صفحات العالمما يحدث في لبنان

تَسْقط الطائفية عاش الطائفيون

سعد محيو
قصة رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري مع مسألة إلغاء الطائفية السياسية، أشبه بمن يريد بيع محرمات في سوق إسلامي، أو من يريد التبشير بأفكار ممنوعات في سوق مسيحي .
فلا البائع مؤهّل للتبشير بمستقبل لا طائفي . وبالطبع لا السوق السياسي الإسلامي، كما المسيحي في وارد تقبّل الفكرة بأن القوى المذهبية المنغلقة على نفسها قادرة على حل المعضلة الطائفية المنفتحة إلى الأبد . إذ لو كانت قادرة لفعلت ذلك أولاً في/وبين أبناء جلدتها الإسلامية أو المسيحية .
لكن، وطالما أن القاصي والداني يعرف أن المشروع سيموت قبل أن يولد، وطالما أن صاحبه يعرف أن الآخرين يعرفون، لماذا إذاً طرح فكرة الإلغاء؟
ببساطة لأنها مناورة .
إلغاء الطائفية السياسية في لبنان كان الورقة الرئيس التي استخدمتها الطبقة السياسية اللبنانية في شقها الطائفي الإسلامي منذ الاستقلال العام 1943 لابتزاز اللبنانيين المسيحيين، أو تخويفهم، أو ردعهم . وحين كان قباطنة هذه الطبقة يحصلون على ما يريدون، كانوا يسارعون إلى طي هذه الورقة بسرعة ويستأنفون ما انقطع من سياسات وممارسات وإيديولوجيات طائفية .
وفي المقابل، كانت ورقة التقسيم أو الفيدرالية أو الكونفيدرالية هي الرد المسيحي على هذا التهديد المتسلّح بأرقام الديموغرافيا التي اختلت بشدة لغير صالح المسيحيين منذ أن خسروا حرب 1975- 1989 .
وهكذا، تأسس منذ نيف ونصف قرن “توازن رعب” بين هذين الطرفين الطائفيين، لم يكن في يوم ما هدفه ضرب أو تغيير النظام الطائفي بل العمل على حافة هاويته لتحقيق مصالح فئوية آنية .
المرحلة الوحيدة التي بدا فيها أن حلولاً علمانية حقيقية ستبرز للمعضلة الطائفية كانت في منتصف السبعينات، حين تقدمت الحركة الوطنية اليسارية اللبنانية بمشروعها للتغيير المرحلي . لكن سرعان ما تبيّن أن الطائفيين الإسلاميين كانوا يستخدمون هذا المشروع اليساري لصالحهم في إطار الصراع الطائفي، فكانت العديد من جلسات الحركة الوطنية تُعقد في دار الفتوى السنيّة، وكانت معظم قرارات هذه الحركة يجب أن تُمهر بالختم الطائفي الإسلامي قبل أن تعلن على الملأ . ولم يكتشف اليساريون العلمانيون هذه “الخديعة” سوى بعد أن أخرجتهم دور الفتاوى الدينية وأبرمت مع دور الكنائس المسيحية صفقة طائفية مُتجددة تجسّدت في اتفاق الطائف .
والواقع أن ما حدث لليساريين اللبنانيين كان محتماً أن يحدث . فحرب 1975-1989 كانت من ألفها إلى يائها حرباً طائفية بلبوس تجميلي يساري أحياناً وقومي عربي (قضية فلسطين) أحياناً أخرى . فكان بديهياً أن يكون السلام الذي تلا هذه الحرب طائفياً أيضاً .
وإذا ما كان الأمر على هذا النحو مع مشروع اليساريين العلمانيين لإلغاء الطائفية السياسية، فهل ستكون الخواتيم أفضل مع مشروع طائفيين، إما أنهم يريدون استخدام ورقة الإلغاء لمنع المسيحيين من إثارة مسألة سلاح حزب الله، أو طرح التساؤلات حول طبيعة العلاقات مع سوريا؟
إنها التجارة نفسها .
البائع قد يتغيّر، لكن “السلعة” هي هي .
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى