المازوت المدعوم : من طابور إلى طابور !!
علي عبود
لاشك ان من وضع آلية لتوزيع البدل النقدي للمازوت المدعوم كان يضع في أولوياته تعذيب المواطنين المحتاجين لهذا الدعم !
ورأى واضع هذه الآلية أن أحد أهم اساليب تعذيب المواطنين هي إعادتهم إلى زمن الطوابير التي كانوا يعيشونها أكثر من مرة في اليوم في نهاية ثمانينات القرن الماضي للحصول على علبة سمنة أو محارم أو كيلو ليمون .. الخ
وبالفعل فقد نجح واضعو آلية توزيع المازوت المدعوم في مخططهم الجهنمي .. فهاهم المواطنون المحتاجون للدعم ينتقلون من طابور إلى طابور دون أن يحصلوا على شيك البدل النقدي إلا بعد رحلة عذاب قطعوها في الطوابير على مدى أيام وأيام !
بعضهم نجح في الحصول على الشيك في نصف فصل الشتاء والغالبية ربما لن تحصل عليه إلا مع حلول فصل الربيع أي بعد ان يكون البرد قد ولّى وعندها قد يجدها الكثيرون فرصة لاستخدام الشيك في شراء احتياجات ضرورية لأسرهم اكثر من شراء مازوت لشتاء جديد !
لعل من وضع آلية توزيع شيكات المازوت المدعوم خطط منذ البداية لإعادة الناس إلى زمن الطوابير كي يتذكرها ويعيشها مرة جديدة من نساها أو تناسها من جهة ، ولكي يعرف الجيل الجديد ماذا تعني الطوابير ويرغمه على معايشتها كما عاشها وعاد ليعيشها من يكبره في السن !
وقد تفتقت ذهنية الجهة المسؤولة – لانعرف من هي تحديدا – عن آلية تكفل هدر كرامات الناس عدة مرات قبل الحصول على الشيك الموعود فطابور واحد للحصول على الشيك لايكفي وبالتالي من حصل على الشيك بعد وقوف في طابور لأكثر من يوم أمام لجان توزيع الشيكات اكتشف سريعا أن عليه الإنتقال إلى طابور أمام المصارف حيث عليه أن ينتظر أيضا لساعات وساعات – وربما لأكثر من يوم – قبل ان يصل إلى الموظفين المسؤولين عن إنجاز معاملات صرف الشيكات !
وما أن يستلم المواطن البدل النقدي للشيك حتى يتهّيب مما هو قادم بعد فترة قصيرة إذ عليه أن يعيد رحلة العذاب والإذلال مرة ثانية بكل تفاصيلها وآلامها !
نعم لقد حرصت الجهة التي وضعت آلية توزيع المازوت المدعوم ابتكار اسلوب يضمن تعذيب المواطنين وإذلالهم أكثر فأكثر فقد قررت أن يتم توزيع الشيكات على دفعتين لادفعة واحدة ، وبالتالي فإن امام المواطنين الذين حصلوا على الشيك الأول رحلة عذاب ثانية للفوز بالشيك الثاني !
وهكذا اكتشفنا ان عملية التأخير بتوزيع البدل النقدي للمازوت المدعوم لم تكن بهدف إيصال الدعم لمستحقيه وإنما لإيجاد آلية تعذيب تدفع بالكثير من المواطنين إلى عدم القبول بها وبالتالي رفض استلام الشيكات بهذه الطريقة المذلة للناس وكراماتهم !
لو كانت النوايا سليمة ولو كانت الحكومة مهتمة فعلا بوصول المازوت المدعوم إلى مستحقيه بطريقة سهلة وحضارية لكانت بدأت عملية التوزيع في بداية شهر أيلول كما وعد رئيس الحكومة أمام مجلس الشعب في آذار الماضي مما كان سيتيح الوقت المناسب لحصول المواطنين على الشيكات دون طوابير !
ولو كانت الحكومة حريصة على مشاعر الناس ولعدم إعادتهم إلى زمن الطوابير لما قررت توزيع البدل النقدي على دفعتين ولما تعمّدت صرف الشيك الأول في عزّ الشتاء دون أي سبب مقنع لهكذا قرار !
ولو كانت الحكومة مهتمة بأحوال وكرامات الناس لما كلفت أناس بوضع آلية جعلت المحتاجين ينتقلون من طابور إلى طابور !
كان بالإمكان ان تقوم الجهة التي توزع الشيكات بصرفها مباشرة من خلال تزويدها بالأموال اللازمة بعد أن يوقع صاحب العلاقة على الشيك !
لقد شغلت الحكومة آلاف العاملين في المؤسسات الرسمية والمصارف بقضية توزيع وصرف شيكات المازوت المدعوم ، وستعود وتشغلهم ثانية بصرف الدفعة الثانية من الشيكات وكأنّ لاقيمة للزمن والجهد المهدورين على قضية كان يمكن حلها بآليات اسهل واسرع !
لقد اقترح مثل هذه الآليات كل من مجلس الشعب والعمال ورجال اقتصاد وغيرهم .. لكن الحكومة لم تستمع إلى أحد ونفذت ماكانت تخطط له منذ البداية أي تنفيذ آلية معقدة تشغل آلاف العاملين وتذل المحتاجين وتدفعهم للتنقل من طابور إلى طابور
كلنا شركاء