هذا ما لاتستطيعه الدولة
رفيق شامي
لنفترض أن مواطناً إستيقظ من نومه الطويــل وبدأ نتيجة الأعتقالات الأخيــرة بالتسيس وبالإنتصــار على خوفه ثم لنفترض أنه رغب في التغيير وبدأ يقرأ ما تكتبه السلطة وما تكتبه المعارضة. فما الذي يلاحظه؟ هل من حق هذا المواطن أن يجد فارقاً كبيراً في ما تقوله السلطة وذاك الذي تقوله المعارضــة؟
الجواب: بالتأكيد نعم.
لكن هل يجد هذا المواطن فرقاً جذرياً في كلا التعبيرين؟
يصعب علي هنا الجواب بنعم.
لماذا والمعارضــة تملك ما لاتملكه أية سلطــة عربيــة؟
حب الإنســان الكريم والدفاع عنــه.
أليس إهمال هذه القدرة هدراً لطاقات كبيرة؟
السلطة على ضعفها وإنعدام شعبيتها تمتلك إلى جانب الإرهاب كل وسائل الإعلام الرسمية وهي تكذب ليل نهارفي أغلب ما تقوله. لذلك ينفض أتباعها الذين إنتخبوا قوادهم حتى آخر لحظة بمعدل 99% عنها مذعورين دائمــا عندما يـيقنوا أن السلطة ستسقط فلا مقاومة ولا ضراب السخن أبدى مئات آلاف الأعضاء للحزب الحاكم الألماني ( (SED في المانيا الشرقية (لأنها لم تكن أبداً ديمقراطية) عندما إندفع المتظاهرون يهتفون “نحن الشعب” ليهدموا بديناميكية لا مثيل لها كل إدعات الحزب الستاليني أنه يمثل الشعب.
ولم يساعد الديكتاتورية آنذاك العدد الهائل من العملاء الذين دسهم جهاز أمن الدولــة الألماني شتازي (Stasi)القدير فإنغمسوا حتى أعماق المعارضة وتبوؤا حتى مناصباً عالية فيها فالسيل العارم لا يوقفه حجر. وكلهم كشفوا فيما بعد.
وغني عن البيان التأكيد أن “ملايين” البعثيين العراقيين إختفوا بين ليلة وضحاها.وكل مطلع على وضع سوريا يقدر أن البعث السوري لن يحصل أكثر من 3-4% من الأصوات متى سقط الطغيان. لذلك لا داعي لإضاعة الوقت بالتفكير في طرق إستئصاله (العراقيون يتحدثون أحيانا عن إجتـثاثه) من المجتمع فهو أصلاً لم يدخل قلوب وعقول المجتمع كما هو الحال مع الفكر النازي والذي أدى الإختراع الأمريكي لإستئصال النازية إلى مهازل ما سماه هاينريش بل حامل جائزة نوبل للآداب بسخرية “ديمقراطيو الخمس دقائق” وهي الفترة اللازمة لملأ الإستمارة التي أعلن فيها النازيون أنهم تخلوا عن كل أفكار النازية.
الإرهاب جزء من ثقافة السلطة التي تُربي بها شعبها. هذا الإرهاب والكذب اليومي لأجهزة إعلامــه يشلان غالبيــة الشعب السوري ولذلك يبدوهذا الشعب وكأنه مهتم بيومياته فقط ، بأكله وشربه. خاصة وأن قطاعات كبيرة من الشعب المسكين تعيش بفضل معونة بناتها وأبنائها المنفيين والمهاجرين وبرأيي هذه هي الصناعة السورية الوحيدة المزدهرة منذ نصف قرن.
تذكروا بإستمرارالشعب اللبناني الصغيــر العظيــم!
عدم مبالاة السوريين هي برأيي تمويه لشعب تعلم قليلاً مقاومــة الطغيان وكثيراً ومنذ قرون مقاومة الفنــاء(Surviving) وقد يصبح القناع جزءا من جلدة الوجه لكن أغلبيــة الشعب سترقص في الشوارع عندمــا تنهار الديكتاتورية ولا زلت أذكر كيف أنطلقت حناجر شبان قريتي معلولا في أيلول 1961 بالغناء لشاعر معلولي تقدمي:
ما قلنالك يا سراج
ما بينفع حكم الكرباج
الشعوب كلها متماثلة في كرهها للذل وللخوف والتجويع المتعمد وقبل كل شيء لسياسيين يعاملون الشعب كأنه دابة لا تعرف حتى الحساب لكي تصل إلى نتيــجة أن شخصاً كان بالأمس معدوماً واليوم تختلف التقديرات إن كان يملك 8 أو 10 مليارات دولار لايمكن إلا أن يكون لص ومهرب وكذاب ( وفي الحالة الخاصة رفعت الأسد سفاح ايضاً) ولو كان هناك قضاء في سوريا لما إعتقل قضاته المنزهون شرفاء الشعب بل لصوصه و لصادرت المحاكم كل أموال هؤلاء اللصوص وحكموا عليهم حسبما ينص القانون العادل.
هذا طرف خيط إن أمسك الشعب به تقدم خطوة بإتجاه نهاية النفق. والمناضــل الكبيرعارف دليلة هاجم هذا الفساد بالذات ليسلم الشعب طرف الخيط ولذلك كانت ردة فعل السلطة عليــه عديمة الرحمة ومهينة لأبسط القيم الإنسانية.
لذلك على المعارضة تعرية اللصوص بدقة وبالأرقام وتعريف الشعب عليها. قد يعترض أحد القراء قائلاً : “يا أخي كل الناس عرفانة بالسرقات”
أنا لا أظن أن الناس تعرف ذلك بدقة ولم تدرك بوعيها بعد أن سرقة هذه المليارات ليست فهلوية ناهيك عن رجولة إنما هي سبب بؤس ملاييــن المواطنين. هناك تخديـرعبرالنكتة واللامبالاة الناتجة عنها وكون اللصوص لا يأبهون بكل ما يُحكى عنهم، فالراعي لا يأبه بثغاء غنمــه ما دام القطيع يسير محني الرأس إلى الجهة التي يريدها الراعي. أضف إلى ذلك أن أجهزة العشيرة القمعية تلجأ بإستمرارللتمويه وترسم بكرم حاتمي خطوطاً حمراء حول كل هؤلاء اللصوص وكأنهم صاروا سراً عسكرياً تؤدي معرفته لكارثة وطنية. وهي لا تخجل أيضاً بغرض السرقة والتمويه من شحادة 20 أو 40 مليون يورومن أوروبا تحت شروط مُذلة وبنفس الوقت يسحب أحد رموزها هذا المبلغ شهرياً من دم الشعب السوري. المعارضة عليها برأيي في هذه النقطة بالذات بناء وشحذ الوعي والضمير الشعبي ضد ضباب العموميات بدروس يومية دقيقة بعيدة عن المهاترات والمبالغات تجعل الشعب في تصوردقيق لبؤسه وبلغة يفهمها القطاع الواسع منه. طبعا هذا لا يغني عن الدراسات المعقدة بل أن المهمة الثورية هي إستخلاص العبر من الدراسات المعقدة وأولها الإقتصــاد فهو لقمة الناس وحياتها وإيصالها بكل الوسائل وشرحها للناس لكي تدخل إلى وعيهم وتحل محل الزبالة التي يملأ بها النظام وأقلامه رؤوسهم.
وأنا أظن ان اللقمة تحرك إلى جانب حرية اللسان أوسع القطاعات السورية.
الشعب الســوري شعب يحب الحيــاة الكريمــة وهو شعب مضياف كريم قصمت ظهره ديكتاتورية ليس منذ 1963 بل من أول أيام الوحدة 1958 ومنذ ذاك الوقت لا زالت كلابه تنبح معلنة الحروب ومنذرة بالمؤامرات العالمية ضد صرحها الثوري وواعدة بالكفاح حتى آخر سوري (صابر فلحوط وأحمد سعيد هما كاريكاتورين من جوقة كاملــة) والواقع المرير هو أن هذه العشائرتركب الناس بقانون الطوارىء البربري الذي لم يحكم به شعب في الأرض كلها لهذه المدة. رحمك الله يا نبي أيوب يا مدلل.
الشعب والسلطة يعرفان أن كل ما يقال عن التحريروالثورة والأمــة كذب بكذب. حتى هذا اليوم لم يحررلا قانون الطوارىء ولا مختلف ألوية الصراع والقراع شبراً واحداً من الجولان ناهيك عن فلسطين وأما لواء الإسكندرون فصار في خبــر كان. أما الأمة ذات الرسالة الخالدة فهي اليوم بوضع من التفكك والعدائية أسوأ من زمن الإحتلال العثماني.
إذاً كل هذا الكذب يُخترع يومياً لركب الشعب فلنوضح ذلك بدون شتائم ولنكررذلك بصبروبهدوء وبكل الوسائل حتى السخرية المريرة. الصبر ليس بمعنى تحمل الضيــم بل بمعناه الأصيــل في الجلد والشجاعة والنفس الطويل. كان والدتي رحمها الله تكرر: الفرق بين الشجاع والجبان دقيقة صبــر.
الحياة الكريمــة لا ترضى بالإحتــلال
الحياة الكريــمة تقاوم قدر إستطاعتها الظلم
وهي تطلب بإستمرار التضحيــة ليس البطوليــة فهذا من مقدرة قلة لكن على الأقل أن يكون كل واحد فينا حصوة صغيرة تعرقل مسننات آلة الطغيان الكبيرة. كل على قدره. بإعتقادي أن تحريض وتوعيــة الناس ضد قانون الطوارىء هو خطوة في الإتجاه الصحيح وقد باشرت معارضــة الداخل بشجاعة لا مثيل لها بالسير في هذا الطريق.
الديكتاتوريــة من جهة أخرى بشعة الخلقة والأخلاق وهي تلوث كل شيء تمسه ببشاعتها وعدائيتها للآخــــر المختلف. والمعارضــة عليها هنا عمل عظيــم قد يكون هو الأبلغ والأصعب في كل نشاطاتها وحراكها. عليها الدفاع عن الجمال، الجمال في كل شيء وفي الإنســان أولاً وعليها نشر المحبــة الإنسانية وليس المسيحية التي تنص على محبــة الأعداء لئلا يُصلبوا كإبن فلسطين الشاب الثوري الذي صلب قبل اكثر من ألفي عام ( وإن كان نداءه لمحبــة الأعــداء أكثــرالنداءات ثورية منذ بدء الحضارة البشرية وكان قادراً لو فُهم على تقويض الأمبراطورية الرومانية. لكن بحث هذه النقطة الهامة التي عكست الكنيسة مفهومها – بدعوتها لكره الإخوة وإقتتالهم وتقديس السلاح الموجه لصدورأعداء القياصرة والملوك – طويل ولا مجال له الآن)
الديكتاتورية تفرق الناس خوفــاً وكذباً لأنه لا يمكنها البقاء يوماً واحداً إذا تآلفت الناس وشكلت كتلة مرصوصة تعيش بقلب واحد يجزع في دمشق إذا ألم بحلبي، درعاوي أو حموي ألم ولا يهمس: “الحمد لله لم تقع برأسنا.”
المعارضة السورية مجبورة تأريخيــاً أن تعلم الناس حب الإنسان من جديد بعد أن فتكت به السلطة وفككته إلى أشلاء لاهثة وراء لقمتها أوثراء سريع فالسلطة تحطم يومياً أمام عينيه أقرب الأقرباء متى إختلفت معه ومن كان بالأمس ثورياً يصبح وبإجماع مخجل لمجلس القبيلة ( المدعو كذباً مجلس الشعب) خائنــاً هكذا ومرة واحــدة.
ليس هذا من مجددات الوضع منذ هروب خدام. بل هو صفة مميزة للطاغيــة العربي. فهو لم يرتفع بمستوى معاملته لشعبه أبداً عن معاملة الراعي للقطيع ( وما أدراك ما الرعية ولماذا نُساق إلى الخدمة العسكرية المسماة تمويهاً خدمة علم) فهي تعادي هذا الحاكم العربي أو ذاك وتسميه عميل دون أن تسأل الناس ثم تصالحه وتقبله أيضاً بمبالغة ورياء ودون سؤال ومسؤوليــة لتعود وتنقلب عليه ثانية. هذا تصرف سلطوي على المعارضــة تحاشيه لنكون على مستوى شعبنا العظيم في إنسانيته.
السلطة لم تعد الهيئة السياسية-الإجتماعية الأعلى في المجتمع التي تحرص على المواطن وتفرض هيبة القانون وإحترام الآخر بل أصبحت مُصنِع ومُصدِر للكره الأعمى الغير مبرر على الأغلب، فهي لا تخجل من مهاجمة مساجين بالرشاشات ( هذه بالمناسبة إحدى إنجازات الدكتوررفعت الأسد البطولية قبل أن يصبح تاجراً ومنذ فترة نجاراً للطاولات المستديرة) ولا تخجل أيضاً من إفلات كلابها الجامعية على أناس عزل لمجرد مطالبتهم السلمية بالحقوق المدنية بدون مؤامرات بل بشجاعة منقطعة النظيــر وبمحبة مطلقة للإنســان.
تخوين وإقصــاء الآخــر هو أخطر وســائل السلطة الطاغيــة فإذا أردنا دحرها علينا هنا أن نكون أعداء راديكاليين لكل إقصــاء وتخوين. السلطة الطاغية معاديــة للديمقراطيــة وإنتقائيــة بإنتهازية تمليها عليها رغبتها المرضيــة بالمحافظة بأي ثمن على السلطة حتى ولو كان الثمن الوطن ذاته والعمل يداً بيد مع المخابرات الأمريكية.
البعث أتى بشيء جديد جداً على البلاد وخرب بها بناء سوريا العلمي والثقافي والإقتصادي. ليس الأكفأ والأفضل يحصل على مركزصغرهذا المركز أم كبر بل الأنفع والأكثرخنوعاً للطاغيــة.
هذا الطريق لا يمكن للمعارضة إلا عكسه إذا أرادت الوصول للشعب. لايمكن بعقلية الإستئثار والإقصاء الوصول إلا الى حلقات مغلقة تربت على أكتاف بعضها بغبطة الأهبــل الذي يجلس في مستنقع ظاناً أنه في الجنـــة.
ليس للمعارضــة إلا طريق تحطيــم القبليــة أولاً بين صفوفها.
أنا لا أعرف إن كانت المعارضــة قادرة غداً أو بعد غد على الإطاحة بالسلطة فأنا لا أعلم الغيب ولا تهمني معرفته. لكني متأكد أن المعارضة إذا كانت جادة فعليها ألا تهتم بإطاحة أحد فهي ليست مجموعة ضباط ” أحرار” بل هي إبنة هذا الشعب الأكثروعياً ولذلك عليها تنوير الآخرين بما تملكه ذهنياً. هذا الطريق قد يبدو طويلاً لكنه أقصــر من كل مغامرة بونابرتيــة خداميــة ستبيض أخيرا ماضيها من جديد.
مثل هذا الطريق الذي لايملكه أحد سوى المعارضــة يتطلب (كمثال من عدة أمثلة) فتح قنوات المعرفة والوثائق للآخرين لتصبح أعمالهم دقيقة وموثقة. إكتناز الحقيقة للذات يعني تحنيطها والتحنيط الذي إخترعه المصريون لقهرالموت بالحياة أثبت عن غير قصد سلطة الموت المطلقة.
المعارضة وليست السلطة هي الوحيدة القادرة على تربيــة وتوعية الجماهيــر وهذا لا يمكن لفرد أن يقوم به بل هو كلوحة الفسيفساء تتألف من ألف حجروحجر وتشكل مع بعضها صورة جميلة. ومتى تزودت الجماهير بالمعلومات وبحدة النظر إلى فحوى المعلومات تقوم هي بشجاعة متناهية بإسقاط السلطة أو قد لا تقوم لأن الإطاحة بالحكم ليست السبيل الوحيد للدفاع عن كرامة وحرية المواطنيــن. هناك آلاف الخطوات والطرق للوصول إلى الحرية والديمقراطيــة. فلنناقش هذه الطرق أمام أعين الناس ومع الناس بكل جرأة في الطرح وإحترام للآخر رغم الخلاف ولنسمي الأمور والأشخاص دون تلميح متعجرف مؤامراتي كما تفعل السلطة.
لنقدم يوميــا بالتعامل بيننــا صورة عن ذلك المجتمع الســوري المشرق الذي تحترم فيه المرأة بدون قيد وشرط وبدون تسويف ومماطلة، ذلك المجتمع الذي يكتب ويقول فيه الناس ما يفكرون به ويقرأون المكتوب دون تفتيش عن المخفي بين السطور فلا مخفي في الحرية رغم عمق الكلمات.
ذلك المجتمع الذي يعيد للإنسان جماله ويقدر إنتاجه مهما كان ويحثه على المزيد من التقدم بدل كبحه وقص أجنحته.
هذا ما لاتستطيعه إلا المعارضــة الديمقراطيــة في هذا البلد.
المجتمع السوري الذي لايعرف سجوناً للمثقفين لا تصنعه الدولة بل المعارضة حتى في أصغر خلاياها وفي كل كلمة. لنتعلم ذلك يومياً ونعلم الآخرين معنا. لا أن نرفع أنفسنا بعنهجية إلى هيكل القداسة ونجعل من كل معارض لرأينا خائناً حقيراً ونصدربحقه أحكامنا الجاهزة. فهذا ليس حتى سبق مسلكي لأن السلطة تقوم به منذ يومها الأول وهي لا تخجل حتى من صنع التماثيل البرونزية لأفرادها وهم لا يزالون أحياء ولأي إنجاز؟ لفكروطني فذ يعلمنا إستقراء الماضي دون جمود لنبني حاضراً كريماً بالإنســان ولنطرق بيد واثقة على باب المستقبل؟ لسياسية ثورية عادلة محبة للإنسان أزالت الظلم ألإجتماعي وأتت بالرخاء حتى لأصغرقرية سورية؟ لإنسانيته التي جذبت السوريين من كل أصقاع الأرض ليبنوا معه هذا الوطن الجميل؟ لتحريره لآخر مترأرض مغتصبة؟ لكتابته نص فلسفي أوأدبي إقتحم به قلب وعقل الإنسانية؟ أم لإنجاز علمي لكونه فلق الذرة بالكماشة؟
لا شيء من هذا ولا من ذاك. فحتى أقرب الناس للطاغيــة يعرف محدوديــة فكره.
إنه إذلال متعمد للناس برفع النفس بالعنف السلطوي. مثل هذه الظواهر تنتقل شيئاً فشيئاً حتى دون أن نشعر بها أحياناً إلى حياتنا اليومية وحتى إلى صفوف المعارضــة فيصبح أصدقاء الأمس غرباء بين فوق وتحت.
كم يحزنني قراءة المهاترات ( وأنا لا أستطيع تسميتها بغير ذلك) والمزايدات التي تملأ حيزاً مهماً من صحافة المعــارضــة. كم يؤلمني تفسخ صفوف المعارضــةالى داخل وخارج وفي الشقين إلى مجموعات لا تزال تنقسم يوميا على ذاتها بدل التجمع شيئاً فشيئاً لتصبح كلاً حيوياً قادراً على الحركــة.
ما معنى تفريق المعارضــة بين داخل وخارج؟ أليس هذا ما يجتره النظام؟ ما معنى تكفيــر الآخر الذي مهما صغرت مبادرته حتى ولو أصبحت بصغر قطرة المطر فهي كتلك مفيدة لنا وله. وحتى أكبر المحيطات يتألف من قطرات.
ما معنى التلويح والتلميح أن هذا المعارض أو ذاك يسيء لسمعة الوطن؟ أليس ذلك ما يقوله وزير الإعلام؟ أي سمعة للوطن تركوها لنا لكي نسيء اليها؟ أم أن الطغاة يخلطون بين سمعتهم وسمعة الوطن؟
أم أن الحقــد على المنفييــن يشعر به الطغاة وأذنابهم لكون هؤلاء لا يسترون ماء وجه الديكتاتورية أمام شعوب العالم ويكتبون بكل اللغات العالميــة عن ألم شعبهم؟ قد تبدو هذه الفرضيــة خاطئة وأنا ليس لدي أي مانع أن تلقى في سلة المهملات لكنني بمقارنــة مايُكتب بالعربية ضد الديكتاتورية في كل البلدان العربيــة بذلك الذي نكتبــه باللغات العالميــة لا أجد أن نقدنا يتجاوز النقد العربي لأي كاتب ملتزم يعيش في البلاد العربيــة أوالمنفى لكن ما نكتبه يؤثر بصورة أكثر في القراء والسياسيـين الغربيين وهو ما يخشاه الديكتاتور خشية العبد لسيده.
طبعاً هذا الشجار بين جريحي الوطن – فالسجن يجرح كما المنفى – كان لا بد من حدوثه بعد قرون القهروالكبت. لكن لنقف قليلاً للتأمل بما وصلت إليه المعارضة السوريــة بداخلها الشجاع الصابـر ومنفاها المخلص لوطنه وشعبه. إنه لم يكف بعد لتغيير جذري لكنه ليس بالقليل ولولا ذلك لما أعاد النظام سيرته القديمة الجديدة بالإعتقال والتنكيل بخيرة نساء ورجال هذا الوطن.
وتأريخ المعارضــة السورية الشجاعة لا يحتاج إلى تبرير فهي من أشجع وأنشط حركات المعارضة العربيــة.
لنفرح بما وصلنا إليه على صغره وليكون هذا الفرح زادنا اليومي لعمل أفضل ولننظر معاً في الداخل والمنفى والمهجر إلى الأمام باحثين عن الضوء. وهذا يقتضي أولاً فتح العيون والتمييز بين صديق وعدو. وأول ما علينا هو أن نحنو على الصديق أن نفهمه ونحبه حتى في ضعفه لا أن نشهر بهذا الضعف وتلك السقطة فحتى الخيول الأصيلة لها كبوة. أن نتعلم فن المحبة فنحن إن لم نحب لا نستطيع كره أعدائنــا. نتوهم أننا نكرههم لكن إن لم نعرف ما هو الحب الإنساني لهذا الصديق الذي يسعى معنا لبناء الوطن الجميل مضحياً بوقته وطاقته وسلامته ونظهر له لين الجانب ورفقة القلب فكيف لنا أن نكره من يخرب هذا الوطن ويستعبد شعبه؟
أحيانا يتصرف أحد أطراف المعارضــة بعكس ذلك تماماً وكمثال على ذلك إتساع صدر السيد علي البيانوني لألد أعداء الإنسانية (رفعت الأسد وعبد الحليم خدام نووي) وصلابة مطلقة وإنكماش تجاه أي رأي معارض يختلف مع رأيه في أمور ثانويــة، فيا ويلاه!!! خذوا حمم لم يأتي بها صابر فلحوط ونقد يهدم السد العالي.
لماذا يا أخي؟
هل أصبح خدام أقرب للأخوان المسلمين من أسؤا معارض وليكن ملحداً لكنه يؤمن بحق الأخوان في ممارسة السياسة في ظل الديمقراطية؟ لا أعتقد وعلى الأخوان المسلمين أن يضغطوا على قيادتهم لتقف ضد هذه التصرفات المعادية للحرية والمحتقرة للديمقراطيـــة ولكي لا يصبحوا أيضاً إخوان داخل وإخوان خارج.
ولكي لايقع الأخوان في خطأ تاريخي ثاني يقودهم مجدداً إلى عزلــة قاتلة بعد أن بصق البيانوني في وجه من فتح له ذراعيــه بشجاعة المستميت من أجل الوطن.
إذا أردت التبسيط قلت إن عكس تصرف البيانوني هو ما أحلم به للمعارضة بكل أطيافها: إنفتاح لا حدود له على الأصدقاء وإغلاق الأبواب بصلابة تجاه رموز النظام الساقطة من مائدتــه متخمة بالدم والمال أو لمشيئة التأريخ وفي كلا الحالتيــن أنتهى دورهــم وثبت التأريخ صورهم فلا مجال لتغيـيـرها إلا إذا إستطاعوا إرجاع عجلة التاريخ 40 سنة للوراء وتصرفوا عكس تصرفهم الشائن طوال هذه الفترة.
وهذا مستحيــل بالتأكيــد.
ما أردت قوله: السلطة لا تستطيع تعليم السوريين محبة الإنسان لأنها تحتقره في كل دوائرها. المعارضــة هي الوحيــدة القادرة على ذلك. والشعب السوري سيشعر بالفرق بأسرع مما نتصور.
خاص – صفحات سورية –
الحقوق محفوظة للكاتب ولصفحات سورية