صفحات العالمما يحدث في لبنان

وقاحة السلطة اللبنانية

غسان شربل
السلطة اللبنانية سمجة. مزعجة. ثقيلة الوطأة. مغرورة. يمكن القول إنها وقحة. تعوزها البراءة. وخفة الظل. والرحابة. والكياسة. وآداب التعامل. وأصول الضيافة. وتقدير الظروف الإقليمية. ومراعاة العوامل النفسية. ومستلزمات الصراع المفتوح مع العدو. وضرورة إبقاء الإصبع على الزناد.
السلطة اللبنانية كريهة. قبيحة. ومنفرة. تنقصها اللياقة. واللباقة. والواقعية. وموهبة التزام الحدود. وإدراك طبيعة المعادلات. والكياسة في التعامل مع الحساسيات. تتعامى عمداً عن تاريخ العقود الماضية. ومحطاتها الجميلة والمضيئة. والإنجازات الباهرة. والإسهامات المستقرة في الذاكرة.
هذه بلادي ومن حقي أن أهجوها. وأنكل بسلطتها. سلطة مغرورة. وفاجرة. تصوروا أنها تصاب أحياناً بأعراض الكرامة. وتتوهم أن من حق لبنان أن تكون فيه دولة. وأن تفرض سيادتها على كامل أراضيها. وعبر مؤسساتها الأمنية الشرعية. وأن يخضع المقيمون على أرضها لحكم القانون. وأن لا تندلع الحرب من دون معرفتها. وأن لا يبرم السلام في غيابها. سلطة مراهقة ومتهورة.
سلطة مريضة. موبوءة ومتهمة. لا تعرف حدودها. وحدود قدرتها. وحدود حقوقها. تضجر أحياناً من موسم الذل الطويل فتحاول رفع رأسها. أو سبابتها. أو تنظر بعين الريبة. كأنها تنسى أن رسالة لبنان أن يكون ساحة. علبة بريد. حقل تدريب. مختبراً للمشاريع الخارجية. وأن وظيفته أن يقيم تحت ركامه. تحت ركام حروبه والحروب فيه وعليه.
اتهم السلطة اللبنانية بسوء النية. وسوء التقدير. وسوء التصرف. وأتهم قادة الحوار الوطني اللبناني بالتهور والمكابرة. لقد تجرأوا على المس بما يجب ألا يمس. توافقوا قبل أربع سنوات على إنهاء الوجود الفلسطيني المسلح خارج المخيمات الفلسطينية في لبنان وعلى تنظيم السلاح الموجود داخلها. لقد توهموا أن من حق لبنان أن تقوم فيه دولة. وأن تكون له سيادة. سامحهم الله. جرحوا مشاعر العقيد سعيد موسى (أبو موسى) أمين سر حركة «فتح – الانتفاضة». وجرحوا مشاعر آخرين.
حين بلغني أن العقيد أبو موسى يزور صيدا للمرة الأولى منذ عقود استبشرت خيراً. قلت إن الرجل جاء بالتأكيد ليهنئ اللبنانيين بالمصالحات. وليدعم تحسين العلاقات اللبنانية الفلسطينية. والأصوات اللبنانية الداعية الى تحسين شروط عيش سكان المخيمات. وإنه لن يضيع الفرصة لإطلاق مبادرة. كأن يعلن إقفال المعسكرات التابعة لتنظيمه احتراماًَ لإرادة اللبنانيين وسلطتهم.
وسرعان ما تبين أنني واهم. أدلى الزائر بتصريحات تناقض تماماً ما تقتضيه مصلحة الشعبين اللبناني والفلسطيني. قال إن السلاح خارج المخيمات موجود في إطار معادلة أوسع من لبنان وتتعلق بالصراع المفتوح مع العدو. وإنه يرفض حتى فكرة إدخال هذا السلاح الى المخيمات. نسي أن يقول إن هذا السلاح ضمانة ضد التوطين. أغلب الظن سيقولها في زيارته المقبلة. كنت أتوقع منه أن يعتذر من اللبنانيين. لأنه قاتل القوات السورية في شوارع صيدا من دون أن يستشيرهم. ودوت مدافعه في الساحل والجبل من دون أن يتذكر أنه ضيف. وقاتل «قيادة ياسر عرفات المنحرفة» في طرابلس من دون أن يستشير أحداً. ولأن «فتح الإسلام» التي أدمت مخيم نهر البارد والجيش اللبناني وآخرين ولدت من رحم تنظيمه.
لم يكتف بعدم الاعتذار. قال ما ينكأ الجروح. كأن اللبنانيين والفلسطينيين يحتاجون الى المزيد من الآلام. وذكر اللبنانيين بأغنية جميلة لفيروز تقول «رجعت ليالي زمان». ثم سمعنا من يحاول ترطيب الأجواء بدعوة السلطة اللبنانية الى فتح حوار حول السلاح الفلسطيني خارج المخيمات. والحوار يعني تشكيل لجنة. ثم تشكيل لجان فرعية. ثم يبدأ البحث عن الآلية شرط عدم العثور عليها.
واقع الحال أن العقيد أبو موسى كان يتهم السلطة اللبنانية بالوقاحة. وبالتدخل في الشؤون الداخلية لمواقعه المزروعة على الأرض اللبنانية والتي لا تحتاجها المقاومة اللبنانية لدحر أي عدوان إسرائيلي في حال وقوعه. إن ذهنية احتقار لبنان وتكريسه ساحة واحتقار إرادة اللبنانيين ومصالحهم وحقهم في العيش في ظل دولة طبيعية كما هو الحال في هندوراس وتشاد وميانمار، هي ذهنية بالغة الخطورة على لبنان والفلسطينيين معاً. كان من واجب الزائر أن يفعل عكس ما فعل. رحم الله أيام «القيادة المنحرفة».
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى