خـط فـي منتصـف اللوحـة
محمد الحموي
في تشرين الأول
رائحة المطر تشبه عطرك صغير الحجم
حركة الأصابع
الكيلوغرامات التي خسرتها بعد الولادة
تزيد من تعلقي بك.
في المقعد الخلفي مشدوداً إلى كرسيه الصغير كأي طفل بريطاني
وفي عقر دار بني الإنكليز أهدهد لجاد الصغير (على دلعونا وعلى دلعونا…)
تبكين ثم تنامين
كالدافعة قطاراً إلى الخلف.
السوريون وحدهم قادرون على الندم على المستقبل.
لا يرسل إلي الله حاجتي اليومية من الحب
وأحياناً يتركني خطاً في منتصف اللوحة:
غربتي عن نفسي تقتات من غربتي عن الله.
في البعد عن الله شعور جميل بالتحليق
كأني في منطاد وتنقلني الريح بدعة.
هرش الإكزيما بالأصابع مناوشة للأحلام المقبورة تحت الجلد
بين الهلوسة والضجر من المعتاد
بين الذهاب إلى العمل والعودة منه منهكاً تماماً
بين ما يحدث فعلاً وما أراه ولا أصدقه
بين ما أود تصديقه عن أحباب يحبونني إنما لا يبادرون
شعرة.
في الواقع
تكمن خيبتي العميقة من الحياة في هذه الشعرة
في الفرق الذي غالباً ما أتلعثم في تحديده.
بالرغم من هذا أتابع السير
تقودني أوهامي وأضغاثها إلى مناطق نائية من التفكير:
في الدماغ أقبع كأني الشبح بأسماله
كأني شاف كبياض الموتى
كأني أصفر كآخر لمحة فقد يمكن للبشر تخيلها.
سأترك ورائي يوماً
جزيرة كنوزٍ يقطف فيها الناس الأيام مع الموز
ويتركون فيها وجوههم تتابع ضجرها بكسل وتلذذ
وأهم ما سأتركه لهم في جرار فخارية هو الكثير من الملل ليتناسل بسببه العشاق ومحطمو الفؤاد
فالملل سري.
والحب أحياناً سري
لولاه لما غامرت ولا ازددتُ وسامةً
لولاه لما كان ممكناً رد كل الحماقات التي تلته إلى خلافات مع العائلة.
والشعور بالغضب أحياناً سري
فهو كان رفيقي وهو كان عدوي
كما كان أحياناً لوني
الذي يتدفق الآن أمامي كنهر من المكائد النافعة.
في توقع الكثير من الحياة – رغم فراغها – درجة من العبقرية لا يقدر على تخيلها الأغبياء.
الشعور بالتفوق سري
الذي إن لم أصرعه يوماً
فسيقتلني
وفي المرآة المجعدة تواً
وجهي مغطى
بوجه شخص آخر
ويسيل.
(شاعر سوري)
السفير الثقافي