكل النتيجة المباشرة لسحب الركيزة العسكرية الاميركية للحكومتين الهشتين في البلدين.
لكن هذا الوضع لا يمنع في الوقت نفسه من ان الاوضاع “النفسية” الاميركية، وفي ذلك يلتقي الرأي العام والاحزاب في الحكم والمعارضة، لا تحتمل فكرة الالتزام المفتوح زمنيا في البلدين.
وعيّنة عن الدروس المستخلصة من حربي جورج الاستباقيتين هي ردود الفعل الغريزية الرافضة لكل كلام عن احتمال تدخل اميركي في كل من اليمن والصومال، مع ان البلدين في طريقهما للتحول “ملاذين آمنين” لـ”القاعدة” ربما بما يفوق المسرحين “الاصليين”: افغانستان والعراق.
قبل ان يقرر الرئيس الاميركي باراك اوباما زيادة التزامه العسكري في افغانستان كان موضوعا امام خيارين او استراتيجيتين احداهما زيادة القوات اما الثانية فهي اعتماد العمليات الجوية، على الطريقة التي تمارس فيها باكستان، حيث تتحمل السلطات الباكستانية التبعات منفردة.
مثل هذه الاستراتيجية التي لم تحظَ بموافقة اوباما كبديل عن زيادة القوات البرية، قد تتحول الى “موجة المستقبل” في الحرب بين الولايات المتحدة و”القاعدة” ما بين باكستان والصومال، خصوصا اذا ما ادت التطورات اللاحقة في افغانستان والعراق الى تغليب “الاسلوب الفيتنامي”، اي تأمين انسحاب القوات الاميركية وترك الانظمة المحلية لمواجهة مصيرها واثبات قدرتها على الصمود منفردة.
ليس هناك ما يشير الى ان استراتيجية “تجفيف منابع الارهاب” التي بدأها جورج بوش وعدّلها باراك اوباما هي في طريقها الى انهاء ظاهرة “القاعدة”، وتزايد المرشحين لدخول لائحة “الدول الفاشلة”، يعني ان المقاربة الاميركية ستواجه في مستقبل غير بعيد الحاجة الى تغيير جذري.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى