الديموقراطية الأميـركية في قبضة الشركات
إعداد وترجمة: ديما شريف
الوهْم المفيد
كريس هيدجز*
قبل صدور قرار المحكمة العليا في قضية «مواطنون متّحدون» ضدّ «لجنة الانتخابات الاتحادية»، قامت الشركات بانقلاب بطيء. انتهى الانقلاب. لقد خسرنا. الحكم هو جهد قضائي إضافي لتنظيم الآليات اللازمة لسيطرة الشركات. إنّه يفضح أسطورة الديموقراطية التي تعمل وانتصار قوة الشركات. لكنّه لا يغيّر كثيراً في المشهد السياسي. دولة الشركات متجذّرة جيداً في مكانها.
وهْم الديموقراطية يبقى مفيداً، ليس فقط من أجل الشركات، بل أيضاً من أجل الطبقة الليبرالية المفلسة. إذا جرى تحدّي الوهم جديّاً، سيجبر الليبراليون على التفكير في المقاومة الحقيقية، ما لن يكون جميلاً أو سهلاً. ما دامت هناك واجهة ديموقراطية، يستطيع الليبراليون الانخراط في مواقف أخلاقية فارغة تتطلب قليلاً من التضحية والالتزام. يمكنهم أن يكونوا أشخاصاً سليطين عيّنوا أنفسهم في الحزب الديموقراطي، ويتصرّفون كأنّهم جزء من النقاش، ويشعرون بأنّهم يبررون أنفسهم عبر صراخ اعتراضهم المستمر.
أغلب الاعتراضاب على قرار المحكمة هي لأولئك الذين يفضّلون هذه المهزلة المفبركة. وما دامت المهزلة مستمرة، لا يضطرّّّّون إلى التفكير في كيفية محاربة ما يسمّيه الفيلسوف السياسي شيلدون والين نظامنا الخاص من «الشمولية المعكوسة».
تمثّل الشموليّة المعكوسة «عمر نضوج قوة الشركات والتسريح السياسي للمواطنين»، يكتب والين في «ديموقراطية الشركات». تختلف الشمولية المعكوسة عن الأشكال التقليدية للشمولية التي تتمحور حول زعيم يتمتع بكاريزما، وتعبّر عن نفسها في عقلية الشركات. لا تفاخر قوى الشركات التي تقف وراء الشمولية المعكوسة بأنّها أبدلت نظماً مهترئة بأخرى جديدة ثورية، كما يحصل مع الحركات الشمولية التقليدية. هم يدعون إلى احترام السياسات الانتخابية والحرية والدستور. لكنّهم يفسدون ويتحكمون برافعات القوى، ما يجعل الديموقراطية مستحيلة.
لا تصوّر الشمولية المعكوسة على أنّها إيديولوجية، كما لا تتجسد في السياسات العامة، بل تتعزز من خلال «مالكي القوة والمواطنين الذين لا يعون أحياناً النتائج العميقة لما يفعلونه أو لا يفعلونه»، يقول والين. لكنّها لا تقلّ خطراً عن النسخ التقليدية من الشمولية. ففي نظام الشمولية المعكوسة، كما أظهر حكم المحكمة، ليس من الضروري إعادة صياغة الدستور، كما تفعل الأنظمة الفاشية أو الشيوعيّة. يكفي استغلال القوة الشرعيّة عبر تفسيرات قضائية وتشريعية. هذا الاستغلال يؤمّن حماية المساهمات الكبيرة من قبل الشركات في الحملات الانتخابية بوصفها حرية الرأي التي وردت في التعديل الأول من الدستور. كما تضمن تفسير جماعات الضغط التي موّلتها كثيراً الشركات الكبرى على أنّها تطبيق لحق الشعب في التماس الحكومة. صدّقت المحكمة مجدداً قرار اعتبار أنّ الشركات أشخاص، عدا الحالات التي يوافق فيها «الأشخاص» على «تسوية». هؤلاء الذين هم ضمن الشركات يمكنهم تجنّب الذهاب إلى السجن عبر دفع مبالغ كبيرة من المال للحكومة، مع الادّعاء بأنّهم «لم يفعلوا شيئاً خاطئاً» وفق هذا المنطق القضائي الملتوي. هناك كلمة لوصف ما يجري، إنّه الفساد.
لدى الشركات 35000 شخص في جماعات الضغط في واشنطن، وآلاف آخرون في عواصم الولايات ممن يتصدّقون بأموال الشركات لكتابة القوانين. يستخدمون لجانهم السياسية لحثّ الموظفين والمساهمين على التبرع من أجل تمويل حملات مرشحين طيّعين. القطاع المالي، مثلاً، صرف أكثر من 15 مليار دولار على الحملات السياسية، استغلال النفوذ والضغط خلال العقد الماضي، ما أسفر عن تحرر كبير من القيود، تلاعب المستهلكين، انهيارنا المالي العام وسرقة الخزينة العامة الأميركية. صرف تجمع البحوث والصناعات الدوائية العام الماضي 26 مليون دولار، وساهمت شركات دواء مثل فايزر وإيلاي ليلي بعشرات الملايين الإضافية لرشوة الحزبين. هذه الشركات تأكدت من أن قانون الرعاية الصحية يجبرنا على شراء منتجاتهم المعيبة. صناعة الغاز والنفط، صناعة الفحم، متعاقدو الدفاع وشركات الاتصالات تصدّت للسعي نحو طاقة مستدامة، وهندست التآكل المستمر للحريات المدنية. يقبل السياسيون عطاءات الشركات وينظمون فصولاً فارغة من المسرح السياسي لإبقاء وهم الدولة الديموقراطية قيد الحياة.
لم تبقَ مؤسسة وطنية يمكن وصفها بدقة على أنّها ديموقراطية. يسمح للمواطنين، عوضاً عن المشاركة في السلطة، بأن تكون لهم آراء افتراضية لأسئلة قدرية، وهو نوع من الفاشية التشاركية لا معنى لها مثل التصويت على برنامج «أميركان آيدول». العواطف الكبيرة توجه نحو حروب الثقافات. يسمح لنا ذلك أن نأخذ مواقف عاطفية بشأن مسائل لا تهم نخبة القوة. شهد تحوّلنا إلى إمبراطورية، كما حصل في أثينا القديمة وروما، على تحوّل الطغيان الذي نمارسه في الخارج إلى طغيان نمارسه في الداخل. نحن، كما كل الإمبراطوريات، أكلتنا توسعيّتنا. نستخدم أسلحة ذات قوة تدميرية رهيبة، نقدم العون لتحفيز النمو في الخارج بواسطة مليارات من أموال دافعي الضرائب، ونحن أكبر تاجر أسلحة في العالم. والدستور كما يقول والين «جُنِّد ليخدم كمتدرب لدى السلطة عوضاً عن أن يكون ضميرها».
يقول والين إنّ «الشمولية المعكوسة تعكس الأشياء». ويضيف إنّها سياسة كلّ الوقت، لكنّها سياسة لم يخفّفها العامل السياسي. مشاحنات الحزب هي أحياناً علنية، وهناك سياسات مجنونة ومستمرة بين قطاعات الحزب، وجماعات المصالح، وقوى الشركات المتنافسة، وقلق من الإعلام المنافس. كذلك، هناك بالتأكيد نقطة الذروة في الانتخابات الوطنية حين يكون اهتمام الأمة مطلوباً للاختيار بين الشخصيات عوض الاختيار بين بدائل. الغائب هو السياسة، والالتزام بإيجاد موقع الخير المشترك بين فوضى المصالح المتموّلة والمنظّمة تنظيماً جيداً والأنانية، التي تسعى على نحو متطرف إلى الخدمات الحكومية وممارسات الحكومة التمثيلية والإدارة العامة في بحر من المال. هوليوود، صناعة الخبر والتلفاز التي تسيطر عليها شركات، أصبحت أدوات الشمولية المعكوسة. يمارسون رقابة أو يسخرون ممن ينتقد أو يتحدى بنى الشركات واستنتاجاتها. يشبعون موجات الأثير بسجالات مفتعلة، سواء كان تايغر وودز أو الخلاف بين جاي لينو وكونان أوبراين. يتحكمون بالصور ليجعلونا نخلط بين الطريقة التي يجب أن نحسّ بها والمعرفة، وهي الطريقة التي أصبح بها باراك أوباما رئيساً. تعمل السيطرة الوحشية الداخلية التي تستخدمها وزارة الأمن الداخلي والجيش والشرطة في ما يتعلق بأي شكل من أشكال السخط الشعبي، مع رقابة الميديا داخل نظام الشمولية المعكوسة، كما تعمل البلطجية والكتب في أيّ نظام شمولي تقليدي.
يقول والين إنّ الوضع يبدو كأنّه «إعادة للخبرة التاريخية حين يجب أن يكون الانحياز الذي يظهره الإعلام اليوم موجّهاً دائماً إلى بقايا الليبرالية». ويضيف إنّه يجب عدم النسيان أنّ العامل المشترك بين أغلبية شموليات القرن العشرين، فاشية كانت أو ستالينية، هو العدائية تجاه اليسار. في الولايات المتحدة، يفترض البعض أنّ اليسار هو فقط الليبراليون وأحياناً من «الجناح اليساري من الديموقراطيين» وليس من الديموقراطيين.
أُسكت الليبراليون، الاشتراكيون، النقابيون، الصحافيون المستقلون والمثقفون، وعدد منهم كان في يوم من الأيام صوتاً مهماً في مجتمعنا. وتستهدف هؤلاء الأوساطُ الأكاديمية أو الإعلامية أو الحكومية التي تسيطر عليها الشركات. يعدّ والين الذي علّم في بيركلي، ولاحقاً في برينستون، أهم فيلسوف سياسي في البلاد، لكنه تمّ تجاهل كتبه. لهذا السبب أيضاً لا يعطى لرالف نادر، دينيس كوسينيتش وسينثيا ماكيني ونوام تشومسكي، دور في خطابنا الوطني.
التماثل في الآراء يعزز عبر العواطف الوطنية الجماعية المهندسة بدقة والتي تعتبر كلّ منشق «ضعيفاً» أو «غير وطني».
القوة وهيئات الأمن تبقينا مدجّنين وخائفين كمعظم العراقيين
يساند «الوطني» الذي ابتليَ بالخوف من فقدان الوظائف والاعتداءات الإرهابية المحتملة، المراقبة الشاملة والدولة العسكرية. هذا يعني أنّه لا وجود لتشكيك بالمصاريف المتعلقة بالدفاع التي تبلغ تريليون دولار. هذا يعني أنّ الجيش والوكالات الاستخبارية هي فوق الحكومة كما لو أنّها ليست جزءاً منها. الأدوات الأكثر قوة لسلطة الدولة وسيطرتها نزعت من التداول العام. نحن، كمواطنين في هذه الإمبراطورية، يتمّ تلقيننا بأن نزدري البيروقراطية الحكومية، لكننا نقف كالخراف أمام عملاء الأمن الداخلي في المطارات، ونصمت حين يسمح الكونغرس بمراقبة وأرشفة مراسلاتنا وأحاديثنا الشخصية. نعاني من سيطرة حكومية أكثر من أي وقت مضى في التاريخ الأميركي.
اللغة المهذبة، الوطنية والسياسية، التي نستخدمها لنصف أنفسنا تبقى هي نفسها. نظهر الولاء للرموز والأيقونات الوطنية نفسها. نجد هويتنا الجماعية في الأساطير الوطنية نفسها. نستمر في تأليه الآباء المؤسسين. لكن أميركا التي نحتفل بها مجرّد وهم. لا وجود لها. حكومتنا وقضاتنا لا سيادة فعلية لهم. صحافتنا تقدم التنوع، لا المعلومات. هيئات الأمن والقوة تبقينا مدجنين وخائفين كمعظم العراقيين. الرأسمالية، كما فهمها كارل ماركس، تصبح قوة ثورية حين تخصي حكومة. وهذه القوة الثورية التي يمكن وصفها كشمولية معكوسة تجرّنا إلى دولة إقطاعية جديدة، حرب مستمرة وقمع كبير. قرار المحكمة العليا هو جزء من تحوّلنا بواسطة دولة الشركات من مواطنين إلى سجناء.
* عن «تروثديغ»، مجلة إلكترونية أميركية
تتحدث باسم الديموقراطيّين
الزحف إلى المحكمة العليا
إي. جاي ديون*
«الشعبوية» هي الكلمة الأكثر استخداماً في معجم التعليق السياسي، وعلى نحو خاطئ أيضاً. لكن بسبب قرار متهور من رئيس المحكمة العليا جون روبرتس وطمع بارونات المال في الدولة، وصلنا إلى لحظة شعبوية حقيقية في السياسة الأميركية. قرار المحكمة العليا الذي اتخذ بخمسة أصوات مقابل أربعة، الأسبوع الماضي، بإعطاء الشركات الأميركية الحق بإنفاق مال سياسي غير محدود، كان عرضاً مفاجئاً من الغطرسة القضائية ومن النشاط المبالغ به وغير المبرر.
غالبية يمينية بسيطة في المحكمة أدارت ظهرها لقرن من الممارسات وعقود من السوابق، وقررت تغيير النظام السياسي الأميركي ليصبح مطابقاً لمصالح الشركات.
سرد عنوان فظ سرداً غير عادي في النسخة الورقية من عدد الجمعة من جريدة «نيويورك تايمز» الحكاية بإيجاز: «سلطة اللوبيات الجديدة: تخطّونا، وسندفنكم بأموالنا».
تخيّلوا المحادثة التالية بين سيناتور وأحد أعضاء جماعات الضغط: «هل ستوقفون خطة إنقاذ دافعي الضرائب التي نريدها؟ حسناً أنا آسف، لكنّنا سنموّل بقيمة مليوني دولار إعلانات ضدك». الحوار نفسه يمكن أن يجري حول الإعفاءات الضريبية، حماية المستهلك، القوانين البيئية وحماية العمّال.
يدّعي المدافعون عن هذا التوسّع الكبير في تأثير الشركات بأنّ ما حصل متعلق بـ«حرية الرأي». لكن منذ متى تتمتع شركة، بعد تمرير بعض القوانين من الحكومات، بالحقوق نفسها التي يتمتع بها المواطن؟ هذا الحكم سيمنح الكيانات التجارية الكبيرة قوة أكبر من أي فرد، إن لم يكن مايكل بلومبرغ أو بيل غايتز.
الرد الوحيد على هذا التشويه لنظامنا السياسي بواسطة قضاة مؤدلجين، هو ثورة شعبية. ستكون ثورة من النوع المتجذّر في التقاليد السياسية الأميركية. أكثر أنواع الإصلاح الحيوية في تاريخنا تضمنت تحالفات بين الشعبويين (الذين يدافعون عن مصالح المواطنين العاديين وقيمهم) والتقدميين (الذين يحاربون الفساد في الحكومة ويسعون للتغيير المؤسساتي لتحسين عمل ديموقراطيتنا). حان الوقت لتحالف شعبوي ــــ تقدمي جديد.
يجب على هذا الحكم أن يتحدى الشعبوية المزيفة التي رأيناها أخيراً. فهي تخفي دفاعاً عن مصالح الأقوياء خلف جمل ترضي الجماهير ضد «واشنطن»، «الضرائب»، وبالتأكيد «أوباما». ساعد الرئيس باراك أوباما على تغذية هذه الثورة الشعبوية الزائفة عبر فشله في إدراك مدى استياء الطبقة الوسطى الأميركية، وجلّها من المعتدلين سياسياً، من السياسات التي أنقذت المصارف وتركت في الوقت نفسه ملايين من العاطلين من العمل، وملايين إضافيين من القلقين على مستقبلهم الاقتصادي.
إذا اعتبر الناخبون العاديون أنّ الحكومة هي في المقام الأول أداة بيد المصارف، فلماذا عليهم أن يصدقوا أنّ الحكومة نفسها ستساعدهم في موضوعات الرعاية الصحية والعمل؟ هذه المشكلة تتعاظم مع شيوخ أنانيين تآمروا لجعل عملية الانتخاب تبدو أبشع وأكثر فوضوية، ما أمكن. بدأ أوباما بالتوجه نحو الشعبوية قبل صدور نتائج انتخابات مجلس الشيوخ في ماساشوستس. فوز الجمهوري سكوت براون جعل التحوّل حتمياً.
عرض الرئيس الآن ضريبة متواضعة على المؤسسات المالية الكبيرة لتغطية كلفة الإنقاذ. كما عرض مقاربة أقسى للمصارف ستحد من حجمها وقدرتها على القيام برهانات مالية تخرّب الاقتصاد. هذه بداية مهمة، وقد حان وقتها. بعد ذلك، يأتي تشريع لقلب جهد المحكمة العليا لتقويض الديموقراطية الأميركية. يعمل السيناتور تشارلز شومر والنائب كريس فان هولن مع البيت الأبيض على ترتيب كبح مدى انتشار حكم المحكمة العليا.
هل نريد شركات مملوكة من حكومات أجنبية، لتمارس تأثيراً لا لزوم له في سياستنا؟
قانونهم لا يزال قيد الإعداد، لكنّ الأفكار التي يتداولونها تتضمّن منع صرف المال الانتخابي من جانب الشركات التي تتلقى أموالاً حكومية، أو تستأجر جماعات ضغط، أو تجني معظم مداخيلها في الخارج. ألا يحق للمساهمين التصويت قبل أن تصرف الشركات المال على السياسة؟ هل نريد شركات مملوكة من أجانب، وخصوصاً تلك التي تملكها حكومات أجنبية، أن تمارس تأثيراً لا لزوم له في سياستنا؟ تخيلوا ما ستحاول شركة مملوكة من الحكومة الصينية أو الروسية، أو تتأثّر بهما، أن تفعله لسياسي يركّز على حقوق الإنسان؟
فكرتي المفضّلة: الطلب من مدراء الشركات الظهور في الإعلانات التي ترعاها شركاتهم، كما يفعل السياسيون: «مرحباً أنا جو سميث رئيس شركة عملاقة، وأنا أوافق على هذه الرسالة». كان الرئيس أوباما محقاً في استذكار تيدي روزفلت في خطابه الإذاعي السبت الفائت. فالديموقراطية الأميركية التي حارب روزفلت من أجلها، هي في خطر.
* عن «ذا نيو ريبابليك»، مجلّة نصف شهرية أميركية ليبرالية اقتصادياً مع ميل إلى وجهة نظر الصقور
في السياسة الخارجية
تأييد التعديل الأول
برادلي سميث *
الحكم الذي صدر عن المحكمة العليا يوم الخميس الماضي في قضية «مواطنون متحدون» ضد لجنة الانتخابات الاتحادية، والذي أبطلت فيه المحكمة حظراً حكومياً مبطّناً على الخطاب السياسي للشركات، هو حكم رائع يعيد الخطاب السياسي إلى الصدارة التي كانت مخصّصة له في التعديل الأول. لتقدير المخاطر في قضية «مواطنون متحدون»، يجب ان نتذكر موقف الحكومة القانوني في القضية. أصرّت الحكومة على أنّ الدستور يسمح لها بمنع توزيع الكتب على برنامج «كيندل» الإلكتروني، وحظر أيّ نقابة من استخدام مؤلّف يضع كتاباً بعنوان «لماذا يجب على عمال أميركا مساندة أجندة أوباما»، ومنع شركة النشر «سيمون أند شاستر» وشركة التوزيع «بارنز أند نوبل» من نشر وتوزيع كتاب يحمل جملة واحدة مؤيّدة أو معارضة لمرشح لمركز رسمي.
قالت المحكمة «لا»، والشيء الوحيد الصادم في هذا القرار هو أنّ القضاة الأربعة الليبراليين قالوا «نعم». نأمل أن يضع هذا الحكم حدّاً لعشرين عاماً من الاجتهادات منحت من خلالها المحكمة حماية لجوهر الخطاب السياسي أقلّ ممّا فعلت للإباحية على الإنترنت: نقل معلومات مسروقة، حرق العلم، الدعاية الإعلانية، الرقص عاريات الصدر، وحرق صليب أمام كنيسة أفريقية ـــــ أميركية. لسوء الحظ، يستخدم البعض في الكونغرس هذا القرار للدفع باتجاه سيطرة الحكومة على الحملات الانتخابية من خلال قانون الانتخابات النظيفة ذات الاسم الخاطئ، الذي دعمه أكثر من مئة شخص (كلّهم ما عدا ثلاثة هم من الديموقراطيين) في مجلس النواب. هذا التشريع يستخدم أموال دافعي الضرائب لتمويل حملات الترشيح إلى الكونغرس.
هذا «الحلّ» للمشكلة المزعومة بشأن سيطرة المصالح المالية على السياسة عندنا، عدا اعتراضات أخرى، هو ببساطة لا صلة له بالموضوع. ستستطيع الشركات أن تقوم بنفقات مستقلة بغضّ النظر عن الطريقة التي يموّل بها المرشحون حملاتهم. رغم ذلك، عدد من الذين يفصحون عن غضبهم من «مواطنون متحدون»، مثل النائب بارني فرانك الديموقرطي من ماساشوستس، يتحدثون عن استخدام تنظيم الأوراق المالية لمعاقبة الشركات التي تتجرأ على الكلام. يتعهد السيد فرانك بتنظيم جلسات استماع في الكونغرس.
صحيح انّ حكم المحكمة العليا سيؤدّي إلى مزيد من الخطاب السياسي الخاص بالشركات والنقابات، لكن حتى لو كان المرء يظن أنّ هذا أمر سيّئ، هناك سبب تجريبي لتصديق قصص الرعب عن سيطرة الشركات على العملية الديموقراطية. بالفعل، هناك 28 ولاية تمثّل 60 في المئة من السكان تسمح بنفقات مستقلة للشركات في الانتخابات. هذه الولايات، ومنها فيرجينيا ويوتاه وأوريغون، هي بالكاد تدار بطريقة سيّئة. على العكس، هي من بين الأكثر نمواً والأفضل حكماً في البلاد.
القضاة المعارضون في قضية «مواطنون متحدون» يعتبرون الشركات منظمات يحاصر فيها الناس. يتحسرون على الحقوق المزعومة الضائعة لأصحاب الأسهم، الذين قد لا يساندون شخصياً المرشحين الذين قد تختارهم الشركة لمساندتهم. في المقابل، القضاة الذين ساندوا قرار القاضي أنطوني كينيدي، وكانوا الأغلبية، يرون أنّ ذلك لا يختلف عن أيّ قضية حاكمية شركة.
تأخذ الشركات دائماً قرارات لا تعجب المساهمين، مثل التبرع لجمعيات خيرية. بوسع المساهمين ترك الشركة إذا أصبحت الاختلافات في وجهات النظر كبيرة. في هذا الوقت، لماذا يجب على الأغلبية ان تُمنع من التعبير عن رأيها كشركة؟
أغلب المعارضة لـ«مواطنون متّحدون» هي ببساطة معارضة اليسار السياسي لما يظنون أن الشركات ستقوله. خذوا في الاعتبار منظمات «إصلاح» الحملات الانتخابية التي ساندتها الشركات وقتاً طويلاً. نال مركز برينان للعدالة في جامعة نيويورك تمويلاً من مروحة واسعة من الشركات الأميركية، مثل «إنرون» و«بير ستيرنز». لم يسمع الجمهور همسة من هذه المنظمة عن ضرورة مساندة المساهمين جميعهم في هذه الشركات لبرنامج المركز.
معظم الانتقاد يركّز على أن الجمهوريّين سيكونون الرابحين إذا لم توقَف الشركات والنقابات
أتذكرون في هذا الخصوص، معهد جون ماكين للإصلاح، الذي أُسس ليروّج لإصلاح تمويل الحملات الانتخابية بعد ترشّحه للرئاسة في عام 2000. تلقى تمويلاً من «آي إيه جي». هل وافق كل مساهمي «آي إيه جي»؟
بطريقة مماثلة، معظم الانتقاد يركّز على أنّ الجمهوريين سيكونون الرابحين اذا لم تُوقَف الشركات والنقابات. قال الرئيس باراك أوباما ورئيس لجنة الحملات الانتخابية في الكونغرس كريس فان هولن، ورئيس لجنة الحملات الانتحابية في مجلس الشيوخ بوب مينينديز، إنّهم سيبحثون عن طرق لحصر نفقات الشركات.
لكن التعديل الدستوري الأول يتمحور حول عدم الثقة بالحكومة لتأخذ القرارات بشأن من تكلم كثيراً. لهذا السبب، يبدو قرار الخميس نسمةً من الهواء المنعش.في المرة المقبلة حين تحملون كتاباً عن الإنترنت، أو تشترون أحد مؤلفات مايكل مور من «بارنز أند نوبل»، أو تطلبون فيلماً سياسياً من الخدمة الفضائية، تذكروا أنّ قرار المحكمة العليا في «مواطنون متحدون» قد وفّر لكم الحق في أن تفعلوا ذلك.
*عن «وول ستريت جورنال»
الأخبار